^   يبدو أن كتابة الأعمدة الصحافية قد طالتها عدوى موجة الدكاكين التجارية التي تتسابق على التقليد كموجة البوتيكات والصالونات ومحلات المعجنات وأخيراً محلات شاي الكرك! لست هنا بصدد الاستهزاء والتقليل من قيمة العمود الصحافي بقدر غيرتي على أهمية الحفاظ على مكانة هذا العمود كسمة عليا للكتابة الصحافية ومحصلة خبرة ومعرفة كاتب العمود. في بداية مشوارنا الصحافي تعلمنا ممن هم يعتبرون رواداً للعمل الصحافي في البحرين وخارج البحرين بأن كتابة العمود الصحافي تحتاج لمعرفة واسعة وخبرة طويلة لكي تكون الآراء المطروحة ذات مردود إيجابي يجذب القارئ ويساهم في إصلاح الاعوجاج. ولذلك كانوا ينصحوننا بعدم الاستعجال في التوجه لكتابة الأعمدة والتركيز على المتابعات الخبرية والوصفية وغيرها من فنون الكتابة الصحافية إلى أن نبلغ درجة النضج التي تؤهلنا للمباشرة في كتابة أعمدة الرأي. وعبر مشواري الصحافي الطويل عايشت الكثير من الزملاء الذين كانوا يسيرون على هذا النهج وأذكر منهم الأخ والصديق العزيز ورفيق الدرب ناصر محمد الذي لم يجرؤ على كتابة العمود إلا بعد سنوات طويلة من العمل الصحافي الميداني. أما اليوم فنجد أن بعض الزملاء الأعزاء يختارون كتابة العمود بداية لمشوارهم الصحافي الأمر الذي يجعل جل كتاباتهم تفتقد إلى العناصر والمقومات الرئيسة لكتابة العمود وأهمها عنصر الشفافية والوضوح وهو ما يجعل القارئ يبحث عن أدوات لفك شفرات هذا العمود أو ذاك لكي يعرف فحوى الرسالة التي يريد الكاتب توصيلها إلى المتلقي! من جديد أؤكد بأنني لست بصدد الاستهزاء من أحد بل أنني من أشد المنادين بتعدد الآراء وأضع تحت الآراء ألف خط أحمر لأنني بكل صراحة لا أعتبر ما يكتب في العديد من الأعمدة رأياً بقدر ما هو تعبير عن أحاسيس شخصية تندرج تحت الخاطرة أكثر من اندراجها تحت الرأي وكثيراً من هذه الكتابات تكون غامضة ومشفرة تحتاج لجهاز “دريم بوكس” لفك تشفيرها! قد أتفق مع البعض على أن صحافتنا – رغم ارتفاع نسبة الشفافية فيها – إلا أنها ما تزال تواجه خطوطاً حمراء قد لا تستطيع تجاوزها في الوقت الراهن ولكن هذا لا يعني استبدال الرأي الحر بالرأي “المشفر” طالما أن لدى الكاتب كل المستمسكات التي تخص القضية المراد طرحها في العمود. نحن نفخر بجيل الصحافيين الشباب ونعتز كثيراً بمن مروا علينا واستفادوا من تجاربنا وخبراتنا ولذلك يهمنا جداً أن يسيروا على النهج الذي انتهجه رواد العمل الصحافي من حيث التدرج المهني الذي يخدم الكاتب بالدرجة الأولى ويؤدي بالصحافة لتأدية دورها على الوجه الأكمل. أخيراً أتمنى أن لا يفسر رأيي هذا على أنه تقييم لكتاب الأعمدة حديثي العهد لأنني على ثقة بوجود من هم مسؤولين عن تقييمهم إنما أرى أن من حقي كقارئ ومتابع أن أستمتع بقراءة أعمدة الرأي وأستفيد منها لا أن تكون مصدر حيرة وغموض يشتت الذهن. إنها مجرد نصيحة ناصعة البياض أتمنى أن يتلقاها من يعنيهم الأمر بصدر رحب مع تمنياتي لهم بدوام التوفيق. mohamed.lori@gmail.com