بلومبرغ
لم يكن من الممكن أن يأتي الارتفاع القياسي في أسعار الطاقة في وقت أسوأ بالنسبة لخطة المناخ الجديدة الطموحة في أوروبا، فقد بدأ السياسيون للتو في الحديث عن كيفية تنفيذ استراتيجية خفض الانبعاثات الأكثر شمولاً في العالم.
تهدِّد أزمة الطاقة بزيادات مضاعفة في فواتير الكهرباء الاستهلاكية قبل أشهر من برد الشتاء، كما أنَّها تضغط على عمالقة الصناعة. وفي الوقت الذي تسارع فيه الحكومات الأوروبية لتخفيف التأثير على المستهلكين، وعدت اليونان، على سبيل المثال بتقديم دعم لفواتير الطاقة، في حين كانت التهديدات بانقطاع التيار الكهربائي في المملكة المتحدة الأسبوع الماضي بمثابة تذكير حيٍّ بهشاشة إمدادات الطاقة.
بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، الذي يقترح حظر السيارات الجديدة التي تعمل بالوقود الأحفوري بحلول عام 2035، وفرض تكاليف جديدة على التدفئة المنزلية القذرة؛ فإنَّ التكاليف الباهظة لمثل هذه الخطة الطموحة ستجعل من إقناع الناخبين بها، و الذين يعانون بالفعل من ارتفاع فواتير الخدمات أمراً صعباً.
الحل طويل المدى
قال بيتر فيز، كبير المستشارين في شركة "رود بيديرسين لاستشارات العلاقات العامة" (Rud Pedersen Public Affairs)، والمساعد السياسي السابق للمفوَّض الأول للمناخ في الاتحاد الأوروبي: "بالطبع لدى المستوى الحالي لأسعار الطاقة القدرة على جعل المناقشات حول حزمة المناخ أكثر تعقيداً. لكنَّ إضعاف الحزمة بسبب أزمة الطاقة اليوم من شأنه أن ينتقص من الحل طويل المدى لتقليل اعتماد أوروبا على الوقود الأحفوري دون معالجة سبب الضغط على إمدادات الغاز".
ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي والطاقة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في المنطقة التي تضمُّ 27 دولة، مع انتعاش اقتصادات الكتلة الأوروبية من جائحة كوفيد 19. وتأتي الزيادة في الطلب وسط محدودية واردات الغاز من النرويج وروسيا، إذ تتهم بعض الدول موسكو بالتلاعب بالإمدادات. في الوقت نفسه، عززت استراتيجية الاتحاد الأوروبي لتسريع خفض الانبعاثات في كل قطاع من النقل إلى التصنيع والزراعة الطلب على تصاريح الكربون، مع زيادة الأسعار إلى أكثر من الضعف خلال العامين الماضيين وصولاً إلى مستويات قياسية جديدة.
مصير الحزمة الخضراء
يرغب الاتحاد الأوروبي في قيادة المعركة العالمية ضد تغيُّر المناخ، وتقديم مثال يحتذى به للبعثات الرئيسية الأخرى مثل الولايات المتحدة والصين، ويتمثَّل هدفها الشامل من استراتيجية الصفقة الخضراء في الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.
تهدف الحزمة الخضراء التي تمَّ الكشف عنها في يوليو إلى مواءمة الاقتصاد مع هدف مُلزم أكثر صرامة لعام 2030، إذ يتمثَّل في خفض الانبعاثات بنسبة 55% على الأقل من مستويات عام 1990. تحتاج القوانين إلى موافقة البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء في مجلس الاتحاد الأوروبي، مع حقِّ كل مؤسسة في تعديل الخطة، في عملية من المحتمل أن تستغرق حوالي عامين.
لكن بالنسبة للبلدان ذات الدخل المنخفض في أوروبا - وكذلك بالنسبة للصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة في القارة - فإنَّ الألم الناتج عن أيِّ انتقال سيكون كبيراً، وسيقع الاتحاد الأوروبي تحت الضغط للمساعدة في تخفيف الضربة الناجمة عن قفزة الأسعار الحالية.
مع بدء المحادثات السياسية؛ تتخذ الحكومات من مدريد إلى أمستردام خطوات لتخفيف التأثير الفوري لأزمة الطاقة، ومنع رد الفعل العكسي ضد سياسات خفض الكربون، وأبلغت إسبانيا الاتحاد الأوروبي في خطاب يوم 20 سبتمبر أنَّ إجراءات خفض الانبعاثات "قد لا تصمد لفترة طويلة أمام أسعار الكهرباء المرتفعة للغاية"، مشيرةً إلى احتجاجات السترات الصفراء التي هزَّت فرنسا قبل عامين.
شغلت أزمة الغاز بالفعل وقت اجتماع وزراء الطاقة هذا الأسبوع، والذي دعا لمناقشة مشاريع قوانين لزيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز توفير الطاقة.
سلطات محدودة
و برغم أنَّ الاتحاد الأوروبي ليس لديه إلا سلطات محدودة في مجال سياسة الطاقة؛ التي ما تزال إلى حدٍّ كبير في أيدي الدول الأعضاء، إلا أنَّ المفوضية الأوروبية تعهدت بنشر إرشادات في الأسابيع المقبلة حول الأدوات قصيرة المدى التي يمكن أن تستخدمها الدول بما يتماشى مع قانون الكتلة. تشمل هذه الخيارات تخفيض ضريبة القيمة المضافة، والضرائب المفروضة على الطاقة.
في اليونان، تعهد رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس في وقت سابق بمنح دعم للطاقة في الربع الرابع لجميع الأسر بهدف تغطية معظم الارتفاع المتوقَّع في أسعار فواتير الكهرباء، كما أعلن عن تخفيض ضريبة المبيعات حتى يونيو 2022 على القهوة، والنقل، والمشروبات غير الكحولية، ودور السينما، والصالات الرياضية، ومدارس الرقص، وباقات السياحة.
اقرأ أيضاً: اليونان تسرِّع جهودها للتخلص من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بحلول 2025
عدَّلت هولندا ميزانية البلاد بإضافة 500 مليون يورو (586 مليون دولار) لخفض تكاليف الطاقة للشركات والأسر، في حين ستفرض إسبانيا ضريبة غير متوقَّعة على مرافق الطاقة، وتضع قيوداً على الحدود العليا لفواتير الطاقة للمستهلكين، وهي خطوة قال المعارضون، إنَّها قد تحدُّ من الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
قال إغناسيو جالان، الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الإسبانية "إيبيردرولا" (Iberdrola)، في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ: "هذا الإجراء ليس مستداماً. إنَّه يعرض انتقال الطاقة بالكامل للخطر".
لكنَّ الحكومات الأوروبية محدودة، فيما يمكنها القيام به لمعالجة أزمة الطاقة، دون جعل الوصول إلى أهدافها المناخية أكثر صعوبة.
وقال جون ماسك، المحلِّل في "آر بي سي يوروب" (RBC Europe): "من غير المحتمل أن يعكس السياسيون المسار، ويعودوا إلى توليد الطاقة من الفحم، أو يجروا تغييرات على نهج التعامل مع الكربون. يصعب معرفة الإجراءات التي سيتمُّ اتباعها للتخفيف من قيود العرض والطلب على الغاز والطاقة على المدى القريب. من المحتمل أن تمر عدَّة سنوات صعبة من حيث أسعار المستهلكين، وقد يلزم اتخاذ بعض الإجراءات لمساعدة المستهلكين هنا وهناك".
يتعرَّض أكبر مستخدمي الطاقة الصناعية بشكل خاص للتأثير المباشر لارتفاع الأسعار. و قالت شركة "نيرستار" (Nyrstar) المنتجة للزنك يوم الخميس الماضي، إنَّها ستخفِّض الإنتاج في مصنع هولندي كبير خلال أوقات الذروة، أما بالنسبة لمنتجي الألمنيوم الإقليميين، فيمكن أن تعادل تكاليف الكهرباء حوالي 80% من السعر الإجمالي للسلعة، بحسب ما أفاد اتحاد صناعة المعادن "يوروماتكس" (Eurometaux) في رسالة إلى رئيس قسم الطاقة في الاتحاد الأوروبي، كادري سيمسون، حثوا فيها على تقديم المزيد من الدعم للقطاع.
وقال الاتحاد: "أدت أسعار الكهرباء المرتفعة هذه بالفعل إلى عمليات تقليص، ويمكن أن تؤدي إلى مزيد من عمليات نقل معامل قطاعنا خارج أوروبا، إذا لم يتم التعامل معها. أما على النطاق الأوسع؛ فنحن نشعر بالقلق أيضاً من أنَّه إذا بقيت الكهرباء باهظة الثمن، فسيؤدي ذلك إلى تثبيط كهربة الصناعة كوسيلة لإزالة الكربون، مما يقوِّض أهداف الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي".
لم يكن من الممكن أن يأتي الارتفاع القياسي في أسعار الطاقة في وقت أسوأ بالنسبة لخطة المناخ الجديدة الطموحة في أوروبا، فقد بدأ السياسيون للتو في الحديث عن كيفية تنفيذ استراتيجية خفض الانبعاثات الأكثر شمولاً في العالم.
تهدِّد أزمة الطاقة بزيادات مضاعفة في فواتير الكهرباء الاستهلاكية قبل أشهر من برد الشتاء، كما أنَّها تضغط على عمالقة الصناعة. وفي الوقت الذي تسارع فيه الحكومات الأوروبية لتخفيف التأثير على المستهلكين، وعدت اليونان، على سبيل المثال بتقديم دعم لفواتير الطاقة، في حين كانت التهديدات بانقطاع التيار الكهربائي في المملكة المتحدة الأسبوع الماضي بمثابة تذكير حيٍّ بهشاشة إمدادات الطاقة.
بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، الذي يقترح حظر السيارات الجديدة التي تعمل بالوقود الأحفوري بحلول عام 2035، وفرض تكاليف جديدة على التدفئة المنزلية القذرة؛ فإنَّ التكاليف الباهظة لمثل هذه الخطة الطموحة ستجعل من إقناع الناخبين بها، و الذين يعانون بالفعل من ارتفاع فواتير الخدمات أمراً صعباً.
الحل طويل المدى
قال بيتر فيز، كبير المستشارين في شركة "رود بيديرسين لاستشارات العلاقات العامة" (Rud Pedersen Public Affairs)، والمساعد السياسي السابق للمفوَّض الأول للمناخ في الاتحاد الأوروبي: "بالطبع لدى المستوى الحالي لأسعار الطاقة القدرة على جعل المناقشات حول حزمة المناخ أكثر تعقيداً. لكنَّ إضعاف الحزمة بسبب أزمة الطاقة اليوم من شأنه أن ينتقص من الحل طويل المدى لتقليل اعتماد أوروبا على الوقود الأحفوري دون معالجة سبب الضغط على إمدادات الغاز".
ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي والطاقة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في المنطقة التي تضمُّ 27 دولة، مع انتعاش اقتصادات الكتلة الأوروبية من جائحة كوفيد 19. وتأتي الزيادة في الطلب وسط محدودية واردات الغاز من النرويج وروسيا، إذ تتهم بعض الدول موسكو بالتلاعب بالإمدادات. في الوقت نفسه، عززت استراتيجية الاتحاد الأوروبي لتسريع خفض الانبعاثات في كل قطاع من النقل إلى التصنيع والزراعة الطلب على تصاريح الكربون، مع زيادة الأسعار إلى أكثر من الضعف خلال العامين الماضيين وصولاً إلى مستويات قياسية جديدة.
مصير الحزمة الخضراء
يرغب الاتحاد الأوروبي في قيادة المعركة العالمية ضد تغيُّر المناخ، وتقديم مثال يحتذى به للبعثات الرئيسية الأخرى مثل الولايات المتحدة والصين، ويتمثَّل هدفها الشامل من استراتيجية الصفقة الخضراء في الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.
تهدف الحزمة الخضراء التي تمَّ الكشف عنها في يوليو إلى مواءمة الاقتصاد مع هدف مُلزم أكثر صرامة لعام 2030، إذ يتمثَّل في خفض الانبعاثات بنسبة 55% على الأقل من مستويات عام 1990. تحتاج القوانين إلى موافقة البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء في مجلس الاتحاد الأوروبي، مع حقِّ كل مؤسسة في تعديل الخطة، في عملية من المحتمل أن تستغرق حوالي عامين.
لكن بالنسبة للبلدان ذات الدخل المنخفض في أوروبا - وكذلك بالنسبة للصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة في القارة - فإنَّ الألم الناتج عن أيِّ انتقال سيكون كبيراً، وسيقع الاتحاد الأوروبي تحت الضغط للمساعدة في تخفيف الضربة الناجمة عن قفزة الأسعار الحالية.
مع بدء المحادثات السياسية؛ تتخذ الحكومات من مدريد إلى أمستردام خطوات لتخفيف التأثير الفوري لأزمة الطاقة، ومنع رد الفعل العكسي ضد سياسات خفض الكربون، وأبلغت إسبانيا الاتحاد الأوروبي في خطاب يوم 20 سبتمبر أنَّ إجراءات خفض الانبعاثات "قد لا تصمد لفترة طويلة أمام أسعار الكهرباء المرتفعة للغاية"، مشيرةً إلى احتجاجات السترات الصفراء التي هزَّت فرنسا قبل عامين.
شغلت أزمة الغاز بالفعل وقت اجتماع وزراء الطاقة هذا الأسبوع، والذي دعا لمناقشة مشاريع قوانين لزيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز توفير الطاقة.
سلطات محدودة
و برغم أنَّ الاتحاد الأوروبي ليس لديه إلا سلطات محدودة في مجال سياسة الطاقة؛ التي ما تزال إلى حدٍّ كبير في أيدي الدول الأعضاء، إلا أنَّ المفوضية الأوروبية تعهدت بنشر إرشادات في الأسابيع المقبلة حول الأدوات قصيرة المدى التي يمكن أن تستخدمها الدول بما يتماشى مع قانون الكتلة. تشمل هذه الخيارات تخفيض ضريبة القيمة المضافة، والضرائب المفروضة على الطاقة.
في اليونان، تعهد رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس في وقت سابق بمنح دعم للطاقة في الربع الرابع لجميع الأسر بهدف تغطية معظم الارتفاع المتوقَّع في أسعار فواتير الكهرباء، كما أعلن عن تخفيض ضريبة المبيعات حتى يونيو 2022 على القهوة، والنقل، والمشروبات غير الكحولية، ودور السينما، والصالات الرياضية، ومدارس الرقص، وباقات السياحة.
اقرأ أيضاً: اليونان تسرِّع جهودها للتخلص من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بحلول 2025
عدَّلت هولندا ميزانية البلاد بإضافة 500 مليون يورو (586 مليون دولار) لخفض تكاليف الطاقة للشركات والأسر، في حين ستفرض إسبانيا ضريبة غير متوقَّعة على مرافق الطاقة، وتضع قيوداً على الحدود العليا لفواتير الطاقة للمستهلكين، وهي خطوة قال المعارضون، إنَّها قد تحدُّ من الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
قال إغناسيو جالان، الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الإسبانية "إيبيردرولا" (Iberdrola)، في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ: "هذا الإجراء ليس مستداماً. إنَّه يعرض انتقال الطاقة بالكامل للخطر".
لكنَّ الحكومات الأوروبية محدودة، فيما يمكنها القيام به لمعالجة أزمة الطاقة، دون جعل الوصول إلى أهدافها المناخية أكثر صعوبة.
وقال جون ماسك، المحلِّل في "آر بي سي يوروب" (RBC Europe): "من غير المحتمل أن يعكس السياسيون المسار، ويعودوا إلى توليد الطاقة من الفحم، أو يجروا تغييرات على نهج التعامل مع الكربون. يصعب معرفة الإجراءات التي سيتمُّ اتباعها للتخفيف من قيود العرض والطلب على الغاز والطاقة على المدى القريب. من المحتمل أن تمر عدَّة سنوات صعبة من حيث أسعار المستهلكين، وقد يلزم اتخاذ بعض الإجراءات لمساعدة المستهلكين هنا وهناك".
يتعرَّض أكبر مستخدمي الطاقة الصناعية بشكل خاص للتأثير المباشر لارتفاع الأسعار. و قالت شركة "نيرستار" (Nyrstar) المنتجة للزنك يوم الخميس الماضي، إنَّها ستخفِّض الإنتاج في مصنع هولندي كبير خلال أوقات الذروة، أما بالنسبة لمنتجي الألمنيوم الإقليميين، فيمكن أن تعادل تكاليف الكهرباء حوالي 80% من السعر الإجمالي للسلعة، بحسب ما أفاد اتحاد صناعة المعادن "يوروماتكس" (Eurometaux) في رسالة إلى رئيس قسم الطاقة في الاتحاد الأوروبي، كادري سيمسون، حثوا فيها على تقديم المزيد من الدعم للقطاع.
وقال الاتحاد: "أدت أسعار الكهرباء المرتفعة هذه بالفعل إلى عمليات تقليص، ويمكن أن تؤدي إلى مزيد من عمليات نقل معامل قطاعنا خارج أوروبا، إذا لم يتم التعامل معها. أما على النطاق الأوسع؛ فنحن نشعر بالقلق أيضاً من أنَّه إذا بقيت الكهرباء باهظة الثمن، فسيؤدي ذلك إلى تثبيط كهربة الصناعة كوسيلة لإزالة الكربون، مما يقوِّض أهداف الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي".