بمرور الوقت، تضع النمسا يدها على مؤسسات وقيادات الإخوان الإرهابية بعد سنوات من تحول البلاد إلى ملاذ آمن للجماعة.
ولم تتوقف الجهود النمساوية عند ذلك، بل تحولت فيينا إلى خطوط أمامية لمواجهة الإخوان، وباتت أول من يكشف مخططات الكذب والخداع التي تتبناها الجماعة الإرهابية، بالأسماء والأدلة.
فقبل أيام، نشر مركز توثيق الإسلام السياسي التابع للحكومة النمساوية، والمعني برصد ورقابة وتحليل أنشطة منظمات الإسلام السياسي، دراسة جديدة عن روابط مؤسسة رابطة الثقافة النمساوية بالإخوان الإرهابية.
الدراسة التي تعد أول ربط رسمي بين "رابطة الثقافة" وتنظيم الإخوان، تعتبر قفزة كبيرة في مسار مكافحة الجماعة في أوروبا، إذ إنها كشفت الروابط السرية، سواء شخصية أو مؤسسية، التي تربط منظمات الجماعة الفرعية في القارة العجوز.
منظمات تمويه
وخلٌصت الدراسة التي حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منها إلى أن جماعة الإخوان المسلمين أنشأت نظامًا معقدًا من المنظمات غير الوطنية، ومعاهد التدريس والفتوى والفروع المحلية المختلفة في أوروبا.
وأشارت الدراسة إلى أن هذه المنظمات الفرعية لا تكشف عن ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين الدولية، عادة، مستدلة بتعبير أيمن علي مستشار الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، الذي يقول إن تلك المنظمات "تنسق مع جماعة الإخوان المسلمين، ولكنها غير مرتبطة بها بعلاقات عضوية مباشرة".
لكن المعلومات حللت بيانات ومصادر جديدة تشمل صفحات الرابطة على المنصات الاجتماعية، فضلا عن صفحات وأنشطة أعضائها وقياداتها، والأحداث التي نظمتها المنظمة، والأفكار التي تتبانها وتنشرها في منشوراتها.
وبخلاف ذلك، فحصت الدراسة أيضا الروابط الدولية للأشخاص الذين نشطوا في فروع رابطة الثقافة في فيينا وغراتس، بهدف إظهار الروابط المتنوعة بين ثقافة الرابطة الإسلامية وبيئة الإخوان المسلمين في أوروبا، فضلاً عن توجهها الأيديولوجي وعلاقته بأفكار الإخوان المسلمين.
اتصالات سرية عابرة للقارات
وانتهت الدراسة إلى أنه "على الرغم من أن رابطة الثقافة تنفي أية صلة بجماعة الإخوان المسلمين الدولية، إلا أنها في الواقع تحافظ على اتصالات وثيقة سرية مع أشخاص من بيئة الإخوان المسلمين في أوروبا، مع التركيز على ألمانيا، وكذلك مع المقر الرئيسي للجماعة في مصر".
وتابعت: "بالإضافة إلى ذلك، أصبح من الواضح أن رابطة الثقافة مدمجة في شبكة المنظمات الدولية من بيئة الإخوان المسلمين، بما في ذلك اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا".
ووفق الدراسة، لعب أشخاص مثل أيمن علي، الإمام السابق لمسجد النور التابع لرابطة الثقافة في مدينة جراتس النمساوية قبل أن يصبح مستشارا لمرسي، دورًا مركزيًا في دمج الرابطة في الشبكة الأوروبية للإخوان المسلمين.
بالإضافة إلى أنشطة أيمن علي مع فروع جماعة الإخوان المسلمين في مصر وأوروبا، كان الرجل على اتصال أيضا وثيق بحركة حماس الفلسطينية.
الاعتراف سيد الأدلة
وعلى صفحة فيسبوك المملوكة لعادل عبدالله (المعروف أيضًا باسمه المستعار عادل دغمان)، رئيس المنتدى التنسيقي لدعم فلسطين في النمسا والرئيس السابق للجمعية الفلسطينية في النمسا، هناك صورة لأيمن علي مع عادل عبدالله ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية خلال زيارة إلى قطاع غزة، وفق الدراسة ذاتها.
كما أقرّ الأخوان جمال وأيمن مراد، اللذان كانا أيضا قياديين مهمين في رابطة الثقافة لفترة طويلة، أنهما ينتميان إلى جماعة الإخوان المسلمين.
وأكد جمال مراد، العضو المؤسس لرابطة الثقافة والمشتبه به في تحقيقات ملف الجماعة بالنمسا، عضويته في جماعة الإخوان المسلمين في مقابلة مع قناة تابعة للجماعة تبث على الإنترنت عام 2013.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "دي برسه" اليومية النمساوية في يونيو/حزيران 2021، قال أيمن مراد أيضا: "أنا أخ مسلم [...]. تمامًا مثل ملايين المسلمين الآخرين في العالم"، منكرا الاعتراف بانتمائه للجماعة.
وتكشف أحداث وأنشطة رابطة الثقافة في فيينا في الفترة من 2005 إلى 2015 عن اتصالات وثيقة للرابطة بجماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا وقادة الإخوان المسلمين في مصر، وفق الدراسة ذاتها.
رابطة الثقافة هي أيضا منظمة شريكة للمنظمة المظلية للإخوان في أوروبا، وهي اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE).
نزاعات بينية
ورغم بروباجندا الإخوان الدائمة عن النزاهة والعمل من أجل الجماعة وليس الفرد، كشفت الدراسة النمساوية عن نزاعات مالية داخل رابطة الثقافة.
ونقلت عن رئيس مجلس إدارة الرابطة ماهر كريشان قوله في 28 فبراير/شباط 2015، إن أعضاء رابطة الثقافة يجب أن "ينتقدوا أنفسهم" و"يفكروا في رؤيتنا ورسالتنا، لأنه يبدو لي أن البعض منا يتمتع بأنانية كبيرة وسعيهم وراء المال والسلطة ليس له حدود. لذلك يستخدموننا نحن وشبابنا لبناء إمبراطوريتهم".
ويرى مراقبون أن دراسة مركز توثيق الإسلام السياسي تكشف مخططات الخداع والأكاذيب التي نسجتها قيادات الإخوان في أوروبا على مدار عقود، ومحاولتها اختراق المجتمعات الأوروبية سرا، في ظل نفيها العلني المستمر لأية روابط فكرية أو شخصية أو مؤسسية مع تنظيم الإخوان الدولي.
خطر على قيم أوروبا
ويتابع هؤلاء المراقبون: "هذه الدراسة تكشف للعالم روابط سرية وشخصية ومؤسسية واضحة بين منظمات الإخوان الفرعية، والتنظيم الأم، والروابط العابرة للحدود بين فروع التنظيم في كل دولة أوروبية، ما يكشف حجم الخطر الذي تمثله هذه الجماعة الإرهابية".
بدوره، قال مهند خورشيد المسؤول في مركز توثيق الإسلام السياسي، والخبير في شؤون التنظيمات الإرهابية، في تصريحات صحفية إن "الإخوان يرون أن الشريعة هي النظام الوحيد الصالح ويريدون إعادة تشكيل المجتمع وفقًا لها".
وتابع: "بالنسبة لنا "أي أوروبا"، هذا يعني ذلك تآكل قيمنا الأساسية، الإخوان يريدون التسلل إلى المجتمع".
يذكر أن الحكومة النمساوية أسست العام الماضي مركز توثيق الإسلام السياسي، لتحليل ودراسة ورقابة أنشطة وتحركات تنظيمات الإسلام السياسي، وعلى رأسها الإخوان، على الأراضي النمساوية.
وكان بعض قيادات رابطة الثقافة ومسجد النور المرتبط بها في مدينة جراتس، ضمن المشتبه بهم في مداهمات الشرطة الواسعة ضد جماعة الإخوان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وخلال العامين الماضيين رصدت "العين الإخبارية" في تحليلات وتقارير علاقة رابطة الثقافة بالإخوان، وأنها أهم ذراع للجماعة الإرهابية في النمسا، ضمن تغلغل التنظيم في دول أوروبية أخرى بعناوين مختلفة.