^  أتصوّر أن نزوع الحراك السياسي في البلاد إلى العنف كان ولايزال مدفوعاً بمطامح فئوية وفردية بحتة لا تمت بصلة إلى المسار العام للنضال الشعبي من أجل الحريّة والديمقراطية والتقدّم؛ فلو أخذنا أحداث فبراير نموذجاً، لوجدنا أنها كانت تسير في مراحلها الابتدائية باتجاهٍ سلميٍ، بمعنى أنها كانت عبارة عن تجمّعات جماهيرية ضخمة في منطقة جغرافية واحدة، تشترك في مطالبتها بتعميق الإصلاح، والمزيد من الحريات السياسية، وتحسين ظروف معيشة المواطن. غير أن ضخامة الحراك الجماهيري في تلك الفترة، وتعدّد مرامي القوى السياسية المشاركة فيه، وتنوّع اتجاهاتها ومشاربها الفكرية، قد جعل البعض يعتقد أن التزام الدولة بدعم الحراك، ضمنياً على الأقل عن طريق عدم مضايقة المشاركين فيه، وإطلاق العنان للمسيرات الشعبية المرخصّة على نطاق واسع، باعتبار أنها تجسِّد تعبيراً حياً عن الرأي الآخر، أقول إن بعض الجماعات اعتقدت أن ذلك الالتزام هو علامة ضعف لدى الجانب الرسمي، وفي المقابل يمثِّل مؤشِّراً لقوّتها و”شعبيتها الكاسحة”، لذا اعتبرت أنه قد آن أوان “قطف الثمار”، وتنفيذ الأجندات الخفيّة، وذلك من خلال احتلال المواقع الحسّاسة، وتسيير التظاهرات إلى أماكن محدّدة على نحوٍ يهدِّد السيادة الوطنية. هكـــــــــذا تحوّلـــــــــت “خدعـــــــة الأكثريــــــــــــــة” المطالبـــــــــــــة بالديمقراطية إلى وسيلة لجرّ الحراك الجماهيري باتجاه العنف، وقد هيأ لذلك صمت بعض الجمعيات السياسية المعارضة عن هذه الخطوات الاستفزازية، في خطوة اعتبرت تواطؤاً مستتراً مع المسار اللاسلمي، ومشاركة بعض الفئات في التصدِّي للمسيرات باستخدام القوة اعتقاداً منها أن تحركاتها مشروعة. وحينما تحركّت الدولة للجم العنف، وإعادة سلطة القانون، كان من الواضح أن المرحلة الجديدة تستدعي الوقوف ضد كل المحاولات الفئوية والفردية لفرض الرأي بأدوات غير سلميّة، باعتبار أن مواد الدستور والقانون لا تبيح حيازة أدوات العنف، أياً كان نوعها ومصدرها، لدى الأفراد المدنيين، ناهيك طبعاً عن استخـــــدامهـــــا لتحقيـــــق أغـــــراض سياسيــــــة دنيئـــة، ومن ضمنها النيل من هيبة النظام، وزعزعة سلطة القانون، والمــــأمــــــول أن هــــــذه السيــــــاسة، أي سيـــاسة بسط الأمن، وإشعــــار المـــــواطـــن بــــــالأمـــــان والسكينـــــة، تكــــــون هـــــي المنهـــــج الســـائــــد بهــــدف تعــــزيـــــز التســــامــــح بـــين المواطنين.