^ الخطر الأكثر جلاء في عمل العديد من المنظمات الأجنبية العاملة في البلدان العربية سواء بشراكة مع منظمات محلية أو في إطار اتفاقات إطارية مع الدول العربية، يتمثل في البعد التجسسي لهذه المنظمات لصالح الدول الأجنبية، وهو تجسس مكرس فعلياً وملموس يومياً، بل إن أجهزة الاستخبارات العربية تعلمه جيداً، ولديها الدليل عليه دون أن تقوى دولنا على الحركة ضد هذا التيار الذي يهدد الأمن الوطني والأمن القومي العربي على حد سواء، بحكم القيود والالتزامات التي تم التوقيع عليها دون انتباه كاف لمخاطرها، حيث أصبح واضحاً أن التمويل الدولي آلية للتجسس وتتبع مواقف الفاعلين داخل الدول من سياسات الدول الأوروبية. ذلك أن أهداف الممولين الأجانب وإن كانت تتقاطع مع أهداف المنظمات المحلية، كما تقول المنظمات المستفيدة من هذا التمويل، تنطوي على مخاطر استراتيجية كبيرة من أهمها استغلال الممولين الأجانب للأنشطة التي تمولها من أجل تتبع تطور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية للدول واستغلالها اقتصادياً وسياسياً وبشكل يضر بمصلحة الدول التي تستفيد منظماتها من التمويل الخارجي. لهذا أصبحت العديد من تلك الجمعيات، بعد انخراطها في عمليات التمويل الأجنبي، تساعد الممولين الأجانب في تحقيق أهدافهم بالنيابة وبتكاليف أقل سواء أكان ذلك عن وعي أو عن غير وعي. والأخطر من ذلك هو خلط الأوراق بين عمل الجمعيات والمنظمات الأهلية الوطنية ذات النفع العام أو النشاط الحقوقي والإنساني والثقافي ذات الطابع الوطني الخالص وذات الطابع التطوعي الكامل، وبين عمل تلك المنظمات الأجنبية التي جاءت إلى بلداننا بترسانتها المالية والتدريبية والثقافية والتجسسية من خارج السياق الثقافي والسياسي والقيمي الوطني، مما يؤدي إلى فقدان الثقة -بعد انكشاف أمر هذه المنظمات الأجنبية وتمويلاتها الضخمة- في أي نوع من أنواع العمل التطوعي، خصوصاً بعد اتضاح الدور التخريبي لهذه المنظمات وما تمارسه من أدوار خفية بإثارة الفتن والاضطرابات السياسية، مما اضطر بعض الدول بعد أن تجاوزت تلك المنظمات كل الحدود إلى اتخاذ قرارات حاسمة بطردها وإغلاق مقراتها غير عابئة بغضب الإدارة الأمريكية أو غيرها من الإدارات الغربية الأخرى، حدث ذلك في مصر بإغلاق وطرد ومحاكمة عدد من هذه المنظمات والمنتمين إليها، فقد أعلنت السلطات المصرية أن التحريات السرية أثبتت أن المعهدين الجمهوري والديمقراطي الأمريكيين يعملان لدعم مصالح الولايات المتحدة في مختلف دول العالم مستغلين منظمات المجتمع المدني للحصول على بيانات ومعلومات سرية وأمنية وسياسية، ويمولان القوى السياسية التي تخدم مصالح واشنطن وإسرائيل للضغط على النظام السياسي وتوجيهه نحو تلك المصالح. كما حدث نفس الشيء تقريباً في دولة الإمارات العربية المتحدة والتي اضطرت إلى إغلاق مؤسسة “كونراد أديناور” الألمانية ومكتب المعهد الوطني الديمقراطي الأمريكي والذي أثار جدلاً أمريكياً وألمانياً واسعاً، لكن تلك الخطوة حظيت بتأييد داخلي على مستوى النخب السياسية والثقافية، إثر كشف حقيقة نشاطات تلك المؤسسات التي اعتبروها تستهدف استقرار البلاد وإثارة الفتن، وحدث قبل ذلك في البحرين بنفس السيناريو.. وقد شن الإعلام الأمريكي هجوماً ضد إغلاق مكاتب هذه المؤسسات، بعد أن ثبت للدول المتضررة حقيقة نشاطات تلك المنظمات سيئة الذكر داخل مصر وداخل الإمارات والبحرين بشكل خاص، ودول الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، بل إن بعض أعضاء الكونغرس قد هدد بقطع المعونات عن جمهورية مصر العربية على سبيل المثال لأنها مست بحصانة تلك المنظمات التجسسية التي تستهدف فئات واسعة من المجتمع مثل الطلبة والشباب وسيدات المجتمع والناشطين الحقوقيين والعناصر المعارضة في الأحزاب السياسية، خصوصاً وأن هذه المنظمات تعمل على تدريب العناصر المعارضة والناشطين الحقوقيين والأحزاب السياسية على أساس الضغط على الحكومات، إضافةً إلى تثقيف واحتواء فئة من الشباب وتأهيلهم، وزرع بعض الأفكار التي من شأنها أن تخدم أجندة الدول الداعمة لتلك المنظمات. ^ همس.. يوجد في العراق سجن كبير اسمه” سجن الحرية” كما يوجد على بوابة سجن غوانتنامو يافطة كتب عليها بالبنط العريض: “نحن نناضل من أجل الحرية والرأي”. تقول منظمة العفو الدولية إن “فشل الحكومة الأمريكية في إغلاق مركز الاعتقال في خليج غوانتانامو يترك إرثاً ساماً لحقوق الإنسان”. وقال الباحث في المنظمة روب فرير: “إن السجن إهانة لحقوق الإنسان في العالم، فهو ليس رمزاً للتجاوزات وسوء المعاملة فحسب، بل رمز للمساس بالمبادئ الدولية لحقوق الإنسان، والتي تطلب من غيرها تطبيقها”.
المنظمات الأجنبية.. هـــل انتهــــى الــــدرس؟!
27 مايو 2012