- البحرين ودول تحالف دعم الشرعية في اليمن يقظة ومستعدة لجميع السيناريوهات

أكّد السفير الدكتور يوسف عبد الكريم بوجيري المندوب الدائم لمملكة البحرين لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظّمات الدولية الأخرى بجنيف أنّ رفض مجلس حقوق الإنسان منح المحققين المستقلين تفويضاً لعامين آخرين، يعكس مدى ما تقوم به الدبلوماسية البحرينية من جهود في سبيل توحيد رؤية المجتمع الدولي إزاء القضايا والملفات ووضعها في سياقها الطبيعي وبما يحقق مساعي مجلس حقوق الإنسان وأهدافه النبيلة.

وفي لقاء خاص مع وكالة أنباء البحرين حول معطيات ونتاجات قرار مجلس حقوق الإنسان الأخير المتمثّل بإنهاء تفويض محققيه في جرائم الحرب باليمن، شدد السفير بوجيري على أنّ مملكة البحرين قادت جهوداً مكثفة استناداً على شراكاتها الإقليمية والدولية وثقة المجتمع الأممي للتصويت على هذا القرار في المجلس المكون من 47 دولة عضو، وفي سابقة تعد الأولى في تاريخ مجلس حقوق الإنسان منذ أنشائه حيث يجابه فيها مشروع قرار من هذا النوع بالرفض.

وبخصوص ملابسات التصويت الذي تم بموجبه إنهاء تفويض محققي المجلس في جرائم الحرب باليمن أوضح سعادته أنّه و في سابقة تاريخية في مجلس حقوق الإنسان تمكنت دول مجلس التعاون في جنيف برئاسة مملكة البحرين عبر تحرك جماعي و دبلوماسي غير مسبوق و عمل محكم التنسيق في إطار التحالف العربي و بدعم من الدول الصديقة و الحليفة، من إجهاض مشروع القرار الخلافي حول أوضاع حقوق الإنسان في اليمن الذي ترعاه الدول الاوروبية تحت البند الثاني من جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان، و الذي يهدف لتجديد ولاية فريق الخبراء البارزين الدوليين و الاقليميين الذي تم تكليفه بالتحقيق في مزاعم إنتهاكات حقوق الإنسان في اليمن لمدة سنتين، و بذلك تمكنت من إنهاء ولاية ومهام فريق الخبراء بعد أربع سنوات من تاريخ إنشائه بموجب هذا القرار الخلافي، كما أنّ هذا الإنجاز كان تتويجاً لخطة عمل جماعية لبعثات دول مجلس التعاون بجنيف وتحركاتهم المدروسة خلال الدورات المتعاقبة لمجلس حقوق الإنسان برئاسة مملكة البحرين، حيث دأب أصحاب السعادة السفراء، وبمساندة حثيثة من قبل خبرائهم الدبلوماسيين، على حشد الدعم لمشروع قرارهم تحت البند العاشر و إكسابه المكانة و الشرعية المطلوبة، بالتوازي مع إضعاف مشروع القرار الأوروبي عبر نقد أسسه القانونية والسياسية و إبراز الشوائب القانونية و المنهجية التي تميزه بشكل متواصل وذلك بمناسبة مناقشته خلال جلسة اعتماده في سياق البند الثاني من جدول أعمال المجلس.

وبما يتعلّق بأهم المسوّغات القانونية والسياسية التي استند ت عليها مملكة البحرين في تحديها وتحركها الدبلوماسي لإسقاط قرار لمشروع القرار الأوروبي، أشار السفير بوجيري إلى قاعدة صلبة من المسوغات القانونية والحقائق السياسية في ذات الوقت، حيث أعادت مملكة البحرين تذكير الدول الأعضاء بالمجلس بأن مملكة البحرين ودول التحالف لدعم الشرعية في اليمن بالإضافة إلى البلد المعني بمشروع القرار، أي اليمن، كانوا جميعاً طرفاً أساسياً في إنشاء فريق الخبراء الدوليين والإقليمين البارزين حول اليمن استناداً إلى القرار التوافقي الذي صدر عن مجلس حقوق الإنسان في سبتمبر من العام 2017. إلا أن فريق الخبراء وللأسف الشديد أساء استعمال الولاية الممنوحة إليه وذلك من خلال ارتكاب العديد من التجاوزات القانونية الفاضحة، وفي مقدمتها رفضه القبول بقرار مجلس الأمن الدولي ٢٢١٦، ووصف ميليشيات الحوثي الإنقلابية بسلطة الأمر الواقع وزعيمها بقائد الثورة وهو ما يتنافى كلياً مع جميع قرارات مجلس الأمن. كما أن آلية الإسناد الواردة في جميع تقارير فريق الخبراء لا تتوافق مع أهم قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في هذا الشأن الأمر الذي يجعل جميع تقارير فريق الخبراء لا تتمتع بأي قيمة قانونية. بالإضافة إلى المحاولات المستميتة لفريق الخبراء في التأصيل القانوني لشرعنة الإنقلاب في اليمن، وما ترتب على تقارير الفريق من أثر خطير جداً في تعميق الفجوة بين مكونات المجتمع اليمني وبذل المساعي المستميتة لإعاقة عودة الحكومة اليمنية الشرعية لممارسة مهامها وذلك من خلال التشويش على الرأي العام الدولي بشآن واقع الأزمة اليمنية واعتبار أنها بدأت مع تدخل التحالف لإنقاذ الحكومة الشرعية.

وعن أبرز المرتكزات التي استندت عليها مملكة البحرين في موقفها التاريخي الحكيم الذي قاد إلى إنهاء تفويض محققي مجلس حقوق الإنسان في جرائم الحرب باليمن، أكد السفير بوجيري أنّها تتمثّل بإصرار مملكة البحرين بكل حزم أمام مجلس حقوق الإنسان، وللمرة الثانية على التوالي، على التأكيد بأنّ وجود مشروعين لقرارين منفصلين حول اليمن تحت بندين مختلفين في الطبيعة والمواضيع يعد أمراً غير طبيعي باعتبار أنه يخلق استقطاباً حاداً يتعارض مع الهدف الأنبل وهو مساعدة اليمن في الخروج من الأزمة التي يواجهها منذ انقلاب الميليشيات الحوثية على الحكومة الشرعية في العام ٢٠١٤. كما شددت مملكة البحرين في ذات الوقت على أنّ مشروع القرار الآخر ، أي القرار العربي، تحت البند العاشر والذي يهدف أساساً إلى تقديم المساعدة التقنية وبناء القدرات للجنة الوطنية اليمنية هو القرار الصائب الذي يتعين على الدول الأعضاء بمجلس حقوق الإنسان دعمه نظراً لكونه يهدف بشكل أساسي إلى دعم اللجنة الوطنية اليمنية وتعزيز قدرتها على تأدية ولايتها في تحقيق المحاسبة والعدالة وجبر الضرر بالتعاون الوثيق مع مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة نظراً لكونها الآلية الأكثر فاعلية وقدرة على رصد الانتهاكات ومعالجتها على أرض الواقع، فضلاً عن اطّلاعها الدقيق ومعرفتها الواسعة بتعقيدات المشهد السياسي اليمني الداخلي وبالتالي هي الجهة الأقدر على جمع الأدلة ورصد الانتهاكات وتحليلها بطريقة واقعية ومنهجية، وهو ما يحتاج إليه اليمن وتقبل به الحكومة الشرعية اليمنية وينسجم مع الأهداف الأساسية لإنشاء مجلس حقوق الإنسان. وبالنظر إلى كافة الحقائق المذكورة أعلاه، أعربت مملكة البحرين بشكل حاسم اتضح أمام الدول الأعضاء بالمجلس بأن إصرار مجموعة النواة الراعية لمشروع القرار الغربي بقيادة مملكة هولندا على تقديم قرارها تحت البند الثاني وتجديد ولاية فريق الخبراء لمدة عامين متتاليين يُعد إمعاناً في فرض الإرادات، وانتهاكاً خطيراً للسيادة الوطنية لليمن ، وتسيساً خطيراً لقضايا حقوق الإنسان، وإخلالاً بالأهداف النبيلة التي أُنشئ من أجلها المجلس.

وبشأن كيفية استثمار مملكة البحرين لدورها الأممي النشط لتحقيق هذا الإنجاز، نوّه السفير بوجيري إلى أنّه ومما لا شك فيه بأنّ فوز مملكة البحرين بعضوية مجلس حقوق الإنسان للفترة من ٢٠١٩ ولغاية ٢٠٢١، خلق لها دوراً مهماً وفاعلاً على مستوى الدبلوماسية متعددة الأطراف بجنيف والذي يشكّل مجلس حقوق الإنسان إحدى آلياتها البارزة على الصعيد الدولي. كما أنّ وجود فريق دبلوماسي شاب متميز في مجال العمل الدبلوماسي والقانوني والخبرة الواسعة في مجال عمل المنظمات الدولية تعد جميعها عوامل أساسية أدت إلى أن يكون للدبلوماسية البحرينية بجنيف دور نشط ومؤثر لا سيما على صعيد الاستفادة من العلاقات المتميزة التي خلقتها مع المجموعات السياسية والإقليمية الفاعلة المتنوعة في إطار مجلس حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي مكّن مملكة البحرين من لعب دور حيوي، بالتعاون مع شركائها في البعثات المنضوية في إطار تحالف دعم الشرعية في اليمن، على خلق جبهة واسعة تضم الصين وروسيا والعديد من الدول الافريقية والآسيوية عملت بشكل جماعي موحد على إسقاط مشروع القرار الغربي وتحقيق هذا الإنجاز غير المسبوق في تاريخ مجلس حقوق الإنسان.

وبخصوص تبعات هذا القرار التاريخي على استراتيجيات مجلس حقوق الإنسان في التعاطي مع الأزمة في اليمن بعد هذا القرار التاريخي، أكّد السفير أنّ المعلومات الأولية المتوفرة لدى البعثة من خلال بعض القنوات الدبلوماسية الغربية تشير إلى أنّ الصدمة غير المسبوقة والمتوقعة التي تعرضت لها المجموعة الغربية في المجلس أدت إلى طرح مقاربات متنوعة ضمن المجموعة الغربية لكيفية التعاطي مع هذا الواقع يمكن تلخيصها باتجاهين يمثل الأول الجناح المتشدد في المعسكر الغربي، وهو يرى بضرورة طرح مشروع قرار جديد خلال دورة مارس من العام القادم بصيغة وعنوان مختلفين، ولكن مع الاحتفاظ في مضمونه بذات الآلية المتبعة في القرار المسقط باعتبار أن الهدف الأساسي من هذا القرار ليس تحقيق تقدم في واقع حقوق الإنسان في اليمن، وإنّما تكريس أجندة سياسية ضد دول التحالف في إطار مجلس حقوق الإنسان يمكن استثمارها لاحقاً في إطار مجلس الأمن، فيما يمثل الاتجاه الثاني الصوت المعتدل في المجموعة الغربية، والذي ينادي بضرورة تحكيم العقل وأخذ العبرة مما حصل في المجلس وبالتالي العمل مع المجموعة العربية على محاولة توحيد الجهود للوصول لقرار واحد مشترك يصب ّفي صالح اليمن.

وفي هذا الشأن أضاف السفير بوجيري أنّ الواقعية السياسية والتغير المستمر في توازنات تركيبة المجلس يفرض على مملكة البحرين والدول المنضوية في إطار تحالف دعم الشرعية في اليمن البقاء على اليقظة التامة والاستعداد لجميع السيناريوهات المحتملة، ولا أدل على ذلك ممّا حصل مع أفغانستان من حيث إصرار المجموعة الغربية على تكرار السيناريو اليمني من حيث وجود قرارين منفصلين يخصان دولة واحدة تحت بندين مختلفين من حيث الطبيعة والموضوع.

وبما يتعلّق باستراتيجية مملكة البحرين الدبلوماسية في عملها مع مكتب المفوضة السامية للتعاطي مع حالة حقوق الإنسان في اليمن بشكل منصف، أكّد السفير الدكتور يوسف عبد الكريم بوجيري المندوب الدائم لمملكة البحرين لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظّمات الدولية الأخرى بجنيف، أنّ المملكة ستعمل في الفترة القادمة على تكثيف جهودها الدبلوماسية بالتعاون مع شركائها الدوليين على تشجيع مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان بوضع مسألة تقديم المساعدة التقنية وبناء القدرات للجنة الوطنية اليمنية وتعزيز قدراتها على أداء ولايتها في تحقيق العدالة والمحاسبة وجبر الضرر ضمن أهم أولوياتها لا سيما وإنها أضحت الآلية الوحيدة المتاحة والأكثر قدرة من الناحية الواقعية على تحسين أوضاع حقوق الإنسان على أرض الواقع. كما ستشدد مملكة البحرين في حواراتها الثنائية مع مكتب المفوضية السامية على أهمية التزام مكتب المفوضية بإيلاء اهتمام أكبر لآلية التعاون التقني وبناء القدرات مع الدول وفقاً لإرادتها الحرّة وبما يلبي احتياجاتها الخاصة في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان بما في ذلك الحق في التنمية، وكذلك إيلاء رعاية خاصة على اختيار الشخصيات الأممية المشهود لها بالنزاهة والمهنية والابتعاد عن التسيس، أو الخضوع لأجندات دولية أو إقليمية معينة باعتبار أنّ من شأن ذلك أن يؤدي إلى انعدام الثقة بالآليات الأممية وإضعاف دور مجلس حقوق الإنسان مستقبلاً.