هدى عبدالحميد
تحدى الصعاب منذ صغره وصمد في وجه الاحتلال الإسرائيلي عندما كان عمره 10 سنوات..تم تهجيره وعائلته من يافا بناء على خدعة مدسوسة من العصابات الإسرائيلية..كان لا يمتلك ثمن المواصلات من البيت إلى المدرسة والعكس..ورغم ذلك لم يستسلم وواصل مسيرته حتى بات من ألمع رجال الأعمال في العالم..
إنه مؤسس ورئيس شركة طلال أبو غزالة العالمية الدكتور طلال أبو غزالة، حيث أكد أن تصدير الفشل للشباب وتجاهل الإنجازات العربية هو طمس للحقيقة، فهؤلاء الشباب من حقهم معرفة تاريخهم وأن يستلهموا النجاح والطموح من خلاله.
وأضاف في لقاء مع "الوطن"، أن إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام مناف للحقيقة، وتجاهل الإرهاب الكاثوليكي أو الصهيوني، مشيراً إلى أن العرب والمسلمين لم يكونوا إرهابيين قط، ولكن الظروف هي التي جعلت البعض يضل الطريق بناء على الظلم الذي يتعرضون له.وفيما يلي اللقاء:
"الوطن": ما ذكرياتك عن يافا التي غادرتها وأنت طفلاً في العاشرة؟ وكيف أثر مغادرة وطنك على نشأتك؟
ولدت في العام 1938، وعند احتلال فلسطين من قبل العصابات الإسرائيلية كان عمري 10 سنوات، وتم تهجير عائلتي والعديد من العائلات من يافا بناء على خدعة مدسوسة من العصابات الإسرائيلية حيث كانت مكبرات الصوت تنطلق باللغة العربية لتطلب منا الانتقال إلى ميناء يافا حفاظاً على سلامتنا وقد ظننا أنها المقاومة.
وعند انتقالنا إلى الميناء لم نجد سفن ركاب حاضرة، ولكن بعد فترة وصلت سفن بضائع لنقلنا إلى خارج فلسطين، حيث جلسنا بين صناديق وأكياس البضائع، وقد فقدنا بعض الأرواح بسبب الطقس السيئ أثناء رحلتنا إلى ميناء صيدا.
أنا لدي إيمان أنه يمكن تحويل النقمة إلى نعمة، فعندما كنت أنظر إلى وجه والدي في ذلك الوقت كنت أرى حجم الكارثة والهم الذي يعتريه، إلا أن أمي كانت أكثر تماسكاً، فبعد أن فقدنا كل شيء ونحن نمضي إلى المجهول، فقد ترسخ في وجداني شعوراً بالرغبة في الانتقام ولكن ليس على غرار الدور العظيم الذي قامت به المقاومة من صمود وتضحيات، بل كان رغبة في محو الصورة السيئة التي روجتها الصهيونية عن الإنسان الفلسطيني، وأنه لا يستحق التفوق أو الحياة، فأردت محو الصورة الدونية التي تم الترويج لها عنا، وإيجاد وسيلة للتفوق عليهم.
"الوطن": هل كان طلال أبو غزالة طفلاً سعيداً؟
قررت أن أكون سعيداً رغم أنف العدو وألا أستسلم للإحباط، والخضوع للأمر الواقع الذي فرضته هذه العصابات علينا، وبداية الشعور بالسعادة هو الامتنان لأهل جنوب لبنان، الذين شملونا بكرمهم ولا أستطيع أن أنساه.
"الوطن": ما هو سر نجاح الدكتور طلال؟
إن سر النجاح هو التفكير الإيجابي لتحويل السلبيات إلى إيجابيات، فقد كنت مجبراً أن أكون الأول على لبنان رغم كوني لاجئ فلسطيني حتى أستطيع الالتحاق بالجامعة الأمريكية بلبنان.
"الوطن": وكيف استطعت استلهام هذه الأفكار وأنت طفلاً صغيراً، وهل كان هناك ملهم للدكتور طلال لاتخاذ هذا الدرب؟
الظروف الصعبة هي الملهم، وعدم اليأس، فعند وصولي للبنان ذهبت إلى مدرسة المقاصد الإسلامية، وكان رئيسها محمد سلام عم الرئيس السابق تمام سلام، وقمت بملء طلب الالتحاق، وعندما طلبوا مني الرسوم، أخبرتهم بعدم استطاعتي دفعها، فقام الموظف بتقطيع أوراق طلبي، وأخبرني أنني قمت بتضييع وقته، ولكني لم أفقد الأمل.
وذهبت إلى بيت الأستاذ محمد سلام، وظللت ألح حتى قابلته، وشرحت له ما فعله الموظف معي، فأخبرني أنه لم يخطئ، فقلت له، وإن لم يكن معي رسوم ألا أستحق أن أتعلم، فأجابني وإن لم أخذ رسوم من التلاميذ كيف سأصرف حال المدرسة وأدفع مصاريفها، فاتفقنا على أن يمنحني منحة شخصية منه لفصل واحد، وإن لم يجدني الأول على الصف تنتهي المنحة فوراً، فوافق على منحي الفرصة.
"الوطن": ما هي الصعوبات التي واجهتك أثناء الدراسة؟
كانت أقرب مدرسة في صيدا على بعد ساعتين مشياً على الأقدام، ولم أكن أستطيع دفع قيمة أجرة سيارة، فكنت أبدأ رحلة الذهاب للمدرسة الساعة الخامسة صباحاً لكي أستطيع أن أصل قبل السابعة ونفس الرحلة في طريق العودة، وأحمد الله أنه أعطاني القدرة على تحمل هذه الظروف لمدة 10 سنوات متتالية ساهمت في تمتعي بصحة جيدة حتى بعد أن أتممت عامي الثالث والثمانون.
"الوطن": هل واجهتك مشكلة أخرى في التعلم؟
اضطررنا إلى الانتقال إلى بيروت لكي أستطيع استكمال دراستي في المرحلة الثانوية، ولم يكن لدي حلاً لاستكمال تعليمي إلا أن أكون متفوقاً لكي أحصل على المنح، وبالفعل لقد تخرجت من الجامعة الأمريكية عام 1960م، ولم أدفع ليرة واحدة نظير دراستي.
"الوطن": ما قيمة العمل لدى دكتور طلال، وكيف بدأت مسيرتك العملية؟
بدأت العمل وأنا طالب، وعملت في العديد من المهن مثل عامل في سوق الخضار، وبائع أيس كريم يجوب الشوارع لبيع بضاعته، وبعد أن طورت مهاراتي في اللغة الانجليزية من أجل الالتحاق بالجامعة حتى أنه تم إعفائي من دراسة اللغة الإنجليزية، عملت في مجال الترجمة من أجل المساعدة في تصريف أمور عائلتي المالية، فوالدي في ذلك الوقت كان عمره 90 عاماً.
"الوطن": بعد هذا التاريخ من التفوق..ما أول عمل التحقت به بعد أن تخرجت من الجامعة الأمريكية؟
تخرجت من كلية دراسات الأعمال بامتياز، وبدأت بالبحث عن عمل حتى أنني قدمت أكثر من ألف طلب وظيفي، وبعدها انتقلت للكويت بحثا عن عمل، وفي إحدى الشركات التي أردت العمل بها، أخبرت صاحب العمل أنني سأعمل بدون راتب من أجل الخبرة، وبالفعل تم تعييني، وظللت عام كامل بدون راتب، حتى تم تثبيتي، والخطابات الألف التي استلمتها برفض تعييني أحتفظ بها من أجل أن تكون حافزاً لي، وأصطحبها في حقيبة تلازمني أينما ذهبت، فالفشل يحدث عندما نستسلم له، فلا أستطيع أن أعزي فشلي في شيء إلا نفسي وأبحث عن سبيلاً للتغلب على الفشل، ولا يوجد أحد حياته كلها نجاحات.
"الوطن": وصفتك غادة السلمان بلقب سندباد بلا حدود، وآخرين بلقب قائد المحاسبة العربية، ما اللقب المحبب إلى قلب الدكتور طلال؟
دائماً ما أفخر بكل ما وصفت به من غادة السمان وغيرها وأعتبره أنه إشارات لشبابنا وليس شخصي، فهدفي في الحياة هو محو اليأس من عقلية شبابنا، وبث روح الهمم وعدم الاستسلام للظروف.
"الوطن": كيف أنشأت مجموعة طلال أبو غزالة؟
لقد تدرجت في المناصب في الشركة التي عملت بها بالكويت حتى أصبحت مديراً وشريكاً، وعندما كبر سن مديري الذي له فضل كبير علي، وأراد أن يتقاعد فأراد أن يوليني المسؤولية، فقمت بالاستئذان منه لعرض خطة عملي على الشركاء قبل أن أتولى المسؤولية، وعند عرض خطتي في اجتماعنا التالي، حيث كانت ترتكز على 4 عناصر، فرفضوها كلها، وطلبوا مني ترك الشركة لأن تفكيري يتعارض مع أفكارهم، فقمت بتأسيس شركة طلال أبو غزالة الدولية التي ارتكزت على الـ4 محاور الذي رفضها الشركاء السابقون، وهي: تخصيص نسبة ثابتة من الإيراد للتطور والتوسع، فيجب أن نصبح شركة عالمية.
فالوطن العربي يحتاج مؤسسات دولية، وأن يكون كل مسؤولاً في أحد الفروع مقيماً في نفس مقر الفرع، فالشركة الأولى كان جميع الشركاء مقيمين في بيروت، رغم أن أعمال الشركة كانت في دولة الكويت، والعنصر الثالث هو التوسع في مجالات مشابهة بمجال المحاسبة، فقد أشرفت على الاتحاد الدولي للمحاسبين، وبعدها الملكية الفكرية، وأصبحنا أكبر شركة في العالم في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية، وأيضاً تدريب وتطوير الكفاءات من العاملين، والتحول للعمل بتقنية المعلومات والاتصالات، وقد أصبحنا من أكبر شركات العالم، والعنصر الأخير أن اعتماد المعيار العالمي أساساً في أداء أعمالنا، فيجب أن يكون لنا دوراً في ثورة المعرفة التي انتشرت بالعالم.
"الوطن": كيف بدأت رحلتك للعمل في الأمم المتحدة؟
لقد رشحني الأمين العام للأمم المتحدة لرئاسة الائتلاف الدولي لتقنية المعلومات والاتصالات والتنمية، وبعدها كلفت برئاسة ائتلاف الأمم المتحدة لتقنية الاتصالات والمعلومات لأغراض التنمية، وقد وفقت بالنجاح بها، وسخرت جهودنا لتحويل هذه التقنيات لمصلحة النمو، وكنت أتجاهل التوجهات التي كانت تحيد عن هدفنا الرئيسي وهو تحويل التكنولوجيا لمصلحة الإنسان.
وقد جاءني كوفي عنان لعمل ميثاق عمل للأمم المتحدة يتلخص في 10 مبادئ، واقترحت عليه أنني أريده أن يتولى رئاسة هذا الفريق وأن أكون أنا الرئيس المشارك، حتى يستطيع الميثاق أن يلقى رواجاً.
وهذه المرة الأولى والأخيرة الذي يكون فيه رئيس الأمم المتحدة رئيس مؤسسة، وتم تحديد فريق العمل الذي بدأ بتحديد النقاط المستهدفة حيث تصدر موضوع الفساد النقاط وتلاه موضوع المرأة وثم باقي النقاط، وبعد الموافقة على المشروع. وتولي بان كي مون، طلب مني الاستمرار في المشروع من أجل بث المبادئ والتثقيف بها.
"الوطن": لقد كان لكم رحلة كبيرة في الوطن العربي، وكان للبحرين نصيباً منها؟
ــ أعتبر نفسي قومي عربي وأعتبر كل بلد عربي هي بلدي، فأنا تتلمذت على خلق الرواد في الوطن العربي، وسكنت فترة في البحرين حيث كان لي الشرف أن ألتقي وأتعلم وأتربى من الشيخ عيسى بن خليفة آل خليفة في بيته وفي مكتبه، وكذلك الصديق الكبير الذي أعتز به الأمير الراحل الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء السابق، حيث التقيته في مناسبات عدة، وعاهدني أن أكون صريحاً معه، حيث كان يقول لي إنه يستأنس بما أطرحه من أفكار لأنه كان رجل حكيم يحب أن يطلع على الأمور من جميع الزوايا، ولم يكن يحب الثناء المطلق.
فتعلمت منه أن الصدق هو الحل الصحيح الذي يؤتي ثمره، وهذا كان درساً لي، وقد اتخذت من مقولة الأمير الراحل عنواناً لمقالاتي "لأنني أحب الحقيقة وأحبكم أقول لكم الحقيقة".
"الوطن": هل شعر يوماً الدكتور طلال أبوغزالة باليأس؟
إن الشعور بالسعادة قرار، وأنا لم أعرف اليأس يوماً وأنا أومن أن السعادة أن تسعد الآخرين، وقد اتخذت قراراً أن أعيش سعيداً ومحبوباً، وأوجه ندائي للشباب أن يأخذوا من الحياة ما يستحقوا، بناء على قرارهم، فالنجاح أحد أدوات السعادة، وأقوى سلاح في الدنيا هو الحب، فعندما تحب الناس يحبوك، فأنا لا أكره أي أحد في الدنيا إلا العدو الصهيوني.
"الوطن": ما أبرز القضايا العربية التي تشغل بالكم؟
طمس التاريخ العربي، فلا يدرس بالمدارس الإنجازات العربية، ولا يدرس حكم العرب للعالم، ولا أقصد التفوق السياسي إنما أقصد التفوق العلمي، فأغلب إبداعات العالم اليوم أصلها العلماء العرب، فمثلاً الذي أعطاني قوتي وجعلني أصل بمجموعتي للريادة والعالمية، أنني اكتشفت أن مهنة المحاسبة أصلها بلاد الرافدين، وأن أول دفتر حسابي وأول سجل محاسبي في الدنيا كان عندنا في الوطن العربي، وأول خزنة بنك مركزي كانت في البتراء في الأردن.
نريد أن نحيي عظمة الأمة العربية من جديد، وأن نحيي عظمة الشعب الفلسطيني المحاصر.
إن نجاحي وترشيحي لترؤس أكثر من 15 لجنة بالأمم المتحدة، لأنني أحييت العظمة العربية داخلي، إن تصدير الفشل للشباب وتجاهل الإنجازات العربية هو طمس للحقيقة، فهؤلاء الشباب من حقهم معرفة تاريخهم وأن يستلهموا النجاح والطموح من خلاله.
"الوطن": كيف ترى إلصاق البعض تهمة الإرهاب بالإسلام؟
إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام مناف للحقيقة، وتجاهل الإرهاب الكاثوليكي أو الصهيوني، فالعرب والمسلمون لم يكونوا إرهابيين قط، ولكن الظروف هي التي جعلت البعض يضل الطريق بناء على الظلم الذي يتعرضون له، وأنا متفائل بمستقبل العرب، وأفخر بكوني فلسطيني وأردني وعربي فأنا قومي عربي.
"الوطن": هل توجد مقومات لحدوث اتحاد للدول العربية أسوة بالاتحاد الأوروبي؟ وما هي معوقات ظهور هذا الاتحاد؟
لا يجوز اعتبار تجربة الاتحاد الأوروبي هي النموذج، فلديهم 28 لغة بينما لدينا نحن لغة واحدة، وهذا فرق قوي، والفرق الثاني أن أصولهم مختلفة، بينما نحن كلنا من أصل واحد، والفرق الثالث أننا أمة لها مصير ومستقبل واحد، وهم يدركون أننا ظاهرة فريدة بالتاريخ ولذا توجد هجمة شرسة ضد العرب، فقد تم وضع الحدود بناء على اتفاقية سايكو بيكو الذي وضعها وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا.
"الوطن": ما دور الجامعة العربية في نظركم؟
إنهم يشككون في الجامعة العربية، وأنا أعتبرها بيت العرب، وأنا على تواصل دائم مع منظماتها لإقامة مشاريع عربية مشتركة فاتحادنا يقوم كاتحاد وليس تكتل أو ائتلاف، فالتكتل الأوروبي نشأ بعد الحرب العالمية.
فلماذا لا نكون مثل الولايات المتحدة التي بها أكثر من 50 ولاية، ولكل ولاية حاكم وقوانين، ولكن يوجد قانون فيدرالي للأمور المصيرية التي تحدد مستقبلنا معاً.