دائماً ما تتردد على مسامعي عبارة النهايات أخلاق، والمقصود بها هو أننا يجب أن نتحلى بالحكمة إذا انتهت علاقاتنا بشخص ما، أي دون قول قبيح أو تجريح. ولكنني أجد في الواقع أننا لا نطبق هذه العبارة فعلياً، فمعظمنا ينطق بأحلى وأجمل الكلمات عندما يبدأ أي علاقة جديدة، وما إن تنتهي هذه العلاقة ينتهي معها كل شيء حتى الأخلاق؛ فالبعض يستخدم أسرار الطرف الآخر وكأنها سلاح ضده، ويستعرض عضلاته بالحديث عنها أمام القاصي والداني، فهناك من لا يحفظ لسانه عن طليقته، وهناك من لا تستر جارتها، والأفضع من هذا وذاك هو من يقوم بتشويه سمعة الآخرين بعد إنهائهم علاقتهم به، وينسب إليهم ما ليس فيهم.
حدثني أحدهم ذات مرة عن طليقته واصفاً إياها بأسوأ الصفات، وكان يتحدث عنها بطريقة جعلتني أتأثر بكلامه وأصدق ما قيل فيها، لكن مع مرور الوقت، اكتشفت أنه قد ظلمها فيما نسب إليها من صفات مذمومة، وعرفت بعد ذلك أن حديثه عن طليقته كان طريقة لتشويه صورتها أمام الناس، كي يبعد عنه أي لوم، ويبقى في نظر الآخرين إنساناً كاملاً خالياً من العيوب!
في الواقع اعتدنا على سماع تفاصيل أي علاقة بعد انتهائها، سواء بين صديقين أو زوجين أو حتى أختين، فكل طرف يخرج ما في جعبته من عيوب الطرف الآخر، ويتناسون سنوات العشرة وكل ما كان إيجابياً وجميلاً بينهم، فكم من أختٍ تحدثت عن أسرار أختها بعد توتر علاقتهما، وكم من زوجٍ فضح علاقته المقدسة بزوجته بعد الطلاق ليبين للناس أن الزوجة هي من أفسدت العلاقة والعكس صحيح، ناهين بذلك كل أمل في عودةٍ أو صلح، وكم من جارة بسبب خلاف بسيط أفشت سراً من أسرار جارتها باحت لها به في لحظة يأس.
أضف إلى ذلك ما يخرج عن إطار الخصوصية إلى العلن، لا أقصد العلن بين الأهل والأقرباء فقط، بل وصل بنا الحال إلى التراشق بالكلمات ونشر الفضائح في مواقع التواصل الاجتماعي، ففي ظل الحرية التي تتسم بها تلك المواقع غابت الأخلاق، فلا يمر علينا يوم إلا ونجد قصة جديدة أو فضيحة أو مشكلة قد حدثت بين زوجين من المشاهير أو بين فنانتين جمعتهما سنوات من الزمالة والصداقة، فتخرج الأولى بتصريح يستفز الأخرى، أو تهددها بفضح سر استأمنتها عليه، وتقوم الأخرى بالرد والتهديد، ويستمر مسلسل التهم بينهما، وينتقل الخلاف إلى جمهور المتابعين الذي ينقسم بين مؤيدٍ ومعارض، فتقوم كل واحدة منهما باستعطاف الجمهور لكسب أكبر عدد منهم في صفها، وكأن كل واحدة منهما كانت تجهز عتادها وتنتظر الفرصة لشن الحرب على زميلتها في المهنة.
فهل أصبح الاحترام في نهاية العلاقات ثقافة نادرة؟
لا تخلو أي علاقة من المد والجزر، فهناك لحظات سعادة ولحظات تعاسة وألم، فإما أن نصبر ونستمر، وإما أن نرحل بهدوء؛ فالعلاقات أخلاق حتى لو انتهت.
عبير مفتاح