بلومبرغ
أدت فترة الركود الاقتصادي العميق الناتج عن وباء كورونا إلى فقدان ملايين الوظائف، وتراجع الدخول ومستويات المعيشة، في الوقت الذي خشي فيه الكثيرون على مستقبلهم المالي. في المقابل اتخذ قطاع الإسكان، طريقاً مختلفاً.
أسهمت الطفرة في أسعار العقارات في توسيع الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون، وأدت إلي تغذية الغضب حيال عدم المساواة في الإسكان، واتُهمت الأسواق العقارية بالانقسام والاختلال بالإضافة إلى كونها غير عادلة. وفي الوقت الذي استفاد فيه البعض من ارتفاع قيم العقارات، يعاني الكثيرون من الإيجارات المرتفعة، أو من وجود مبانٍ دون المستوى المطلوب، أو حتى صعود أسعار المنازل التي تجعل من تملكّها أمراً بعيد المنال.
تصاعد الإحباط بعض الشئ في برلين الأسبوع الماضي، ما دفع الناخبين إلى اقتراح جذري يقضي بتأميم أصحاب العقارات الكبار في محاولة للسيطرة على ارتفاع الإيجارات وإصلاح أزمة السكن في المدينة.
وقالت جيني ستوبكا، وهي واحدة من المجموعة الدافعة باتجاه الاستفتاء: "نحن سكان برلين لم نعد على استعداد لتمويل أرباح المؤسسات الكبيرة من خلال الإيجارات المرتفعة للغاية.".
اقرأ أيضا: مستثمرو العقارات يهجرون لندن إلى المساحات الخضراء والأرباح المرتفعة
تنقسم فجوة الإسكان غالباً على أساس الأجيال مع استبعاد الشباب عن السوق، وكشفت التداعيات الاقتصادية غير المتكافئة الناتجة عن الوباء حجم هذه الفجوة بشكل فج. وبينما احتمى العاملون في الوظائف الإدارية ذات الأجور الجيدة للغاية في مكاتبهم المنزلية، عانى أغلب العاملين في الوظائف منخفضة الأجور من فقدان وظائفهم ودخولهم. في نفس الوقت، ارتفعت أسعار المنازل بشكل أسرع من التضخم في كافة الدول الأوروبية الـ 27 خلال العام 2020، وهو اتجاه لم يكن ملحوظاً منذ عقدين على الأقل.
قفزت الأسعار في منطقة اليورو بأكثر من 30% منذ العام 2020، وارتفعت الإيجارات بنسبة 15% في نفس الفترة، ما زاد من الضغط المالي على الكثيرين. كما حذر صندوق النقد الدولي من ازدياد سوء هذا "الاتجاه المقلق" لعدم المساواة، وتضج القارة الأوروبية بقصص المشترين الذين يرغبون في الشراء والمؤجرين والآخرين الذين يعانون جميعاً من الإحباط.
عبء الإيجار
انقلبت سوق الإيجارات، التي كانت رخيصة بالعاصمة الألمانية برلين، في وقت سابق من هذا العام، عندما ألغت المحكمة الدستورية الألمانية قانوناً كان قد وضع سقفاً لها. إلى جانب الاستفتاء الأخير لشراء العقارات بالقوة من كبار الملاك، أثارت هذه الخطوة احتجاجات، ورغم النتيجة، لا يتضح بعد ما إذا كانت الحكومة المحلية ستواصل الخطة، الأمر الذي قد يشعل معارك قانونية طويلة.
اقرأ أيضا: سوق المنازل السويسرية مرشحّة لتصبح فقاعة عقارية
تعيش ماري ساكيلاريو، الأم العازبة البالغة من العمر 35 عاماً، بمنطقة نيوكولن في مدينة برلين، وتعد من بين المتأثرين بشكل مباشر من إنهاء سقف الإيجار. انتقلت ساكيلاريو، التي تعود أصولها إلى باريس، للعمل في المدينة منذ ست سنوات، و في البداية، منحتها هذه الفرصة حرية مالية لم تكن ستتمتع بها أبداً في وطنها الأم، على حد قولها.
إلا أن الإيجار ارتفع بمبلغ قدره 300 يورو في شهر أبريل بين عشية وضحاها، ما دفعها في التفكير بالتوفير من خلال استبدال شقتها المكوّنة من 3 غرف نوم بشقة أصغر، لكنها عدلت ذلك وبقيت فيها لأن الأمر لم يكن ليحدث فرقاً.
يعيش حوالي 50% من الأسر ألمانيا بمساكن مستأجرة، وينفق الفرد العادي ما يزيد قليلاً عن ربع دخله المتاح على الإسكان. تنفق "ساكيلاريو" حالياً ما يقرب من النصف على الإيجار، وذلك على حساب بعض الأطعمة و دروس السباحة والموسيقى لولدها. وتقول: "لقد خذلت الرأسمالية الكثير منا، ورغم أنني أتمتع بوظيفة جيدة بدخل متوسط، إلا أنني أعاني، وهناك الكثير ممن هم أسوأ مني.".
العيش في المنزل
في غضون ذلك، يتعرض الشباب بشكل خاص لترتيبات معيشية غير مستقرة، إذ ينحصر الأغلبية في العمل بوظائف مؤقتة منخفضة الأجر، ويتضاءل احتمال إطلاق كلمة "منزل" على المساكن التي يقطنونها، على عكس الأجيال السابقة.
تعتبر اليونان مثالاً صارخاً على هذا الأمر، فهي لا تزال تعاني من معدل بطالة يزيد عن 15%، ويعيش أكثر من 62% من الأبناء الذين تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 34 سنة مع ذويهم.
اقرأ أيضا: فقاعة العقارات العالمية تُطل برأسها مجدداً وتضع البنوك المركزية في مأزق
يُجبَر أغلب الذين يخرجون من منازل ذويهم على العمل، مقابل حفنة من الأموال للبقاء على قيد الحياة. و يبلغ متوسط تكاليف السكن حوالي 40% من الدخل المتاح، أي ضعف متوسط الاتحاد الأوروبي، وتبلغ نسبة متأخرات سداد الرهون العقارية أو الإيجار أو فواتير الخدمات نحو 37%.
لا تزال نيللي سوتيريو، البالغة من العمر 36 سنة، تعيش مع ذويها بالقرب من الميناء الرئيس للبلاد، "بيرايوس"، والتي أجبرتها ظروفها الصحية مؤخراً على ترك وظيفة "ذات أجر جيد نسبياً" يصل إلى 1100 يورو شهرياً. مع ذلك، لم يكن هذا المبلغ كافياً لتوفير مكان لائق للعيش فيه، حيث يُكلّف منزل بنوافذ جديدة و أرضيات جميلة دون قوالب على الجدران حوالي 500-600 يورو.
اقرأ أيضا: معركة إخلاء المنازل الأمريكية من مستأجريها تشتعل مجدداً
تبحث "سوتيريو" في الوقت الحالي عن وظيفة جديدة، لكنها تعرف أن الانتقال ليس خياراً مالياً في النهاية، حتى وإن كان هناك ثمناً للعيش في منزلها الخاص. وتقول: "لدي خيارات محدودة عندما يتعلق الأمر بدعوة الناس إلى المنزل أو الأشياء التي يمكنني القيام بها. لكنني أفضل البقاء هنا على العيش بمفردي لمجرد أن أقوم بدفع إيجاري، ومواد البقالة الخاصة بي، وعدم القدرة على الخروج أو السفر."
ندوب طويلة الأمد
على الجانب الآخر من القارة، تتعامل أيرلندا مع مشكلة الإسكان لديها إلى جانب الندوب طويلة الأمد التي تسببت فيها أزمة انهيار الإسكان في العام 2008.
تراجعت ملكية المنازل من 82% إلى أقل من 70% في مرحلة ما من سنوات "النمر السلتي" (نسبة إلى السلالة السلتية التي ينحدر منها سكان إيرلندا الحاليون)، لكن النقص الحالي في المنازل يتسبب في زيادة جديدة بأسعار الإيجارات، لينفق المستأجرون مزيداً من دخولهم، ما يُصعّب عليهم التوفير للدفعة المبدئية.
تقوم كارلي بيلي، عضو المجلس المحلي في جنوب دبلن، وزوجها بتأجير منزلهما، ومن المحتمل، بنسبة كبيرة، ألا يتمكنا من شراء منزل مرة أخرى. في العام 2010 تقريباً، واجه الزوجان صعوبات في سداد الرهن العقاري، وعملا مع المصرف الذي أقرضهم على بيع الديون إلى صندوق يشترى القروض المتعثرة.
بعد عدم تمكّنهم من دفع الرهن العقاري، اتفق الزوجان "بيلي" مع المصرف على بيع منزلهما شريطة ألا تتم ملاحقتهم بخصوص المتأخرات المتبقية، غير أن الصندوق فكّر بشكل مختلف، وفي النهاية تقدمت "بيلي" بطلب للإفلاس في العام 2018.
وتقول: "أفُضّل ألا يكون لدي منزل على الإطلاق، على أن يكون لدي رهن عقاري، أو منزل خاص بنا نضع فيه الكثير ثم نفقده.".
رأي الخبراء:
يُظهر تحليل بلومبرغ إيكونوميكس أن أسواق الإسكان تشير إلى تحذيرات مماثلة للعام 2008، مما يُطلق بالتالي تحذيرات من الاختلالات المالية، وتعميق عدم المساواة.
حذّر بنك التسويات الدولي في تقريره السنوي من ارتفاع أسعار المنازل بشكل حاد يفوق الأساسيات خلال الوباء، وسيؤدي ذلك إلى إضعاف القطاع في حال زيادة تكاليف الإقراض.
يبدأ البنك المركزي الأوروبي في الأخذ بتكاليف المنازل المملوكة والتي يسكنها أصحابها عند تقييم التضخم في منطقة اليورو الشاملة 19 دولة. يُشير هذا إلى أن ضغوط الأسعار آخذة في الارتفاع، في الوقت الذي تعرّض فيه أقرانهم العالميون إلى انتقادات بسبب إذكاء مخاطر الفقاعة العقارية.
شروط دون المستوى
تعتبر القدرة على تحمل التكاليف وجهاً من وجوه قطاع الإسكان في بعض الدول. ففي رومانيا، إحدى أفقر دول الكتلة الأوروبية، يعد الازدحام وعدم كفاية التدفئة مثَالين على الصعوبات التي يواجهها بعض الناس، لكن أكثر ما يثير الدهشة هو أن واحد من كل خمسة من الرومانيين لا يفتقر إلى مرحاض أو حوض استحمام أو "دوش" في المنازل، حتى بعد 14 عاماً من الانضمام إلى الكتلة. وتأتي ليتوانيا في المرتبة الثانية بنسبة تنخفض قليلً عن 9%.
اقرأ أيضا: العالم يحتاج إلى تشييد مزيد من المباني المناسبة للجميع
تنتظر ماريانا ناستاس وزوجها ماريان منذ سنوات وصول نظام الصرف الصحي إلى منزلهما في قرية "أولميني"، بالقرب من نهر الدانوب، على بعد 40 ميلاً جنوب شرق مدينة بوخارست. ورث الزوجان المنزل من والدي "ماريان" عندما وافتهم المنية العام الماضي، ومن دون هذا المنزل لما تمكّنا من تدبير أمورهم.
يتقاضى ماريان وماريانا، اللذين لديهما ولدين في سن المراهقة، نحو 800 يورو شهرياً مجتمعين، في الوقت الذي تأخر فيه الزوجان عن سداد القرض الذي حصلا عليه للقيام بإصلاحات في المنزل.
وتقول ماريانا: "ليس لدينا فرصة لحياة أفضل هنا. أنا وزوجي نعمل كل يوم، وبالكاد ندبر أمورنا من شهر إلى آخر. فكرنا في مغادرة البلاد للحصول على رواتب أفضل لكننا لم نتمكن من ترك والدينا وأطفالنا وراءنا".
الفائزون
ارتفعت أسعار المنازل في كافة أرجاء الاتحاد الأوروبي باستثناء إسبانيا، وقبرص، وإيطاليا منذ بداية العام 2010، وسجلت إستونيا زيادة مذهلة تصل إلى 130%.
فاز لوري كول، مستشار الاتصالات البالغ من العمر 35 عاماً في تالين، بلعبة العقارات. نشأ الشاب في كروشتشيوكوفا، المشروع الإسكاني منخفض التكلفة على الطراز الشيوعي، والذي يحتوي فقط على ماء بارد، ومرحاض في المطبخ، ومساحة تبلغ 30 متراً مربعاً (322.92 قدماً مربعاً) لعائلته المكونة من أربعة أفراد.
كان "لوري" مراهقاً عندما انهار الاتحاد السوفيتي في العام 1991، وفي منتصف الثلاثينيات من عمره، اشترى أول شقة مكونة من غرفة نوم واحدة في ضواحي العاصمة مقابل 42 ألف يورو (49239 دولاراً) في العام 2013.
اقرأ أيضا: فرض الضرائب على منازل الأثرياء الفارغة لن يحلّ أزمة الإسكان
منذ ذلك الحين، قام الشاب باستبدال المنازل مرتين، وحقق ربحاً يزيد عن 60% هذا الربيع قبل انتقاله إلى مكان مكون من ثلاث غرف نوم بتكلفة 176 ألف يورو في حي سكني سيتم إطلاقه لاحقاً بالقرب من وسط المدينة. مع ذلك، قرر "لوري" البقاء بمكانه في الوقت الحالي.
ويقول "لوري": "ربما يظن كل مشتري منزل أن هذه هي آخر عملية شراء يقوم بها. أنا أفكر في نفس الشئ. لكن إذا تم تطوير الحي، مثلما هو مخطط له، ليشمل مطاعم، ومنتزه، وإمكانية الوصول إلى وسائل النقل العامة، فمن الممكن تحقيق ما يكفي من المال من خلال بيع هذا المكان، والقيام بتغيير آخر في المنازل.".
أدت فترة الركود الاقتصادي العميق الناتج عن وباء كورونا إلى فقدان ملايين الوظائف، وتراجع الدخول ومستويات المعيشة، في الوقت الذي خشي فيه الكثيرون على مستقبلهم المالي. في المقابل اتخذ قطاع الإسكان، طريقاً مختلفاً.
أسهمت الطفرة في أسعار العقارات في توسيع الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون، وأدت إلي تغذية الغضب حيال عدم المساواة في الإسكان، واتُهمت الأسواق العقارية بالانقسام والاختلال بالإضافة إلى كونها غير عادلة. وفي الوقت الذي استفاد فيه البعض من ارتفاع قيم العقارات، يعاني الكثيرون من الإيجارات المرتفعة، أو من وجود مبانٍ دون المستوى المطلوب، أو حتى صعود أسعار المنازل التي تجعل من تملكّها أمراً بعيد المنال.
تصاعد الإحباط بعض الشئ في برلين الأسبوع الماضي، ما دفع الناخبين إلى اقتراح جذري يقضي بتأميم أصحاب العقارات الكبار في محاولة للسيطرة على ارتفاع الإيجارات وإصلاح أزمة السكن في المدينة.
وقالت جيني ستوبكا، وهي واحدة من المجموعة الدافعة باتجاه الاستفتاء: "نحن سكان برلين لم نعد على استعداد لتمويل أرباح المؤسسات الكبيرة من خلال الإيجارات المرتفعة للغاية.".
اقرأ أيضا: مستثمرو العقارات يهجرون لندن إلى المساحات الخضراء والأرباح المرتفعة
تنقسم فجوة الإسكان غالباً على أساس الأجيال مع استبعاد الشباب عن السوق، وكشفت التداعيات الاقتصادية غير المتكافئة الناتجة عن الوباء حجم هذه الفجوة بشكل فج. وبينما احتمى العاملون في الوظائف الإدارية ذات الأجور الجيدة للغاية في مكاتبهم المنزلية، عانى أغلب العاملين في الوظائف منخفضة الأجور من فقدان وظائفهم ودخولهم. في نفس الوقت، ارتفعت أسعار المنازل بشكل أسرع من التضخم في كافة الدول الأوروبية الـ 27 خلال العام 2020، وهو اتجاه لم يكن ملحوظاً منذ عقدين على الأقل.
قفزت الأسعار في منطقة اليورو بأكثر من 30% منذ العام 2020، وارتفعت الإيجارات بنسبة 15% في نفس الفترة، ما زاد من الضغط المالي على الكثيرين. كما حذر صندوق النقد الدولي من ازدياد سوء هذا "الاتجاه المقلق" لعدم المساواة، وتضج القارة الأوروبية بقصص المشترين الذين يرغبون في الشراء والمؤجرين والآخرين الذين يعانون جميعاً من الإحباط.
عبء الإيجار
انقلبت سوق الإيجارات، التي كانت رخيصة بالعاصمة الألمانية برلين، في وقت سابق من هذا العام، عندما ألغت المحكمة الدستورية الألمانية قانوناً كان قد وضع سقفاً لها. إلى جانب الاستفتاء الأخير لشراء العقارات بالقوة من كبار الملاك، أثارت هذه الخطوة احتجاجات، ورغم النتيجة، لا يتضح بعد ما إذا كانت الحكومة المحلية ستواصل الخطة، الأمر الذي قد يشعل معارك قانونية طويلة.
اقرأ أيضا: سوق المنازل السويسرية مرشحّة لتصبح فقاعة عقارية
تعيش ماري ساكيلاريو، الأم العازبة البالغة من العمر 35 عاماً، بمنطقة نيوكولن في مدينة برلين، وتعد من بين المتأثرين بشكل مباشر من إنهاء سقف الإيجار. انتقلت ساكيلاريو، التي تعود أصولها إلى باريس، للعمل في المدينة منذ ست سنوات، و في البداية، منحتها هذه الفرصة حرية مالية لم تكن ستتمتع بها أبداً في وطنها الأم، على حد قولها.
إلا أن الإيجار ارتفع بمبلغ قدره 300 يورو في شهر أبريل بين عشية وضحاها، ما دفعها في التفكير بالتوفير من خلال استبدال شقتها المكوّنة من 3 غرف نوم بشقة أصغر، لكنها عدلت ذلك وبقيت فيها لأن الأمر لم يكن ليحدث فرقاً.
يعيش حوالي 50% من الأسر ألمانيا بمساكن مستأجرة، وينفق الفرد العادي ما يزيد قليلاً عن ربع دخله المتاح على الإسكان. تنفق "ساكيلاريو" حالياً ما يقرب من النصف على الإيجار، وذلك على حساب بعض الأطعمة و دروس السباحة والموسيقى لولدها. وتقول: "لقد خذلت الرأسمالية الكثير منا، ورغم أنني أتمتع بوظيفة جيدة بدخل متوسط، إلا أنني أعاني، وهناك الكثير ممن هم أسوأ مني.".
العيش في المنزل
في غضون ذلك، يتعرض الشباب بشكل خاص لترتيبات معيشية غير مستقرة، إذ ينحصر الأغلبية في العمل بوظائف مؤقتة منخفضة الأجر، ويتضاءل احتمال إطلاق كلمة "منزل" على المساكن التي يقطنونها، على عكس الأجيال السابقة.
تعتبر اليونان مثالاً صارخاً على هذا الأمر، فهي لا تزال تعاني من معدل بطالة يزيد عن 15%، ويعيش أكثر من 62% من الأبناء الذين تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 34 سنة مع ذويهم.
اقرأ أيضا: فقاعة العقارات العالمية تُطل برأسها مجدداً وتضع البنوك المركزية في مأزق
يُجبَر أغلب الذين يخرجون من منازل ذويهم على العمل، مقابل حفنة من الأموال للبقاء على قيد الحياة. و يبلغ متوسط تكاليف السكن حوالي 40% من الدخل المتاح، أي ضعف متوسط الاتحاد الأوروبي، وتبلغ نسبة متأخرات سداد الرهون العقارية أو الإيجار أو فواتير الخدمات نحو 37%.
لا تزال نيللي سوتيريو، البالغة من العمر 36 سنة، تعيش مع ذويها بالقرب من الميناء الرئيس للبلاد، "بيرايوس"، والتي أجبرتها ظروفها الصحية مؤخراً على ترك وظيفة "ذات أجر جيد نسبياً" يصل إلى 1100 يورو شهرياً. مع ذلك، لم يكن هذا المبلغ كافياً لتوفير مكان لائق للعيش فيه، حيث يُكلّف منزل بنوافذ جديدة و أرضيات جميلة دون قوالب على الجدران حوالي 500-600 يورو.
اقرأ أيضا: معركة إخلاء المنازل الأمريكية من مستأجريها تشتعل مجدداً
تبحث "سوتيريو" في الوقت الحالي عن وظيفة جديدة، لكنها تعرف أن الانتقال ليس خياراً مالياً في النهاية، حتى وإن كان هناك ثمناً للعيش في منزلها الخاص. وتقول: "لدي خيارات محدودة عندما يتعلق الأمر بدعوة الناس إلى المنزل أو الأشياء التي يمكنني القيام بها. لكنني أفضل البقاء هنا على العيش بمفردي لمجرد أن أقوم بدفع إيجاري، ومواد البقالة الخاصة بي، وعدم القدرة على الخروج أو السفر."
ندوب طويلة الأمد
على الجانب الآخر من القارة، تتعامل أيرلندا مع مشكلة الإسكان لديها إلى جانب الندوب طويلة الأمد التي تسببت فيها أزمة انهيار الإسكان في العام 2008.
تراجعت ملكية المنازل من 82% إلى أقل من 70% في مرحلة ما من سنوات "النمر السلتي" (نسبة إلى السلالة السلتية التي ينحدر منها سكان إيرلندا الحاليون)، لكن النقص الحالي في المنازل يتسبب في زيادة جديدة بأسعار الإيجارات، لينفق المستأجرون مزيداً من دخولهم، ما يُصعّب عليهم التوفير للدفعة المبدئية.
تقوم كارلي بيلي، عضو المجلس المحلي في جنوب دبلن، وزوجها بتأجير منزلهما، ومن المحتمل، بنسبة كبيرة، ألا يتمكنا من شراء منزل مرة أخرى. في العام 2010 تقريباً، واجه الزوجان صعوبات في سداد الرهن العقاري، وعملا مع المصرف الذي أقرضهم على بيع الديون إلى صندوق يشترى القروض المتعثرة.
بعد عدم تمكّنهم من دفع الرهن العقاري، اتفق الزوجان "بيلي" مع المصرف على بيع منزلهما شريطة ألا تتم ملاحقتهم بخصوص المتأخرات المتبقية، غير أن الصندوق فكّر بشكل مختلف، وفي النهاية تقدمت "بيلي" بطلب للإفلاس في العام 2018.
وتقول: "أفُضّل ألا يكون لدي منزل على الإطلاق، على أن يكون لدي رهن عقاري، أو منزل خاص بنا نضع فيه الكثير ثم نفقده.".
رأي الخبراء:
يُظهر تحليل بلومبرغ إيكونوميكس أن أسواق الإسكان تشير إلى تحذيرات مماثلة للعام 2008، مما يُطلق بالتالي تحذيرات من الاختلالات المالية، وتعميق عدم المساواة.
حذّر بنك التسويات الدولي في تقريره السنوي من ارتفاع أسعار المنازل بشكل حاد يفوق الأساسيات خلال الوباء، وسيؤدي ذلك إلى إضعاف القطاع في حال زيادة تكاليف الإقراض.
يبدأ البنك المركزي الأوروبي في الأخذ بتكاليف المنازل المملوكة والتي يسكنها أصحابها عند تقييم التضخم في منطقة اليورو الشاملة 19 دولة. يُشير هذا إلى أن ضغوط الأسعار آخذة في الارتفاع، في الوقت الذي تعرّض فيه أقرانهم العالميون إلى انتقادات بسبب إذكاء مخاطر الفقاعة العقارية.
شروط دون المستوى
تعتبر القدرة على تحمل التكاليف وجهاً من وجوه قطاع الإسكان في بعض الدول. ففي رومانيا، إحدى أفقر دول الكتلة الأوروبية، يعد الازدحام وعدم كفاية التدفئة مثَالين على الصعوبات التي يواجهها بعض الناس، لكن أكثر ما يثير الدهشة هو أن واحد من كل خمسة من الرومانيين لا يفتقر إلى مرحاض أو حوض استحمام أو "دوش" في المنازل، حتى بعد 14 عاماً من الانضمام إلى الكتلة. وتأتي ليتوانيا في المرتبة الثانية بنسبة تنخفض قليلً عن 9%.
اقرأ أيضا: العالم يحتاج إلى تشييد مزيد من المباني المناسبة للجميع
تنتظر ماريانا ناستاس وزوجها ماريان منذ سنوات وصول نظام الصرف الصحي إلى منزلهما في قرية "أولميني"، بالقرب من نهر الدانوب، على بعد 40 ميلاً جنوب شرق مدينة بوخارست. ورث الزوجان المنزل من والدي "ماريان" عندما وافتهم المنية العام الماضي، ومن دون هذا المنزل لما تمكّنا من تدبير أمورهم.
يتقاضى ماريان وماريانا، اللذين لديهما ولدين في سن المراهقة، نحو 800 يورو شهرياً مجتمعين، في الوقت الذي تأخر فيه الزوجان عن سداد القرض الذي حصلا عليه للقيام بإصلاحات في المنزل.
وتقول ماريانا: "ليس لدينا فرصة لحياة أفضل هنا. أنا وزوجي نعمل كل يوم، وبالكاد ندبر أمورنا من شهر إلى آخر. فكرنا في مغادرة البلاد للحصول على رواتب أفضل لكننا لم نتمكن من ترك والدينا وأطفالنا وراءنا".
الفائزون
ارتفعت أسعار المنازل في كافة أرجاء الاتحاد الأوروبي باستثناء إسبانيا، وقبرص، وإيطاليا منذ بداية العام 2010، وسجلت إستونيا زيادة مذهلة تصل إلى 130%.
فاز لوري كول، مستشار الاتصالات البالغ من العمر 35 عاماً في تالين، بلعبة العقارات. نشأ الشاب في كروشتشيوكوفا، المشروع الإسكاني منخفض التكلفة على الطراز الشيوعي، والذي يحتوي فقط على ماء بارد، ومرحاض في المطبخ، ومساحة تبلغ 30 متراً مربعاً (322.92 قدماً مربعاً) لعائلته المكونة من أربعة أفراد.
كان "لوري" مراهقاً عندما انهار الاتحاد السوفيتي في العام 1991، وفي منتصف الثلاثينيات من عمره، اشترى أول شقة مكونة من غرفة نوم واحدة في ضواحي العاصمة مقابل 42 ألف يورو (49239 دولاراً) في العام 2013.
اقرأ أيضا: فرض الضرائب على منازل الأثرياء الفارغة لن يحلّ أزمة الإسكان
منذ ذلك الحين، قام الشاب باستبدال المنازل مرتين، وحقق ربحاً يزيد عن 60% هذا الربيع قبل انتقاله إلى مكان مكون من ثلاث غرف نوم بتكلفة 176 ألف يورو في حي سكني سيتم إطلاقه لاحقاً بالقرب من وسط المدينة. مع ذلك، قرر "لوري" البقاء بمكانه في الوقت الحالي.
ويقول "لوري": "ربما يظن كل مشتري منزل أن هذه هي آخر عملية شراء يقوم بها. أنا أفكر في نفس الشئ. لكن إذا تم تطوير الحي، مثلما هو مخطط له، ليشمل مطاعم، ومنتزه، وإمكانية الوصول إلى وسائل النقل العامة، فمن الممكن تحقيق ما يكفي من المال من خلال بيع هذا المكان، والقيام بتغيير آخر في المنازل.".