إرم نيوز
عاش أطفال رياض ومدارس البشائر الأهلية بالعاصمة اليمنية المؤقتة عدن، الأحد الماضي، لحظات رعب صادمة، عقب انفجار سيارة مفخخة بالقرب من المدرسة، في محاولة لاستهداف موكب محافظ عدن ووزير الزراعة والثروة السمكية، ما تسبب بحالة فزع وهلع بين أوساط الطلاب، نتيجة صوت الانفجار الشديد، وسط جهود حثيثة من الطاقم التدريسي لتهدئة الأطفال وتطمينهم.
لم تكن الصدمة النفسية التي تعرض لها الطلاب، وهم آمنون في فصولهم الدراسية، سوى مشهد واحد من مشاهد الصدمات المتعددة التي يتعرض لها الأطفال اليمنيون في بلدهم الذي يشهد حربًا مستمرة منذ 7 سنوات، واضطرابات أمنية وأزمات متتالية لا تكاد تنتهي، تسرق رصيد طفولتهم المفترضة التي لا يعرف الكثير منهم عنها، سوى أنها خالية من الأمان.
وتصنف المنظمات الأممية اليمن كواحد من أكثر الأماكن خطورة في العالم التي يمكن أن ينشأ فيها الأطفال، نظرا لأوجه المعاناة المختلفة بين القتل والجوع وارتفاع معدلات الأمراض المعدية، ومحدودية فرص الحصول على الخدمات الصحية وقصور أنظمة الصرف الصحي والإصلاح البيئي، إذ أصبح أكثر من 11 مليون طفلًا يمنيًا بحاجة إلى مساعدة إنسانية، بينهم 1.58 مليون طفل نازح.
الزبيدي: سنبذل ما في وسعنا بالتعاون مع حكومة المناصفة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية
خلال مداخلة بمجلس الأمن.. المبعوث الأممي لليمن يجدد التأكيد على المفاوضات كحل للأزمة
قال والد الطفل نوار ذي الثمانية أعوام، إن المواجهات المسلحة العنيفة التي شهدتها مدينة كريتر بالعاصمة اليمنية المؤقتة عدن، مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بين القوات الأمنية والمسلحين وسط أحياء المدينة، تسببت بصدمة نفسية لطفله، بدأت أعراضها بالظهور بعد أكثر من أسبوع على المواجهات، وتأتيه على شكل نوبات فزع تتسارع فيها نبضات قلبه بشكل غير مسبوق، بالتزامن مع الشعور بالغثيان والتقيؤ أحيانًا.
وأضاف والد الطفل لـ"إرم نيوز"، أنه ”أجرى الفحوصات الطبية اللازمة لطفله، دون ظهور أي تفسير لهذه الأعراض، قبل أن يشير عليه أحد أقربائه باحتمال إصابة طفله بصدمة نفسية جراء ما شهدته حارته من مواجهات عنيفة استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة، وهو ما رجحته اختصاصية أطفال مؤخرًا، وطالبت بمزيد من الاهتمام للطفل ومتابعة حالته عند اختصاصي صحة نفسية".
الأعراض النفسية
وذكرت منظمة يونيسف، في تقريرها الخاص بشهر مارس/آذار الماضي، الذي حصلت ”إرم نيوز" على نسخة منه، أنها قدمت خدمات الدعم النفسي والاجتماعي لقرابة 20 ألف طفل، (39% منهم إناث)، في سبع محافظات يمنية، خلال شهر واحد فقط، وهو ما يشير إلى حجم الأطفال اليمنيين المحتاجين للدعم النفسي جراء الاضطرابات المتعددة نتيجة استمرار الحرب وتبعاتها.
وبحسب دراسة إحدى المنظمات المحلية التي نشرت قبل عامين من الآن، فإن أبرز الأعراض النفسية التي يعاني منها الأطفال اليمنيون، هي اضطرابات القلق الشديد، كرب ما بعد الصدمة، اضطرابات النوم واليقظة، الهلع واضطرابات شخصية.
وتعد اضطرابات النوم هي المنتشرة بشكل أكبر، إذ تبلغ نسبة الأطفال المصابين بها من بين العينات التي شملتها الدراسات 47%، تأتي بعدها نسبة المصابين بمشاكل في التركيز ثم المصابين بنوبات الهلع، فيما اعتبرت الدراسات مشاكل التلعثم في الكلام وسلس التبول أقل النسب إصابة بين الأطفال.
في هذا الصدد، رأى استشاري الطب النفسي، الدكتور منصور الشرجي، أن مستوى مقدرة البالغين في التوازن مع الصدمات ومع التغيير ومع الفقد، دائمًا يكون عاليا، حيث يستطيع الإنسان العاقل الناضج أن يتعامل معها بمقدرات دفاعية كثيرة، قد يكون منها الثقافة والدين والتجربة، تساعده في فهم حدة الأزمة الحالية وتمنحه الحلم في تجاوزها وتساعده على التفكير في معطيات أخرى للمستقبل الإيجابي، وهذا يختلف عند الأطفال.
وقال الشرجي لـ"إرم نيوز" إن ”الأطفال يعيشون الواقع بمحدوديته، ولا يستطيعون تجاوزه، لعدم وجود المقومات العقلية والفكرية التي تسمح لهم بإيجاد خطوات دفاعية، إذ لا يستطيعون التفكير في الحلول الثقافية والفكرية، كما تنعدم لديهم التجربة والدوافع الدينية التي يمكن لها أن تخرجهم من أزمة الواقع الذي يتحطم أمامهم".
السند الاجتماعي
وأكد الشرجي أن ”الواقع الذي يتحطم أمام الأطفال، له آثاره المختلفة نتيجة لتعدد أنواع الدمار الذي يحدث، الذي قد يكون في مستواه الأول فقدان الأقارب والأحباب والأصدقاء بشكل فجائي، خاصة إن كان أمام الأطفال سواء بالقتل أو نتيجة للتعرض للقصف أو تعرض المنازل للهدم، وهو ما ترتبط فيه صورة الموت بالوحشية والبشاعة، وهذا من أسوأ الأنواع، كونه غير مرتبط بعوامل عادية، يستحضر فيها الإنسان إمكانياته لترتيب نفسه، لذا يصبح الفقد له أبعاده النفسية العميقة".
وأضاف أن ”المستوى الثاني مرتبط بفقدان الموارد التي قد يكون منها المنزل أو المدرسة أو مناطق اللعب واللهو التي لا يجد الطفل لها تعويضًا أو بديلًا، ومن الصعب أن يتأقلم مع واقعه الجديد، وأن المستوى الثالث يتمثل في فقدان الطفل لبرنامجه اليومي أو حياته اليومية، مثلًا أن تنتقل الأسرة أو المدرسة إلى مواقع سكن مؤقتة أو مخيمات النزوح، وإن هذه في حد ذاتها تحتاج إلى مقدرات عقلية وعاطفية كبيرة تساعد الإنسان على التأقلم مع هذا التغيير".
وأفاد الشرجي بأن ”الحروب ترتبط بعامل أكثر قسوة، وهو عامل الترقب والانتظار وافتقاد الأمان، وهذه تحتاج إلى مستويات من الترتيب العقلي تساعد الإنسان على تعلم إشارات الخطر كي يتمكن من العيش في أمان نسبي"، مشيرا إلى أن ”الأطفال شريحة غير مرتبة فكريًا لدرجة تمكنهم من رسم شبكة متكاملة من الانتظار والتوقع، ولذا تكون دومًا عمليات العنف بالنسبة لهم، عمليات فجائية يكون تأثيرها أكثر قسوة وعنفًا عليهم، وبين حالات العنف المتقطعة تكون بالنسبة لهم حالات الانتظار والترقب المرتبطة بعدم إحساسهم بالأمان والراحة النفسية".
وشدد استشاري الطب النفسي، على أن ”ضعف السند الاجتماعي والعاطفي المصاحب لعدم التطور العقلي والعاطفي المتوازن، يجعل الأطفال أكثر عرضة للتأثيرات السالبة من الحروب، ويضاعف من حاجتهم إلى المعالج النفسي الآتي من ذات البيئة، والذي يستطيع فهم نفسيات الأطفال والتعامل معهم بمستوى وعيهم وتطورهم الاجتماعي، في حين يغيب الاهتمام من الدولة والقوى المتحاربة والمنظمات العالمية، التي قد تهتم بتوفير الغذاء والسكن والمأوى، لكنها لا تهتم كثيرًا بالأثر النفسي الذي يقع على الأطفال، وكل ذلك يزيد من حدة هذه الأزمات لدى الأطفال".
غياب الرعاية
تغيب الرعاية الصحية النفسية في اليمن بالوقت الحالي، إذ أدت الاضطرابات التي شهدها البلد منذ 2011 وما تلاها، إلى توقف استراتيجية وزارة الصحة العامة والسكان، التي كانت مخصصة للصحة النفسية، وهو ما جعل مراكز الدعم النفسي محدودة جدا، ويقتصر عملها على المنظمات والمؤسسات المحلية والدولية في المدن الرئيسية، بشكل خجول.
وقالت منظمة الصحة العالمية، في تغريدة على تويتر، نشرتها الأحد الماضي، إنه ”تزامنًا مع اليوم العالمي للصحة النفسية، فإن 8 ملايين يمني يحتاجون إلى خدمات الصحة النفسية"، بينما يشير تقرير آخر للمنظمة صادر في 2016، إلى أن اليمن لديه 40 مختصًا للأمراض النفسية فقط.
في هذا الإطار، اشار رئيس منظمة ”سياج" لحماية الطفولة، أحمد القرشي، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى ”عدم وجود أي اهتمام حقيقي بالدعم النفسي للأطفال من قبل الجهات الدولية والحكومية، لا على مستوى رصدها ولا على مستوى تقديم الخدمات للضحايا".
ولفت القرشي إلى أن ”هذه الشريحة المتضررة نفسيًا من الحرب وتبعاتها، تواجه إهمالًا ولا تجد رعاية أو إعادة تأهيل أو إدماج بشكل حقيقي وفعال، وأن هذا الإهمال سينعكس بشكل سلبي على حاضر الأطفال المتضررين ومستقبلهم".
ووفق دراسة للباحث اليمني، الدكتور عبدالكريم غانم، نُشرت أواخر يونيو/ حزيران الماضي، فإن الأطفال المصابين ”باضطرابات كرب ما بعد صدمة الحرب من بيئات اجتماعية هشة، تعجز عن حمايتهم واستعادة استقرارهم المعيشي، مرشحون أكثر من غيرهم لتطوير اضطرابات كرب ما بعد الصدمة إلى اضطرابات نفسية دائمة".
وتذكر الدراسة أن ”الانهيار الاقتصادي وارتفاع أسعار السلع الغذائية، أضاف عبئاً ثقيلًا على ضغوط الحياة اليومية وأسهم في تزايد العنف والتفكك الأسري وأدى إلى خلق المزيد من الصدمات النفسية لدى الأطفال اليافعين، الأكثر تأثرًا بالأزمات المعيشية".
ويعتقد أستاذ علم الاجتماع بجامعة عدن، الدكتور فضل الربيعي، أن ”فاتورة الحرب التي يدفعها الأطفال كبيرة جدًا، إذ يبقى أثرها يلازمهم سنوات أخرى بعد توقفها، ويكون هذا التأثير عالقًا في دواخلهم وأذهانهم بشكل يؤثر على بناء شخصياتهم في المستقبل".
وقال الربيعي لـ"إرم نيوز"، إن ”ما يتعرض له الأطفال في اليمن، ليس متعلقًا بالفجيعة والموت أو فقدان الأهل أو الجوع وحسب، بل إن الحرب أدت إلى إغلاق الكثير من المدارس وحولتها إلى ثكنات عسكرية، وتعطلت العملية التعليمية نتيجة ظروف متعددة، في حين ترك بعض الأطفال مقاعد الدراسة بسبب اليأس الذي أفرزته الحرب وحالة الفقر والجوع التي يعاني منها المجتمع، كما اتجه جزء كبير منهم إلى العمل لمساعدة الأهالي، فيما لجأ آخرون للانخراط في الفرق والميليشيات العسكرية المتصارعة، وهذا ما سيتسبب في خلق أجيال متأخرة على مستوى التحصيل العلمي".
وأشار الربيعي إلى أن ”حمل الأطفال للسلاح وانخراطهم في القتال، يعرضهم للكثير من الانتهاكات والجرائم والصدمات وستكون آثار ذلك كبيرة جدًا في نفسياتهم مستقبلًا، ويخلق لديهم عدوانية قد لا يحتملها المجتمع".
عاش أطفال رياض ومدارس البشائر الأهلية بالعاصمة اليمنية المؤقتة عدن، الأحد الماضي، لحظات رعب صادمة، عقب انفجار سيارة مفخخة بالقرب من المدرسة، في محاولة لاستهداف موكب محافظ عدن ووزير الزراعة والثروة السمكية، ما تسبب بحالة فزع وهلع بين أوساط الطلاب، نتيجة صوت الانفجار الشديد، وسط جهود حثيثة من الطاقم التدريسي لتهدئة الأطفال وتطمينهم.
لم تكن الصدمة النفسية التي تعرض لها الطلاب، وهم آمنون في فصولهم الدراسية، سوى مشهد واحد من مشاهد الصدمات المتعددة التي يتعرض لها الأطفال اليمنيون في بلدهم الذي يشهد حربًا مستمرة منذ 7 سنوات، واضطرابات أمنية وأزمات متتالية لا تكاد تنتهي، تسرق رصيد طفولتهم المفترضة التي لا يعرف الكثير منهم عنها، سوى أنها خالية من الأمان.
وتصنف المنظمات الأممية اليمن كواحد من أكثر الأماكن خطورة في العالم التي يمكن أن ينشأ فيها الأطفال، نظرا لأوجه المعاناة المختلفة بين القتل والجوع وارتفاع معدلات الأمراض المعدية، ومحدودية فرص الحصول على الخدمات الصحية وقصور أنظمة الصرف الصحي والإصلاح البيئي، إذ أصبح أكثر من 11 مليون طفلًا يمنيًا بحاجة إلى مساعدة إنسانية، بينهم 1.58 مليون طفل نازح.
الزبيدي: سنبذل ما في وسعنا بالتعاون مع حكومة المناصفة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية
خلال مداخلة بمجلس الأمن.. المبعوث الأممي لليمن يجدد التأكيد على المفاوضات كحل للأزمة
قال والد الطفل نوار ذي الثمانية أعوام، إن المواجهات المسلحة العنيفة التي شهدتها مدينة كريتر بالعاصمة اليمنية المؤقتة عدن، مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بين القوات الأمنية والمسلحين وسط أحياء المدينة، تسببت بصدمة نفسية لطفله، بدأت أعراضها بالظهور بعد أكثر من أسبوع على المواجهات، وتأتيه على شكل نوبات فزع تتسارع فيها نبضات قلبه بشكل غير مسبوق، بالتزامن مع الشعور بالغثيان والتقيؤ أحيانًا.
وأضاف والد الطفل لـ"إرم نيوز"، أنه ”أجرى الفحوصات الطبية اللازمة لطفله، دون ظهور أي تفسير لهذه الأعراض، قبل أن يشير عليه أحد أقربائه باحتمال إصابة طفله بصدمة نفسية جراء ما شهدته حارته من مواجهات عنيفة استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة، وهو ما رجحته اختصاصية أطفال مؤخرًا، وطالبت بمزيد من الاهتمام للطفل ومتابعة حالته عند اختصاصي صحة نفسية".
الأعراض النفسية
وذكرت منظمة يونيسف، في تقريرها الخاص بشهر مارس/آذار الماضي، الذي حصلت ”إرم نيوز" على نسخة منه، أنها قدمت خدمات الدعم النفسي والاجتماعي لقرابة 20 ألف طفل، (39% منهم إناث)، في سبع محافظات يمنية، خلال شهر واحد فقط، وهو ما يشير إلى حجم الأطفال اليمنيين المحتاجين للدعم النفسي جراء الاضطرابات المتعددة نتيجة استمرار الحرب وتبعاتها.
وبحسب دراسة إحدى المنظمات المحلية التي نشرت قبل عامين من الآن، فإن أبرز الأعراض النفسية التي يعاني منها الأطفال اليمنيون، هي اضطرابات القلق الشديد، كرب ما بعد الصدمة، اضطرابات النوم واليقظة، الهلع واضطرابات شخصية.
وتعد اضطرابات النوم هي المنتشرة بشكل أكبر، إذ تبلغ نسبة الأطفال المصابين بها من بين العينات التي شملتها الدراسات 47%، تأتي بعدها نسبة المصابين بمشاكل في التركيز ثم المصابين بنوبات الهلع، فيما اعتبرت الدراسات مشاكل التلعثم في الكلام وسلس التبول أقل النسب إصابة بين الأطفال.
في هذا الصدد، رأى استشاري الطب النفسي، الدكتور منصور الشرجي، أن مستوى مقدرة البالغين في التوازن مع الصدمات ومع التغيير ومع الفقد، دائمًا يكون عاليا، حيث يستطيع الإنسان العاقل الناضج أن يتعامل معها بمقدرات دفاعية كثيرة، قد يكون منها الثقافة والدين والتجربة، تساعده في فهم حدة الأزمة الحالية وتمنحه الحلم في تجاوزها وتساعده على التفكير في معطيات أخرى للمستقبل الإيجابي، وهذا يختلف عند الأطفال.
وقال الشرجي لـ"إرم نيوز" إن ”الأطفال يعيشون الواقع بمحدوديته، ولا يستطيعون تجاوزه، لعدم وجود المقومات العقلية والفكرية التي تسمح لهم بإيجاد خطوات دفاعية، إذ لا يستطيعون التفكير في الحلول الثقافية والفكرية، كما تنعدم لديهم التجربة والدوافع الدينية التي يمكن لها أن تخرجهم من أزمة الواقع الذي يتحطم أمامهم".
السند الاجتماعي
وأكد الشرجي أن ”الواقع الذي يتحطم أمام الأطفال، له آثاره المختلفة نتيجة لتعدد أنواع الدمار الذي يحدث، الذي قد يكون في مستواه الأول فقدان الأقارب والأحباب والأصدقاء بشكل فجائي، خاصة إن كان أمام الأطفال سواء بالقتل أو نتيجة للتعرض للقصف أو تعرض المنازل للهدم، وهو ما ترتبط فيه صورة الموت بالوحشية والبشاعة، وهذا من أسوأ الأنواع، كونه غير مرتبط بعوامل عادية، يستحضر فيها الإنسان إمكانياته لترتيب نفسه، لذا يصبح الفقد له أبعاده النفسية العميقة".
وأضاف أن ”المستوى الثاني مرتبط بفقدان الموارد التي قد يكون منها المنزل أو المدرسة أو مناطق اللعب واللهو التي لا يجد الطفل لها تعويضًا أو بديلًا، ومن الصعب أن يتأقلم مع واقعه الجديد، وأن المستوى الثالث يتمثل في فقدان الطفل لبرنامجه اليومي أو حياته اليومية، مثلًا أن تنتقل الأسرة أو المدرسة إلى مواقع سكن مؤقتة أو مخيمات النزوح، وإن هذه في حد ذاتها تحتاج إلى مقدرات عقلية وعاطفية كبيرة تساعد الإنسان على التأقلم مع هذا التغيير".
وأفاد الشرجي بأن ”الحروب ترتبط بعامل أكثر قسوة، وهو عامل الترقب والانتظار وافتقاد الأمان، وهذه تحتاج إلى مستويات من الترتيب العقلي تساعد الإنسان على تعلم إشارات الخطر كي يتمكن من العيش في أمان نسبي"، مشيرا إلى أن ”الأطفال شريحة غير مرتبة فكريًا لدرجة تمكنهم من رسم شبكة متكاملة من الانتظار والتوقع، ولذا تكون دومًا عمليات العنف بالنسبة لهم، عمليات فجائية يكون تأثيرها أكثر قسوة وعنفًا عليهم، وبين حالات العنف المتقطعة تكون بالنسبة لهم حالات الانتظار والترقب المرتبطة بعدم إحساسهم بالأمان والراحة النفسية".
وشدد استشاري الطب النفسي، على أن ”ضعف السند الاجتماعي والعاطفي المصاحب لعدم التطور العقلي والعاطفي المتوازن، يجعل الأطفال أكثر عرضة للتأثيرات السالبة من الحروب، ويضاعف من حاجتهم إلى المعالج النفسي الآتي من ذات البيئة، والذي يستطيع فهم نفسيات الأطفال والتعامل معهم بمستوى وعيهم وتطورهم الاجتماعي، في حين يغيب الاهتمام من الدولة والقوى المتحاربة والمنظمات العالمية، التي قد تهتم بتوفير الغذاء والسكن والمأوى، لكنها لا تهتم كثيرًا بالأثر النفسي الذي يقع على الأطفال، وكل ذلك يزيد من حدة هذه الأزمات لدى الأطفال".
غياب الرعاية
تغيب الرعاية الصحية النفسية في اليمن بالوقت الحالي، إذ أدت الاضطرابات التي شهدها البلد منذ 2011 وما تلاها، إلى توقف استراتيجية وزارة الصحة العامة والسكان، التي كانت مخصصة للصحة النفسية، وهو ما جعل مراكز الدعم النفسي محدودة جدا، ويقتصر عملها على المنظمات والمؤسسات المحلية والدولية في المدن الرئيسية، بشكل خجول.
وقالت منظمة الصحة العالمية، في تغريدة على تويتر، نشرتها الأحد الماضي، إنه ”تزامنًا مع اليوم العالمي للصحة النفسية، فإن 8 ملايين يمني يحتاجون إلى خدمات الصحة النفسية"، بينما يشير تقرير آخر للمنظمة صادر في 2016، إلى أن اليمن لديه 40 مختصًا للأمراض النفسية فقط.
في هذا الإطار، اشار رئيس منظمة ”سياج" لحماية الطفولة، أحمد القرشي، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى ”عدم وجود أي اهتمام حقيقي بالدعم النفسي للأطفال من قبل الجهات الدولية والحكومية، لا على مستوى رصدها ولا على مستوى تقديم الخدمات للضحايا".
ولفت القرشي إلى أن ”هذه الشريحة المتضررة نفسيًا من الحرب وتبعاتها، تواجه إهمالًا ولا تجد رعاية أو إعادة تأهيل أو إدماج بشكل حقيقي وفعال، وأن هذا الإهمال سينعكس بشكل سلبي على حاضر الأطفال المتضررين ومستقبلهم".
ووفق دراسة للباحث اليمني، الدكتور عبدالكريم غانم، نُشرت أواخر يونيو/ حزيران الماضي، فإن الأطفال المصابين ”باضطرابات كرب ما بعد صدمة الحرب من بيئات اجتماعية هشة، تعجز عن حمايتهم واستعادة استقرارهم المعيشي، مرشحون أكثر من غيرهم لتطوير اضطرابات كرب ما بعد الصدمة إلى اضطرابات نفسية دائمة".
وتذكر الدراسة أن ”الانهيار الاقتصادي وارتفاع أسعار السلع الغذائية، أضاف عبئاً ثقيلًا على ضغوط الحياة اليومية وأسهم في تزايد العنف والتفكك الأسري وأدى إلى خلق المزيد من الصدمات النفسية لدى الأطفال اليافعين، الأكثر تأثرًا بالأزمات المعيشية".
ويعتقد أستاذ علم الاجتماع بجامعة عدن، الدكتور فضل الربيعي، أن ”فاتورة الحرب التي يدفعها الأطفال كبيرة جدًا، إذ يبقى أثرها يلازمهم سنوات أخرى بعد توقفها، ويكون هذا التأثير عالقًا في دواخلهم وأذهانهم بشكل يؤثر على بناء شخصياتهم في المستقبل".
وقال الربيعي لـ"إرم نيوز"، إن ”ما يتعرض له الأطفال في اليمن، ليس متعلقًا بالفجيعة والموت أو فقدان الأهل أو الجوع وحسب، بل إن الحرب أدت إلى إغلاق الكثير من المدارس وحولتها إلى ثكنات عسكرية، وتعطلت العملية التعليمية نتيجة ظروف متعددة، في حين ترك بعض الأطفال مقاعد الدراسة بسبب اليأس الذي أفرزته الحرب وحالة الفقر والجوع التي يعاني منها المجتمع، كما اتجه جزء كبير منهم إلى العمل لمساعدة الأهالي، فيما لجأ آخرون للانخراط في الفرق والميليشيات العسكرية المتصارعة، وهذا ما سيتسبب في خلق أجيال متأخرة على مستوى التحصيل العلمي".
وأشار الربيعي إلى أن ”حمل الأطفال للسلاح وانخراطهم في القتال، يعرضهم للكثير من الانتهاكات والجرائم والصدمات وستكون آثار ذلك كبيرة جدًا في نفسياتهم مستقبلًا، ويخلق لديهم عدوانية قد لا يحتملها المجتمع".
4444
02188
4567
1-166