للحق؛ هناك قلة من قيادات الوفاق تحاول أن تقنع بقية القيادات بالمنطق الواقعي، أي بالقبول بالتعديلات الدستورية الأخيرة والمضي قدماً لأن البحرين بحاجة للتنفس والبحرينيين بحاجة لاستعادة عافيتهم. المراقبون الأجانب أيضاً يضغطون على الوفاق من خلال بعض الوسطاء وأصدقاء الوفاق، لأنهم يعلمون أن التعديلات الدستورية التي ستمر عبر السلطة التشريعية لإقرارها تعديلات حقيقية وكبيرة، إنما المشكلة أن فريقها عاجز وضعيف التأثير مقابل فرق أخرى تضغط باتجاه الانتحار الجماعي.تصريحات قيادات الوفاق المتضاربة حول (الحوار) تؤكد أنهم في ورطة ما بعدها ورطة، يقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى، جماعة تؤكد أن هناك حواراً، وهذا قيل في أكثر من موقع ومن أكثر من شخص، وجماعة أخرى تقول لا؛ هي مجرد اتصالات لا ترقى إلى حوار، وجماعة تقول إن الحل قريب، وجماعة تكتب بيانات لا يمكن أن تكون بحرينية أو أن كاتبها كان (مهلوساً) وقت كتابتها لأن تعبيراتها ومصطلحاتها (التطيير والغنائمية) مصطلحات غريبة لم تقرأ في كل أدبيات السياسة البحرينية، وبيانها الأخير كتب بالتأكيد في مارس 2011 وليس في مارس 2012، فلا يزال يتحدث عن «الجيوش الخليجية التي احتلت البحرين»!!نستنتج من هذا كله أنه رغم أن هناك اتصالات، ورغم أن هناك استجابات لبعض مطالب الوفاق؛ فإن قيادات الوفاق غير متفقة ولا تملك أية رؤية أو موقفاً موحداً، وهي الآن مجمدة تطرح موقفاً علنياً واحداً وهو (ماي وي اور ذا هاي وي) إما ما أريد أو لا مخرج للجميع، وتطلق بيانات ترضي آذان الشاطئ الإيراني ونغماته التي تضرب على قصة الجيوش الخليجية، ومازالت في خشية من شارعها وتعبيراً عن عجزها، وهذه ليست سياسة ولا واقعية، هذا انتحار جماعي، لكنها تبقي الباب مفتوحاً للاتصالات للبحث عن مخرج، إنما إلى متى؟ إلى متى هذا التذبذب؟ونتيجة لضعف قياداتها بدأ الشارع ينفض من حولها الأسبوع الماضي، فاضطروا كي يبقوا الشارع ملتفاً حولهم لإسقاط القناع المدني الأخير واستنجدوا بالمجلس العلمائي وعيسى قاسم كي ينقذوهم بمسيرة الحلال والحرام، لتفقد الوفاق بهذه الحركة آخر حجة لها حول الدولة «المدنية» وتتحرك بعدها بقوة الدفع الذاتي، أي بقوة الولي الفقيه، فتحصر حراكها السياسي داخل تيار ولاية الفقيه بشكل سافر مبتعدة أميالاً عن أي طرح وطني شامل، وكل  محاولات النفخ في الروح المدنية الآن باءت بالفشل وانتهت، فخسرت قيادات الوفاق آخر حججها ودعاواها. ليس هذا فحسب؛ بل نحن اليوم أمام قيادات تتعرض لضغط دولي أمريكي بريطاني يدعو فريقه ضمن قيادات الوفاق للقيام بمبادرة، ويقابله على الجانب الآخر فريق يتعرض لضغط إيراني يدعو فريقه لعدم الدخول في الحوار، وهو الذي جيش لمسيرة يوم الجمعة وحشدت له كل القنوات العراقية والإيرانية واللبنانية الشيعية الخاضعة لحزب الدعوة العراقي وحزب الله والحرس الثوري الإيراني، غيرعابئ بسقوط القناع الأخير لأنه فريق يرفض الحوار أصلاً وما زال يراهن إما على سقوط النظام وإما على الحصول على تعديلات دستورية تقوده إلى الحكم المطلق والهيمنة على كل مقاليد الحكم والهيمنة على السلطات الثلاث بتقييد الملكية الدستورية تقييداً كلياً وبوضع يثبت الغلبة لدوائرهم، هذا التيار لا يهمه أن ينتحر الشيعة كلهم في سبيل الوصول لهذا الهدف، ويستعين بعيسى قاسم الإنسان المعزول عن الواقع الذي لا يرى إلا ما تراه القلة التي تصل إليه وتلتقي به، إضافة أنه وكيل لخامنئي ولإيران لمصالح تتداخل في المنطقة بما فيها البحرين.عيسى قاسم  يقف هو الآخر بين الفريقين في حيرة لا يدري إلى أين يتجه، وعزلته تزيد من قلة خياراته، وفي ظل كل هذه التداخلات وهذه التعقيدات تقف قيادات الوفاق الشابة قليلة الخبرة في حيرة من أمرها، والوقت ليس في صالحها.السؤال المحير لدى قادة الوفاق الآن ماذا فعلتم بأنفسكم؟ وماذا بعد مسيرة الفقهاء؟ وماذا بعد بيانكم الآتي من الفضاء؟ ولن نسألكم هل تتحمل البحرين أكثر من ذلك؟ بل نسألكم هل يتحمل الشارع الشيعي الولائي أكثر من ذلك؟ دعك من المزايدات وقصة الصمود ولا تراجع و.. و..، اليوم هناك معاناة فعلية تعيشها ليست الأسر التي دفعت الثمن من أرواح أبنائها فحسب؛ إنما حتى الأسر الأخرى التي تنتظر حلاً قريباً ونجاحاً سريعاً ينهي معاناتها، الشارع الولائي الآن بانتظار نصر قريب يتناسب مع حجم الوعود والتزيين والتجميل الذي سمعوه والسقف الذي رفع لهم، ويتناسب مع حجم الثمن الذي دفعوه من أبنائهم ومن أرزاقهم لقيادات الوفاق بعد أن منتهم الوفاق بالنصر الإلهي، والوفاق ترتعد خوفاً من هذا الشارع ولا تملك جرأة مواجهته.. إنما أيضاً إلى متى؟ وهل سيلتف حولها الناس أم سينفضون؟ وهل تستطيع الحصول على دعم دولي أم لا؟ وكم مرة ستخرج عيسى قاسم من معزله وتضعه أمام المسيرة؟