بقلم - نزار السامرائي: في سابقة نادرة الوقوع، ربما جاءت نتيجة لسوء تدبير نوري المالكي رئيس حكومة الاحتلال الخامسة، وعدم تحليه بالفطنة اللازمة والخبرة السياسية المطلوبة لمن يشغل مثل هذا المنصب الخطر، أو نتيجة لسوء طوية فريق الحكم في إيران ونواياه المبيتة ضد العراق، أو كليهما معاً، دعا نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي أثناء استقباله لنوري المالكي، إلى إقامة اتحاد تام بين العراق وإيران، لمواجهة الاستكبار العالمي على حد وصف رحيمي، ويبدو أن نائب الرئيس الإيراني، أغفل تماما التفسير المنطقي الوحيد لدعوته على أنها دعوة استكبارية بامتياز، ولا تختلف عن نوايا الهيمنة والتوسع التي سارت عليها الدول الاستعمارية قروناً عدة، كما أن رحيمي أغفل تماماً حقيقة أن زعيمة الاستكبار العالمي أو الشيطان الأكبر، كما يتغنى المسؤولون الإيرانيون حينما يتحدثون عن أمريكا، هي وحدها التي مكنتهم من الانتقال من موضع الدفاع العاجز عن النفس في خنادق الانكسار النفسي بعد ثماني سنوات من ذلّ الهزيمة الشاملة في حربهم على العراق، إلى موضع الهجوم على منطقة الخليج العربي والمنطقة الإقليمية، بعد أن تسلموا مفتاح بغداد من محتليه الأصليين، حينما زار نجاد العراق بحماية سلاح الجو الأمريكي والمارينز، وعقد سلسلة لقاءات مع قادة الائتلاف الوطني الحاكم حينذاك والتي تمخضت، فولدت التحالف الوطني الحاكم. القفز فوق حقائق التاريخ ويبدو أن إيران التي تسعى لتكون القوة المطلقة اليد، في منطقة عانت كثيراً من صراعات الإزاحة الاستعمارية، تريد وراثة نفوذ المتصارعين جميعاً القدامى منهم والجدد، وتضع دول المنطقة والعالم أمام الأمر الواقع الذي تريد فرضه، بكل ما يحمله مصطلح الفرض من معان منكرة ومستهجنة، ولا أحد يدري بالضبط ما هي المرتكزات التي اعتمدها رحيمي في دعوته إلى الاتحاد التام مع العراق، وإلى شكل الدولة المقترحة، وعما إذا كانت خاضعة لنظرية ولاية الفقيه؟ التي لم تتمكن من تسويق نفسها حتى داخل إيران، أم أنه يريد اتحاداً فدرالياً مرناً تماهياً مع دستور 2005؟ أم أنه يفكر بجعل العراق محافظة إيرانية تحكم من طهران مباشرة؟ كيف استطاع رحيمي القفز فوق حقائق التاريخ والجغرافية والحواجز القومية، والتي يعرف رحيمي قوة محركاتها عند الشوفينيين الفرس الذين سبق وأن سحقوا القوميات التي عاشت داخل حدود بلاد فارس على مر العصور. المالكي حصيلة الالتقاء الاستراتيجي في مصالح الإرادتين الأمريكية والإيرانية، وهذا ما جعله ضعيفاً مع كل من واشنطن وطهران إلى حدود غير متصورة، ولأنه في منصبه كرئيس للحكومة نتيجة إملاءات الرئيس أوباما والولي الفقيه، لذلك لم يتمكن في أحسن ظروفه، من جمع التأييد له حتى من داخل التحالف الوطني الحاكم، الذي تم تلفيقه نتيجة حمل خارج الرحم العراقي وبولادة متعسرة، كما يحصل مع أطفال الأنابيب الذي لم يكن له ليتم لولا تلقيح صناعي، أشرفت عليه طبابة البيت الأبيض ومكتب الولي الفقيه، وحينما بدأت علامات التصدع تظهر على التحالف الذي كان واجبه يتلخص بتنفيذ إرادة كل من الولايات المتحدة وإيران في تطابق سياسي علني نادر، يقضي بوضع نوري المالكي على رأس الهرم الحكومي للمرة الثانية بعد انتخابات 2010، كان لا بد من بروز التناقضات داخل البيت الشيعي، الذي كان لرجل أمريكا العلماني أحمد الجلبي، الفضل الأول بتشكيله. فهل تكونت لدى إيران قناعة حقيقية عن قدرة المالكي المفاجئة، في تحشيد الدعم لمشروع الوحدة التامة مع عراق يحفل تاريخه بالثورة على الحق حيناً وعلى الباطل معظم الأحيان، أم أن الأمر لا يحتاج إلى جهد من المالكي أو سواه لتأمين الطريق، أمام الثورة الفارسية لتعبر حدود البلد الذي لم تقدر عليه بالقوة يوماً، فذهبت إلى الخديعة والتقية، بعد أن صعّدت ولاية الفقيه من أحلامها المريضة، فقفزت فوق الحواجز والأسوار ودعت إلى قيام وحدة تامة بين بلدين لم تجف حتى الآن دماء قتلاهما في حرب الثماني السنوات، ولم تطوَ حتى اللحظة جميع ملفات الأسرى والمفقودين بينهما بسبب مماطلة إيران، يضاف إلى ذلك أن العملية السياسية العراقية الحالية تواجه أكبر تحد مرت به، نتيجة خروج أطراف من داخلها على استبداد المالكي وإملاءات طهران. ومع ذلك كان واجباً على نوري المالكي فيما لو أراد أن يؤكد شيئاً من مسرحية تمثيله دور المدافع عن السيادة العراقية، أو المعبر عنها، وهو ما يزعمه لنفسه ليل نهار، أن يتخذ موقفاً رافضاً ومعلناً أو على الأقل متحفظاً، على دعوة نائب الرئيس الإيراني وأمامه كي تكون رسالة أخيرة يفهم منها الإيرانيون أن العراقيين بمن فيهم الذين تم انتاجهم في معسكرات الأسرى العراقيين أو معسكرات الحرس الثوري، لا يشاركون الزعامة الإيرانية وجهات نظرها بشأن التعامل مع الملف العراقي، ولكن الطبع غلب التطبع على ما تقول العرب، ليس كافياً أن يقول إن ما طرحه رحيمي كان وجهة نظر من جانب مسؤول إيراني غير ملزمة للجانب العراقي، وموقف كهذا لا وجود له في قاموس العلاقات بين الدول، وخاصة في المواقف المعلنة وفي ملف بخطورة الدعوة إلى قيام اتحاد تام بين بلدين مختلفين قومياً، وبينهما ذيول طويلة لقضايا الحدود والسطو على الثروات، مثل تحويل مجاري الأنهار المشتركة، واحتلال حقول النفط العراقية القريبة من الحدود، بحجة أنها حقول مشتركة، وكذلك تعمد السلطات الإيرانية إلحاق الأذى بالمزارعين والفلاحين العراقيين بتحويل مياه البزل وفضلات المصانع الكيمياوية إلى الأراضي الزراعية العراقية في مناطق تقطنها غالبية عربية عراقية شيعية، وإلحاق الضرر بالبيئة العراقية، وكذلك مضايقة الصيادين العراقيين داخل مياه بلدهم الإقليمية، وإغراق السوق العراقية بالمخدرات، بهدف تدمير قيم المجتمع والطاقات المنتجة في البلد. القتل بدعم إيراني إن سكوت المالكي على هذه الدعوة المصطبغة بلون الدم، ليست أكثر من عدوان إيراني على دماء العراقيين الذين سقطوا في ردهم للعدوان الإيراني عام 1980م، أو أولئك الذين قتلتهم المليشيات التي تتلقى دعماً إيرانياً بالمال والتدريب والسلاح منذ الاحتلال الأمريكي في العام 2003 ولا تزال، وينزع عنه جميع الصفات الرسمية التي حاول ارتداءها، فالجهل بالقوانين الدولية لا يبرر مطلقاً تبني أطراف، لم يسمع العراقيون منها إلا محاولات لتلميع صورة إيران داخلياً وعربياً ودولياً، موقف الدفاع عن رحيمي، وهكذا وجدنا قائمة ائتلاف دولة القانون، تجند ممثليها ليكونوا أفشل المحامين لأسوأ قضية، فكان طبيعياً أن لا يصادفهم نجاح في الدفاع عن موقف رحيمي، ولو أن المالكي يحمل أي قدر من الحصافة لترك أمر الدفاع عن هذه القضية للإيرانيين أنفسهم، إن لم يكن يرغب أو غير قادر على تناولها بالنقد خشية على منصبه من أن يفلت من بين يديه، لاسيما وأنه انتقل إلى الحديث عن ولاية ثالثة، بل ورابعة، فهو لم يذهب إلا من أجل تكريس نفسه كأقوى حليف لإيران الولي الفقيه، ولم يذهب مدافعاً عن قضية عراقية واحدة، ولو كان قد ذهب من أجل هذا، لكان أدلى بتصريح خجول عن رفضه لدعوة إلغاء العراق تاريخاً وجغرافية وسيادة، كما يحلم رحيمي ويتوهم، وهو الحلم الذي تأجل التصريح به عقوداً طويلة عندما دافع العراقيون عن بلدهم الذي تمسك بهويته، ولكن العراق الذي أعادت الولايات المتحدة انتاج نظامه السياسي في العام 2003، أصبح ممكناً أن نسمع من جاره الشرقي كل غريب. رئاسة القمة والجزر الثلاث لم يظن أحد من العراقيين، أن المالكي الذي أصبح رئيساً للقمة العربية، بفعل غياب الإرادة السياسية العربية، نتيجة الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على الدول العربية للمشاركة في قمة بغداد، سيتحرك على إيران للتوسط بينها وبين دولة الإمارات العربية حول موضوع الجزر، على الرغم من أن معاهدة الدفاع العربي وميثاق الجامعة العربية يأبيان موقف الحياد العربي من أي بلد عربي تجاه القضايا القومية في حال وقوع نزاع مع طرف أجنبي، نعم كان على الحكومة العراقية وبصرف النظر عن الرأي في شرعيتها، أن تتحرك في ضوء ما تمليه عليها التزامات الحكومة العراقية المعلنة بحكم عضوية العراق في جامعة الدول العربية، وعلى أساس اشتراطات رئاسة البلد للعمل العربي المشترك، أن يعبر عن الموقف العربي، من خلال ترؤسه للقمة، حتى بفرض عدم توفر القناعة الخاصة عنده بوجاهة الملفات التي يتحرك في الدفاع عنها، غير أن حكومة المالكي مشغولة أو غارقة في البحث عن مسالك سرية، لتخفيف الضغط عن إيران وليس ممارسة الضغط عليها، ولهذا توسطت مراراً بين واشنطن ولندن من جهة، وإيران من جهة أخرى، بشأن ملفات مختلف عليها، وآخرها الملف النووي، فعراق ما بعد الاحتلال الأمريكي، لم تشغله هموم الساحة القومية بأي قدر، وكان همه يتركز على معالجة الاختناقات الاقتصادية داخل إيران، والتي يمكن أن تعصف بالوضع الأمني للبلاد إذا ما تضافرت مع الأزمات السياسية والاحتقان الذي يعيشه الشارع الإيراني، نتيجة خنق الحريات وصنوف القمع الذي يمارسها الحرس الثوري، وربما يجد المالكي والحزب الذي ينتمي إليه، أن الوقوف إلى جانب إيران هو تكليف شرعي لا مجال للتنصل عنه. وقف التجارة مع إيران إن إقامة قواعد عسكرية وشبكات صواريخ في جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، يعد جزءاً من محاولات إيران للتحكم بالممرات الملاحية الدولية المسيطرة على حركة الملاحة لنقل البضائع من الخليج العربي وإليه وخاصة صادرات النفط، وليس من العدل أن تنهض بمهمة حماية حرية التجارة الدولية من القرصنة الرسمية التي باشرتها إيران، دول مجلس التعاون الخليجي لوحدها، على الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي، يجب أن تعد نفسها للاضطلاع بهذا الدور على المدى البعيد، ولا ينبغي أن تبقى معلقة بأوهام الصداقة مع هذه الدولة أو تلك، ولا يمكنها تحقيق ذلك ما لم تعد النظر بسياساتها الدفاعية وأنواع الأسلحة التي تمتلكها، وخاصة ضرورة اقتناء صواريخ بمديات مختلفة، بإمكانها الوصول إلى أبعد نقطة في إيران، مع إعادة هيكلة أوضاع دول الخليج العربي اقتصادياً وتنظيم العمالة الأجنبية وخاصة الإيرانية التي تؤدي دور الطابور الخامس للعبث بأمن دول الخليج العربي لصالح الزعامة الإيرانية، ولعل في مقدمة التدابير التي لها طابع الأولوية، وقف التجارة مع إيران بصفة قطعية، فليس من الحكمة أن يقوّى طرف ما أعداءه الاستراتيجيين ليستخدموا هذه القوة ضد الطرف الذي وهبهم إياها. إن العالم كله سيتضرر فيما لو تعرقلت حرية انتقال السفن عبر مضيق هرمز من الخليج العربي إلى البحر العربي وبالعكس، لمدة 24 ساعة فقط، وهو ما سيتحقق فيما لو مرت خطة إيران بوضع قوات ذات طابع هجومي في الجزر الثلاث، من دون رد فعل عملي وجماعي على هذه الخطوة التصعيدية الخطرة، وعلى ذلك فأن دول الاقتصادات الكبرى في العالم، مطالبة بتحديد موقفها من سياسة حافة الهاوية التي تنتهجها إيران، بواحد من التصورات الثلاثة الآتية، فهي إما أن تشترك بتوفير قوة بحرية مناسبة لحماية حركة السفن كما هو حاصل في منطقة القرن الأفريقي لمواجهة القراصنة الصوماليين الفقراء، مع أن هذا الخيار قد يؤدي إلى زيادة في حدة التوتر في المنطقة، ويمكن أن يوجد على المدى البعيد مواطئ أقدام للقوى الدولية في مياه الخليج العربي، بما يخدم مصالح الدول البحرية الكبرى بالدرجة الأولى، وعلى العموم فإن المطلوب من القوى التي لديها فائض من القدرة العسكرية الاستراتيجية لتحريكها إلى مناطق التوتر الدولية، أن تتحرك هذه المرة لمواجهة القرصنة الرسمية للإيرانيين المغامرين، وإما على الدول المعنية بحرية الملاحة في الخليج العربي أن تتحمل جانبا من تكاليف الحرب على القرصنة الحكومية الإيرانية وإرهاب الدولة الذي تمارسه، فليس من الحكمة أن يستورد العالم طاقة رخيصة، وتترك خطوط إمداداتها معرضة لخطر الإرهاب الإيراني الرسمي، أو تقف إلى جانب دول الخليج العربي في شن حرب تجارية على إيران تمنع الاستيراد منها والتصدير إليها، وتفرض من أجل تحقيق هذا الهدف رقابة صارمة على حركة السفن والموانئ الإيرانية، ولكن الخيار الثالث يمكن أن يكون أكثر الخيارات نجاحاً فيما لو تم الالتزام به بدقة، وخاصة في تشديد قبضة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وتوسيع نطاقها أفقياً لتشمل سلعاً جديدة إلى سلة الممنوعات، وعمودياً بمراقبة العقوبات المفروضة بحيث لا يسمح بمرورها في أي ظرف، وهنا يأتي دور دولة الإمارات العربية بالدرجة الأساس، فهي التي تؤمّن لإيران معظم احتياجاتها الاستراتيجية من السوق البديلة، وعلى السلطات المعنية فرض رقابة صارمة على حركة البضائع من الإمارات إلى إيران وبالعكس، وعلى العرب أن يؤكدوا للإيرانيين أنهم على استعداد للتخلي عن الكافيار الإيراني والسجاد العجمي، كي تعرف إيران حقيقة قوتها، وتتوقف عن الإعلان عن مغامرات جديدة لا طاقة لها بها، من قبل أن تصل إلى خطوط الآخرين الدفاعية، ولعل من أهم ما يجرد إيران من أسلحتها التي تبتز العرب بها بصفة مستمرة، أن تباشر دول مجلس التعاون الخليجي خطة لإقامة بنية تحتية متكاملة في مجال إنتاج النفط الخام وتصديره اعتماداً على منافذ بديلة تجنب مروره عبر مضيق هرمز، كما أن عليها أن تعد خططاً في مجال الصناعات النفطية ومنتجات البتروكيمياويات والأسمدة الكيمياوية، تقلص من حاجة السوق الدولية إلى إيران، وبذلك تتحول إيران مع الوقت إلى بلد مستورد من غير أن يتمكن من توفير الأموال اللازمة لمشترياته الخارجية، والأهم من هذا كله أن تبحث دول مجلس التعاون الخليجي في الوسائل التي تقلص فيه خلافاتها السياسية وتوحد إرادتها على قضايا لا تزال محل خلاف بينها، ولكنها لا يمكن أن ترتقي إلى مستوى الصراع مع إيران. عروبة أبو موسى من اسمها اعتبار الجزر الثلاث الإماراتية إيرانية، مفارقة غبية من جانب إيران، فمن المعروف أن كبرى هذه الجزر عربية من اسمها أي أبو موسى، فاللغة الفارسية لا وجود فيها لكلمة (أب)، وما يرادفها بالفارسية (بدر) مع ثلاث نقاط تحت الباء وليس واحدة، وهي مشتقة من كلمة “فاذر” الإنجليزية، ولا أدري هل سيلجأ الإيرانيون إلى تغيير اسمها إلى (بدر موسى)؟ أم سيجدون أسماء مقطوعة الصلة باللغة العربية لهذه الجزر، كما عملوا بتسمية إقليم الأحواز العربي بإقليم خوزستان؟ ثم يضعون الروايات التاريخية كما هو شأنهم في تأليف الروايات المختلقة، والافتراء على التاريخ العربي لدعم وجهة نظرهم، وبالتالي يمكن أن تجعل منها موطأً لقدم أول فارسي استوطن المنطقة بكاملها؟ ومع ذلك فإن الحق المفقود في إيران لن تعيده محاججة كلامية. تكديس السلاح لا يكفي إن المناورات العسكرية لقوات درع الجزيرة، ربما تعد رسالة سياسية لإيران، مع أنها لن تستطيع قراءة مضمونها، في وقت لم تعد فيه إيران بحاجة لأي رسائل إضافية حول نواياها وأطماعها في الخليج العربي، كما أن الحديث عن عمل عسكري ميداني ومهما كان حجمه، ليس هو الحل في الوقت الحاضر، وخاصة بعد غياب دور العراق العربي المحوري، وعدم وجود حليف دولي قادر على النهوض بأعباء مثل هذه المهمة، ولكن عدم القبول بمغامرة عسكرية غير محسوبة النتائج، لا ينبغي أن يجر إلى مواقف متخاذلة على المحاور الأخرى، فالمطلوب من قوات درع الجزيرة أن تتحول إلى رأس الرمح عندما تقتضي الضرورة وكذلك مضاعفة حجمها من حيث العدد والعدة وخاصة مع القدرة المالية الهائلة لدولها، ولا يكفي تكديس السلاح من دون إرادة سياسية لاستخدامه في الوقت المناسب، مع تأكيد أهمية استيعاب أحدث الأسلحة تدريباً وتعبئة. وربما استقطب دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين، للتصدي لمشروع التوسع الإيراني، اهتماماً واسع النطاق، وحاول الإيرانيون ومعهم بعض قيادات التحالف الوطني في العراق، تصوير الأمر على أنه تدخل خارجي، ولو كانت أحداث البحرين تحركاً داخلياً لأهداف ترتبط بمطالب إصلاحية، لما وقف أحد متسائلاً عن توقيتاته ونوعية المطالب المطروحة فيه، فذلك شأن داخلي لا يجوز حشر الأنف فيه، ولكن كثيراً من المراقبين يربطون ما يجري من تصعيد غريب مع التهديدات التي كانت إيران أطلقتها ضد دول منطقة الخليج العربي، فيما لو استمرت بمواقفها ضد توجهات السياسة الإيرانية سواء في منطقة الخليج العربي نفسها، أم ما يتصل بالملفات الإقليمية الأخرى كما يجري في سوريا. والتصعيد الذي تعتمده قوى تتلقى أوامرها من إيران لدفع أجهزة الأمن البحرينية نحو تدابير أمنية، يمكن أن تخدم الصفة التي تسعى لطرحها عما تسميه بالقمع أو إرهاب الدولة، يعد واحداً من الأساليب الملتوية والمعايير المزدوجة التي تعتمدها الزعامة الإيرانية للحكم على أحداث الربيع العربي، فالاحتجاجات البحرينية التي يتم شحنها طائفياً، خسرت مصداقيتها عندما رفع المحتجون صور علي خامنئي أو الخميني، وطالبوا بإقامة جمهورية إسلامية ترتبط بالولي الفقيه. خطوة استفزازية جديدة إن الحديث عن أن زيارة محمود أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى على أنها محاولة لإرسال رسالة إلى الاجتماع السابق لمجموعة (5 1) والذي انعقد في أسطنبول في وقت سابق، تبسيط لمشهد في غاية الخطورة، لأن ذلك يمنح إيران شهادة حسن سلوك، بأنها لا تمتلك أطماعاً في الأراضي والمياه والسواحل العربية، وربما سيكون في غاية الخطورة أن نفسر قيامها بوضع ثلاثة ألوية قتالية في الجزر الثلاث بأنه رسالة إلى الاجتماع المقبل في بغداد للمجموعة نفسها، لأن في هذه التفسيرات تبسيطاً مذهلاً ومعيباً في آن واحد لنوايا إيران، فهل كان هناك اجتماع لهذه المجموعة حينما احتل الشاه السابق هذه الجزر وأراد أن يرسل إليه رسالة سياسية؟ أم أن ذلك جزء من غاطس الأطماع الإيرانية العميقة في الوطن العربي؟ إن الرسائل السياسية يمكن أن تكون عبر المناورات العسكرية أو خطوات لتقليص مستوى التمثيل الدبلوماسي، والتي على الرغم من أنها تحمل شحناً سياسياً خطراً، إلا أنها لا ترتب مكاسب جغرافية على أراضي الغير لمن يقوم بها، غير أن عسكرة الجزر الثلاث شأنها شأن زيارة نجاد لجزيرة أبو موسى، ثم الإعلان عن الخطوة الاستفزازية الجديدة بتشكيل إقليم جديد يحمل اسماً عدوانياً، ليست رسالة إيرانية، لا لأمريكا والدول التي ستدخل معها في مفاوضات حول برنامجها النووي ولا للعرب، وإنما هي باختصار شديد خطوة واحدة على طريق طويل تريد إيران قطعه على مراحل، طالما لم تجد من يتصدى لها، فإذا عددنا زيارة نجاد رسالة سياسية، وانتهى مسوغها، فهل يستطيع أحد إعادة الزمن إلى وراء لإعادة القذيفة التي انطلقت نحو هدفها ودمرته إلى فوهة المدفع؟ وإذا كانت عسكرة الجزر الثلاث رسالة سياسية لاجتماع بغداد بين إيران ومجموعة (5 1)، فهل تنسحب إيران من الجزر الثلاث بعد أن تصل الرسالة وتقرأها الأطراف ذات العلاقة؟ تمكنت إيران وأمام التفسيرات العربية المنطلقة من حسن نية يفوق الحدود المعقولة، من ابتلاع مئات الآلاف من الكيلومترات من أغنى الأراضي العربية بالثروات الطبيعية كالنفط والغاز والماء، في إقليم الأحواز وفي الساحل الشرقي للخليج العربي، بما في ذلك الجزيرة التي حرّف الإيرانيون اسمها إلى قشم وهي عربية بأهلها وتاريخها، فهي جزيرة استمدت اسمها من القواسم الذين بسطوا هيمنتهم البحرية على المنطقة ردحاً من الزمن، وتمكنوا من تأديب إيران زمناً طويلاً. ^ نزار السامرائي
International
عسكرة الجزر العربية الثلاث تصعيد يعكس بعض نوايا تمدد إيران
27 مايو 2012