إن فن الإصغاء ملكة من الملكات التي يمتلكها قليلون في هذه الحياة، وهي تعني القدرة على الانتباه الشديد للمتحدث والاستماع إليه بكل حواس الجسم. يستطيع صاحب هذه الملكة الاهتمام الكامل بكل تفاصيل الحديث ابتداءً من نبرة الصوت وما يحويه من إحساس كامن ومعاني وصولاً لقراءة الكلمات بين السطور والعبارات.

ولأننا نعيش في عصر وتيرته تتسارع وتحدياته تتزايد كل يوم، فإننا ربما أحياناً ومن غير قصد لا نولي أبناءنا الاهتمام الكافي عندما يتحدثون. كوننا ربما لا نملك ملكة أو مهارة الإصغاء الجيد، وربما نمتلكها ولكن الضغوطات والمشاغل تفوق طاقة تحملنا فيضيع تركيزنا ونحن نستمع لأبنائنا. ومن غير المنصف منا أن نحاول جاهدين إيجاد وقت لشراء الملابس لهم والتخطيط لتسليتهم والترفيه عنهم ونسيان مسألة الجد والاجتهاد للإصغاء لهم أثناء كلامهم أو إهمال محاولة تشجيعهم على الكلام لكي نتمكن من الإصغاء لما يخفونه عنا خجلاً أو خوفاً.

إن الإصغاء للأبناء يساعدنا على معرفة طريقة تفكيرهم والتنبؤ بسلوكياتهم المستقبلية والتدخل في الوقت المناسب في عملية بناء شخصياتهم وأفكارهم لحمايتهم من أي أفكار متطرفة أو سلوكيات غير مقبولة. أن إهمال الإصغاء للأبناء يؤدي لخلق فجوة كبيرة بيننا وبينهم وخاصة بأن الأبناء دائماً ما يشعرون بأن الآباء لا يفهمونهم ولا يدركون مشاعرهم وأيضاً لا يحترمون آراءهم.

وبحسب المتخصصين في علم النفس السريري، فإن فن الإصغاء يمكن تطويره في حال رغبنا بذلك. ومن المهم جداً أن نولي الأبناء الوقت الكافي عندما يبدون رغبة في الكلام والأفضل أن نترك ما يشغلنا ونخصص لهم وقتاً نستمع فيه لهم بكل أهتمام، مما سينعكس إيجاباً على سلوكياتهم. ويؤكد المتخصصون بأن الجهد المطلوب للتركيز على كلام الأطفال في سن الخامسة كبير جداً خاصة لأن الجمل والكلمات لا تكون منتظمة ومتسلسلة. لذلك يتطلب الأمر جهداً وتركيزاً عالياً ومحاولات دؤوبة لفهم المعنى وراء الحديث. ومع الوقت يبني اهتمام الأهل لعملية الإصغاء لأبنائهم علاقة ثقة متبادلة بينهم ويهيئ الطفل لأن يكون متحدثاً جيداً يعبر عن أفكاره ومشاعره من غير تردد أو خوف.

أن هناك بعض النصائح التي يمكنها ببساطة مساعدتنا على تطوير فن الإصغاء مثل تعلم الصبر والهدوء أثناء الاستماع للأبناء والابتسام أثناء حديثهم والترحيب بهم في أي وقت يحبذون الكلام فيه. كما ومن المهم توجيه الأسئلة لهم بعد انتهائهم من الحديث الأمر الذي يعكس الاهتمام ويشجعهم على مواصلة الشعور بالاطمئنان والثقة مما يساعد على تعزيز رغبتهم في مواصلة التحدث لنا بما يجول في أنفسهم مستقبلاً.

بقلم رؤى الحايكي