حاوره- حسن الستري، تصوير سهيل وزير

أكد رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ عبدالرحمن بن محمد آل خليفة أن التعايش يقوم على الاعتراف بالآخر بغض الطرف عن ديانته، والتعامل مع أصحاب الديانات الأخرى بالبر والإحسان والمعاملة الطيبة، والابتعاد عن التعصب والإكراه في الدين، واتباع أسلوب الحوار بالتي هي أحسن دون تحقير الآخر ومعتقداته.

وبين في حوار مع "الوطن" أن المجلس تبنى على مدى عقدين من الزمن إعمار 17 جامعاً من مختلف محافظات المملكة، وهناك خمسة مشروعات مزمع تنفيذها هي جامع الشيخ قاسم المهزع بسوق المنامة، وجامع كرزكان، وجامع المعامير، وجامع بن حويل بالرفاع الشرقي، وجامع وصالة مناسبات بحالة النعيم.

ولفت الى أن المجلس حقق 13 كتاباً من أمهات الكتب، وكان آخرها كتاب الوفا بفضائل المصطفى لابن الجوزي في خمسة مجلدات، كما يجري العمل على تحقيق خمسة كتب أخرى الآن؛ وسيتم الإعلان عنها بعد الانتهاء من مراحل التحقيق، كما طبع المجلس طوال مسيرته عشرات البحوث والدراسات والإصدارات الأخرى، ومنها البحوث التي قُدِّمت في المؤتمرات والندوات التي نظَّمها أو شارك في تنظيمها.

وذكر أن المجلس توجد به 4 لجان دائمة منبثقة عن المجلس؛ وهي: لجنة الجمعيات والمؤسسات الإسلامية، ولجنة إبداء الرأي الشرعي، ولجنة دعم طلبة العلوم الشرعية، ولجنة الأنشطة والفعاليات.

وأوضح أن المجلس قدَّم مرئياته من الناحية الشرعية في عدد من الموضوعات ذات العلاقة، ومن أهمها أحكام العبادات الجماعية في زمن انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) والضوابط الشرعية لذلك، وكانت هذه المرئيات بناء على اجتماعات واتصالات كثيرة مع الفريق الوطني للتصدي لفيروس كورونا (كوفيد-19) للوقوف على الأوضاع والتطورات الصحية في البلاد والمنطقة أولاً بأول، إضافة للتواصل الدائم مع وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف ومع إدارتي الأوقاف السنية والجعفرية.

ونوه إلى أن قرار فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف بضمه إلى مجلس حكماء المسلمين، يؤكد احترام المنظمات الإسلامية الدولية لمملكة البحرين بصفة عامة، وللمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بصفة خاصة، وما يضطلع به من دور ريادي وما يمثله من نموذج طيب للوحدة بين المسلمين. وفيما يلي نص الحوار:

- ما هي خطة المجلس للتقريب بين المذاهب الإسلامية وتعزيز الوحدة بين المسلمين؟

التقريب بين المذاهب الإسلامية، وتعزيز الوحدة بين المسلمين، وجمع كلمتهم على مبدأ التوحيد وعلى قاعدة التعايش البنَّاء هو من أهدافنا الاستراتيجية الأساسية في المجلس، بل إنه الرسالة الأبرز للمجلس. وقد حرصنا في المجلس على التجسيد العملي للوحدة بين المسلمين: وحدة المبدأ والهدف والمصير.

وخطة المجلس في هذا المجال هي نهوضه بأعماله وصلاحياته الممنوحة له بموجب القانون. وإن النظر المشترك في المسائل الشرعية من قبل العلماء هو أهم ما يقدِّمه المجلس لتعزيز الوحدة بين المسلمين، فنحن ولله الحمد في بلد تعتبر فيه الشريعة الإسلامية مصدراً رئيساً من مصادر التشريع، وتُراعى أحكام الشريعة الغراء عند مناقشة أي تشريع أو تعديل تشريعي، وهنا يأتي دور المجلس في تقديم الرأي الشرعي الرصين للجهات المختصة.

وانطلاقًا من إيماننا بأن التعايش في البحرين ووحدة المسلمين هي من قيمنا الراسخة وتقاليدنا السمحة التي نعمل على المحافظة عليها وتعزيزها بكل الوسائل المتاحة، فقد أقمنا في العام 2003 مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية، وألحقناه بندوات عن بعض علماء البحرين البارزين المعروفين بالمنهج الوسطي والحرص على الوحدة بين المسلمين.

كما حرصنا على تعزيز علاقات التعاون مع إدارتي الأوقاف السنية والجعفرية في عدد من المشروعات والبرامج، وأهمها مشروع إعمار الجوامع، الذي قمنا من خلاله بإعادة بناء الكثير من الجوامع في مختلف محافظات المملكة.

وفي المحصلة فإن العمل المشرك وبروح الشراكة والأخوة هو أهم ما يُقدَّم لتعزيز الوحدة بين المسلمين.

- ما هي خطة المجلس لمتابعة الحوار بين أتباع الديانات السماوية الأخرى؟

لقد خوَّل القانون المجلس اقتراح أسس ومتابعة الحوار بين الإسلام والديانات السماوية الأخرى، وقد تصدى المجلس مبكرًا لهذا الموضوع بتنظيمه مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي قبل قرابة 20 عاماً من الآن، وتحديداً في العام 2002م، وقد قدِّمت فيه الكثير من الأوراق والأفكار المهمة والنافعة.

وفي العام 2014 شاركنا في تنظيم مؤتمر حوار الحضارات والثقافات الذي أقيم تحت رعاية سامية من لدن صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، والذي شارك فيه مئات القادة الدينيين والباحثين والمفكرين من مختلف دول العالم الذين قدَّموا كذلك أوراقاً وأفكاراً مهمة جداً في هذا المجال.

وكان هذان المؤتمران قاعدة فكرية صلبة للتأصيل لحوار الأديان، وقدَّما رؤى تشخيصية دقيقة للواقع الذي تعيشه الأمة والعالم، وقدما كذلك تصورات للحلول والخطط اللازم اتخاذها لتعزيز الحوار بين الأديان.

وقد اختارت مملكة البحرين بقيادة جلالة الملك أيده الله السير الحثيث في هذا المنهج البنَّاء، ودعمت كل أوجه التعاون والحوار في هذا المجال، وقد تشرفتُ شخصا بالمشاركة نيابةً عن جلالة الملك المفدى في افتتاح مسجد الفتاح العليم وكاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة بجمهورية مصر العربية الشقيقة الذي أقيم في العام 2019م تحت رعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وبحضور وفود رفيعة المستوى من عدد من الدول العربية والإسلامية ودول العالم.

كما شاركنا في العام نفسه في فعالية الطاولة المستديرة التي أقامها مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي والتي ضمت مجموعة من القيادات الدينية المختلفة.

- ما أهم مقومات التعايش بين الأديان في نظركم؟

إن التحديات الفكرية والنفسية والسلوكية التي يعيشها العالم اليوم كثيرةٌ وخطيرةٌ ومدمرة، وينبغي على القادة الدينيين والروحيين المخلصين أن يتصدوا لمواجهة تلك الأخطار، التي تتركز في حملات التشويه والتضليل لإشاعة الكراهية بين الناس، بما يقطِّع أوصال المجتمعات، ويحدُّ من قدرتها على النهوض والنمو والتقدم. فلا بد من العمل بكل قوة لتثبيت القيم والمبادئ والأخلاق في الفكر والسلوك، بما يجعل التعايش أساساً مغروساً في روح المجتمع وفكره؛ ويتجسد في سلوكه وفي جميع تفاعلاته ومعاملاته.

ولن يكون ذلك إلا عبر تركيز تلك القيم والمبادئ في المناهج الدراسية، وفي البرامج والمنشورات الإعلامية، ومراعاة ذلك بكل أمانة واهتمام من قبل واضعي الاستراتيجيات في دولنا، بحيث تكون تلك العملية مشروعاً استراتيجياً يهتم به الجميع. ولا ننسى في هذا الشأن الدور المهم والحيوي للمؤسسات الدينية، وللقادة الدينيين والروحيين وجميع قادة الرأي العام.

فالتعايش يقوم على الاعتراف بالآخر بغض الطرف عن ديانته، والتعامل مع أصحاب الديانات الأخرى بالبر والإحسان والمعاملة الطيبة، والابتعاد عن التعصب والإكراه في الدين، واتباع أسلوب الحوار بالتي هي أحسن دون تحقير الآخر ومعتقداته.

- ما الرسالة التي تحبون توجيهها بهذا الخصوص؟

نقول إن الله تعالى خلق البشر جميعاً، وكرَّمهم على سائر الخلائق، وهم رغم اختلافهم إلا أنهم يشتركون في الإنسانية، والإنسان كرَّمه الخالق سبحانه بما هو إنسان بغض الطرف عن دينه أو عرقه أو لونه؛ فالجميع لهم حقوق وعليهم واجبات. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ الإسراء: 70.

فالله سبحانه خلق البشر وجعلهم شعوباً وقبائل ليكون ذلك سبيلاً للتعارف والتواد والتراحم بينهم، وليسعوا لإيجاد المصالح العامة المشتركة بينهم. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ الحجرات: 13.

- كم عدد أمهات الكتب التي تم تحقيقها من المجلس، وما هي أبرزها؟

قام المجلس بتحقيق 13 كتاباً من أمهات الكتب، وكان آخرها كتاب الوفا بفضائل المصطفى لابن الجوزي في خمسة مجلدات.

- ما هي المؤلفات التي قيد التحقيق؟

يجري العمل على تحقيق خمسة كتب أخرى الآن؛ وسيتم الإعلان عنها بعد الانتهاء من مراحل التحقيق إن شاء الله تعالى.

- كم عدد البحوث والدراسات الإسلامية التي أصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية؟

طبع المجلس طوال مسيرته عشرات البحوث والدراسات والإصدارات الأخرى، وكان من بينها سلسلة من الكتيبات تحت عنوان (قضايا اجتماعية وإسلامية)، كما قمنا بطباعة عشرات البحوث التي قُدِّمت في المؤتمرات والندوات التي نظَّمناها أو شاركنا في تنظيمها، إلى جانب إصدارات متفرقة أخرى.

8- ما هي لجان المجلس، وما هي اختصاصاتها؟

توجد 4 لجان دائمة منبثقة عن المجلس؛ وهي: لجنة الجمعيات والمؤسسات الإسلامية وتختص ببحث طلبات الترخيص للجمعيات والمؤسسات الإسلامية والنظر في الأنظمة الأساسية لها. ولجنة إبداء الرأي الشرعي التي تختص بالنظر في جميع طلبات إبداء الرأي الشرعي المحالة على المجلس من الجهات الرسمية، ولجنة دعم طلبة العلوم الشرعية وتختص ببحث ما يقدمه المجلس من دعم لطلبة العلوم الشرعية، ولجنة الأنشطة والفعاليات التي تختص بدراسة واقتراح فعاليات المجلس.

- كم عدد الجوامع التي أنشأها المجلس؟ وعدد المزمع انشاؤها؟

تبنى المجلس على مدى عقدين من الزمن إعمار 17 جامعاً من مختلف محافظات المملكة، وبالتعاون مع إدارتي الأوقاف السنية والجعفرية؛ 12 مشروعاً منها لبناء جوامع؛ وهي: جامع المغفور له الشيخ علي بن خليفة بن سلمان بالمنامة، جامع الشيخ حمد بالمحرق، جامع جدحفص، جامع صلاح الدين بالرفاع الشرقي، جامع مدينة عيسى الجنوبي الشرقي، جامع مؤمن بالمنامة، جامع مدينة عيسى الجنوبي الغربي، جامع سترة، جامع رأس رمان، وجامع عسكر، وجامع المغفور له بإذن الله تعالى صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة طيب الله ثراه في عوالي، وجامع فاطمة الحوطي بالمحرق. وواحد أسهم المجلس في مشروع بنائه وهو جامع الخيف في الدير، وأربعة مشروعات صيانة وتجهيز؛ وهي: جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، وجامع الفاضل بالمنامة، وجامع المعامير، وجامع بوري.

وأما المشروعات المزمع تنفيذها فهي خمسة مشروعات: جامع الشيخ قاسم المهزع بسوق المنامة، وجامع كرزكان، وجامع المعامير، وجامع بن حويل بالرفاع الشرقي، وجامع وصالة مناسبات بحالة النعيم.

- مؤخراً أصدر شيخ الأزهر قراراً بضمكم لمجلس حكماء المسلمين، ويأتي هذا تقديراً للمجلس ولرئيسه وأهمية المجلس. إلى أي مدى يعزز دور المجلس في العالم؟

لا شك أننا نعتز ونقدِّر قرار فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف بضمنا إلى مجلس حكماء المسلمين، ولا شك أن هذا القرار يؤكد احترام المنظمات الإسلامية الدولية لمملكة البحرين بصفة عامة، وللمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بصفة خاصة، وما يضطلع به من دور ريادي وما يمثله من نموذج طيب للوحدة بين المسلمين.

والحقيقة أننا وفي ضوء التوجيهات السامية من صاحب الجلالة الملك المفدى نحرص كل الحرص على توثيق علاقاتنا مع المؤسسات الإسلامية الكبرى في العالم لخدمة ديننا الحنيف، وإعلاء مبادئه وقيمه وأخلاقياته، وخدمة المسلمين في العالم كلّه.

وإننا نتطلع إلى دور فاعل ونتائج مثمرة إن شاء الله لمجلس حكماء المسلمين عبر مواقف موحّدة وثابتة، من قبل علماء الأمة الإسلامية وحكمائها وخبرائها، تجاه القضايا المهمة التي يعيشها العالم اليوم، وتجاه المفاهيم الملتبسة والتحديات المحدقة.

فلا شك أنّ المشاركة في أعمال هذا المجلس الكريم، شرفٌ كبيرٌ، وخدمةٌ جليلةٌ تجاه ديننا الحنيف، وأمتنا الإسلامية، وقضايانا المصيرية، ونسأل الله التوفيق فيها.

- فرضت جائحة كورونا (كوفيد 19) بعض التغييرات على الأعمال العبادية، وكان للمجلس دور بارز في التعاطي مع الجائحة وتداعياتها، فهل يمكن لمعاليكم أن تضعوا القارئ الكريم حول مساعيكم في هذا الشأن؟

المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية هو الجهة الرسمية العليا في القضايا الشرعية في مملكة البحرين، فلما اجتاحت الجائحة العالم كان من الضروري أن يكون المجلس حاضراً ومستعداً لأداء دوره الديني والوطني ضمن فريق البحرين الذي تتكامل فيه الجهود كلٌّ في تخصصه ومجاله، فعقدنا اجتماعات واتصالات كثيرة ومتواصلة مع الفريق الوطني للتصدي لفيروس كورونا (كوفيد 19) للوقوف على الأوضاع والتطورات الصحية في البلاد والمنطقة أولاً بأول، كما حرصنا على التواصل الدائم مع وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف ومع إدارتي الأوقاف السنية والجعفرية، وبناءً عليه فقد قدَّم المجلس مرئياته من الناحية الشرعية في عدد من الموضوعات ذات العلاقة، ومن أهمها أحكام العبادات الجماعية في زمن انتشار فيروس كورونا والضوابط الشرعية لذلك.

- كلمة أخيرة؟

نسأل الله سبحانه برحمته وقدرته أن يكشف عنا البلاء والوباء، وأن يمن على جميع المرضى بالصحة والعافية، ويتغمد موتانا برحمته ورضوانه، ويمسح على قلوب أحبتهم ويلهمهم الصبر والسلوان، وأن يصلح جميع أحوالنا، ويحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، ويحفظ مليكها المفدى وولي عهده الأمين، ويديم علينا الإيمان والأمن والأمان، ويوحد على الخير والمعروف كلمتنا، إنه سميع مجي.