أ ف ب
في عمق صحراء الغرب العراقي، تقبع قرية السحل المنقطعة عن العالم، منذ أكثر من قرن، بدون كهرباء ولا ماء ولا مستوصف، ويعيش سكانها الذين لا يتجاوزون 200 عائلة حياة بدائية، تعتمد على الزراعة والرعي، ولم يسبق أن رأوا من العالم سوى قاعدة عسكرية.
أقرب مستشفى يبعد نصف ساعة عن القرية الواقعة في زاوية من العراق الغني بالنفط، وليس في هذه البقعة القاحلة المحاطة بتلال صخرية على أطراف وادي حوران في محافظة الأنبار، سوى مدرسة ابتدائية، وليس فيها حلّاق حتى.
العراق، هو ثاني مصدّر للنفط في منظمة أوبك، ويدّر عليه 90% من عائداته، لكن الفساد والأزمات أهلكت بناه التحتية وخدمات الطاقة فيه، وبات ثلث سكانه الأربعين مليونًا عند خط الفقر.
يتسلل ماضٍ بعيد إلى الأذهان، عند المرور بالطريق المتعرج والوعر، المؤدي إلى القرية: منازل متفرقة بسيطة بأبواب حديدية، فيما اختفت الشبابيك عن أغلب جدرانها، ومشهد أطلال حجارة غيّر الزمن لونها. بين الفينة والأخرى، تظهر سيارة قديمة وآليات زراعية، أكل عليها الدهر وشرب.
وللتواصل مع العالم الخارجي، يكتفي سكانها بهواتف جوالة قديمة، لأن شبكة الإنترنت والهواتف الذكية، لم تجد طريقها بين غبار الصحراء إليهم بعد.
يروي أبو مجيد، وهو أبرز وجهاء القرية ويبلغ من العمر 70 عامًا، فيما ارتدى زيًا عربيًا، وغطى رأسه بكوفية باللونين الأبيض والأحمر ”قريتنا عمرها أكثر من 100 سنة، وطوال هذه السنين، وهي بدون كهرباء ولا ماء ولا مركز صحي".
ويضيف لفرانس برس، وهو يشير بيده إلى الحقول القاحلة من حوله ”نعيش حياة بدائية بسيطة".
للتزود بالماء، يستخدم الأهالي مضخة ديزل لسحبها من بئر في باطن الأرض، ويجمعونها بعد ذلك في بركة محاطة بحجر مغطى بالأسمنت. تشرب منها أغنامهم ويحملون بعضًا منها إلى منازلهم.
يضيف أبو مجيد ”في الزراعة، نعتمد على مياه الأمطار".
بين منازل القرية التي تبعد أكثر من 250 كلم عن العاصمة بغداد، حظائر صغيرة لجمع الأغنام، محاطة بأسوار معدنية، فيما يندر أن يتجول سكانها في الخارج.
ولم يذهب أبو مجيد سوى مرة واحدة في حياته إلى بغداد، قبل نحو 20 عامًا.
ما زالت العادات والتقاليد المحافظة، حاضرة بشدة في هذه البقعة من صحراء العراق، إذ تحدثت أم مجيد مع الزوار الرجال من خلف باب منزلها، لتشكو النقص في الخدمات الطبية والكهرباء.
فالقرية غير متصلة بشبكة الكهرباء، التي يعدها سكانها شكلًا من الرفاهية، رغم أن العراقيين عمومًا في أرجاء أخرى من البلاد، يعانون من انقطاعها لساعات طويلة يوميًا.
ويعتمد السكان على مولدات كهرباء بسيطة وقديمة للإنارة، وتشغيل التلفزيون لساعات قليلة فقط.
وتروي أم مجيد ”أبناؤنا محرومون من الرعاية الصحية ومن التلفزيون إلا لساعة أو اثنتين من فترة لأخرى".
على بعد عشرات الكيلومترات عن القرية، تقع قاعدة ”عين الأسد"، أهم المقرات العسكرية العراقية التي تضم قوات أمريكية في العراق، وتتعرض لهجمات صاروخية من حين لآخر.
ليس هناك أي تواصل بين القوات المتواجدة في القاعدة وأهالي القرية، حسبما ذكر أبو مجيد الذي ولد في قرية قديمة، باتت اليوم جزءًا من القاعدة.
يروي من جهته راعي الأغنام، الشاب مهدي أنه في ”إحدى المرات، قتلت اثنتان من أغنامي برصاص، عندما كنت في مرعى مجاور للقاعدة، تزامنًا مع تدريب في ميدان رماية".
ويضيف بحسرة ”لا نعرف غير الرعي والزراعة لكسب العيش"، فيما يعمل آخرون في استخراج الصخور المستخدمة في البناء.
ليساعد مهدي البالغ من العمر 17 عامًا، أهله في رعاية مواشيهم، ترك دراسته في المدرسة الابتدائية الوحيدة في القرية، وتضم ستة صفوف، تكاد لا تكفي لاستقبال أطفال قرية السحل.
ويروي فيما لفّ رأسه بكوفية باللونين الأسود والبني، وارتدي ملابس سميكة، رغم تخطي حرارة الجو الأربعين درجة مئوية ”ليس عندنا غير مدرسة ابتدائية، لا شيء غيرها".
ويؤكد قطري كهلان العبيدي، أحد المسؤولين المحليين في ناحية البغدادي التي تتبع لها قرية السحل، أن ”القرية تعاني من نقص في الخدمات".
وتحدث العبيدي في الوقت نفسه، عن وجود مشاريع من المزمع القيام بها، لتأمين كهرباء وبناء محطة تصفية مياه للقرية.
ودعا في الوقت ذاته، المنظمات الحكومية والإنسانية، لتقديم الدعم من أجل بناء مركز صحي لأهالي قرية السحل.
ويمثل غياب الخدمات الصحية، معاناة إضافية للأهالي. ويقول أبو مجيد بهذا الخصوص: ”إذا مرض أحد (هنا) يموت، لأن نقله (إلى أقرب مستشفى) خصوصًا خلال الليل، ليس سهلًا".
وتحدث عن ”وفاة رجل بمنتصف العمر في الثاني من آب/ أغسطس الماضي، بسبب تعرضه لأزمة صحية، وهو في الطريق إلى مستشفى ناحية البغدادي". ويزيد غياب أي طريق معبد يصل القرية بما حولها الأمر صعوبة.
وتُضطر العائلات لنقل الحوامل قبيل موعد الولادة إلى مستشفى في البغدادي لتأمين رعايتهن قبل أن يضعن.
غير أن وباء ”كوفيد-19" الذي يشكل تهديدًا لكثير من دول العالم، لم يعرف طريقه إلى هذه القرية الغارقة تحت وعورة التضاريس وقساوة المناخ، حسبما أكد أبو مجيد، قائلًا ”لم تصل كورونا لقريتنا، ولم يتلق أي فرد من قريتنا اللقاح".
في عمق صحراء الغرب العراقي، تقبع قرية السحل المنقطعة عن العالم، منذ أكثر من قرن، بدون كهرباء ولا ماء ولا مستوصف، ويعيش سكانها الذين لا يتجاوزون 200 عائلة حياة بدائية، تعتمد على الزراعة والرعي، ولم يسبق أن رأوا من العالم سوى قاعدة عسكرية.
أقرب مستشفى يبعد نصف ساعة عن القرية الواقعة في زاوية من العراق الغني بالنفط، وليس في هذه البقعة القاحلة المحاطة بتلال صخرية على أطراف وادي حوران في محافظة الأنبار، سوى مدرسة ابتدائية، وليس فيها حلّاق حتى.
العراق، هو ثاني مصدّر للنفط في منظمة أوبك، ويدّر عليه 90% من عائداته، لكن الفساد والأزمات أهلكت بناه التحتية وخدمات الطاقة فيه، وبات ثلث سكانه الأربعين مليونًا عند خط الفقر.
يتسلل ماضٍ بعيد إلى الأذهان، عند المرور بالطريق المتعرج والوعر، المؤدي إلى القرية: منازل متفرقة بسيطة بأبواب حديدية، فيما اختفت الشبابيك عن أغلب جدرانها، ومشهد أطلال حجارة غيّر الزمن لونها. بين الفينة والأخرى، تظهر سيارة قديمة وآليات زراعية، أكل عليها الدهر وشرب.
وللتواصل مع العالم الخارجي، يكتفي سكانها بهواتف جوالة قديمة، لأن شبكة الإنترنت والهواتف الذكية، لم تجد طريقها بين غبار الصحراء إليهم بعد.
يروي أبو مجيد، وهو أبرز وجهاء القرية ويبلغ من العمر 70 عامًا، فيما ارتدى زيًا عربيًا، وغطى رأسه بكوفية باللونين الأبيض والأحمر ”قريتنا عمرها أكثر من 100 سنة، وطوال هذه السنين، وهي بدون كهرباء ولا ماء ولا مركز صحي".
ويضيف لفرانس برس، وهو يشير بيده إلى الحقول القاحلة من حوله ”نعيش حياة بدائية بسيطة".
للتزود بالماء، يستخدم الأهالي مضخة ديزل لسحبها من بئر في باطن الأرض، ويجمعونها بعد ذلك في بركة محاطة بحجر مغطى بالأسمنت. تشرب منها أغنامهم ويحملون بعضًا منها إلى منازلهم.
يضيف أبو مجيد ”في الزراعة، نعتمد على مياه الأمطار".
بين منازل القرية التي تبعد أكثر من 250 كلم عن العاصمة بغداد، حظائر صغيرة لجمع الأغنام، محاطة بأسوار معدنية، فيما يندر أن يتجول سكانها في الخارج.
ولم يذهب أبو مجيد سوى مرة واحدة في حياته إلى بغداد، قبل نحو 20 عامًا.
ما زالت العادات والتقاليد المحافظة، حاضرة بشدة في هذه البقعة من صحراء العراق، إذ تحدثت أم مجيد مع الزوار الرجال من خلف باب منزلها، لتشكو النقص في الخدمات الطبية والكهرباء.
فالقرية غير متصلة بشبكة الكهرباء، التي يعدها سكانها شكلًا من الرفاهية، رغم أن العراقيين عمومًا في أرجاء أخرى من البلاد، يعانون من انقطاعها لساعات طويلة يوميًا.
ويعتمد السكان على مولدات كهرباء بسيطة وقديمة للإنارة، وتشغيل التلفزيون لساعات قليلة فقط.
وتروي أم مجيد ”أبناؤنا محرومون من الرعاية الصحية ومن التلفزيون إلا لساعة أو اثنتين من فترة لأخرى".
على بعد عشرات الكيلومترات عن القرية، تقع قاعدة ”عين الأسد"، أهم المقرات العسكرية العراقية التي تضم قوات أمريكية في العراق، وتتعرض لهجمات صاروخية من حين لآخر.
ليس هناك أي تواصل بين القوات المتواجدة في القاعدة وأهالي القرية، حسبما ذكر أبو مجيد الذي ولد في قرية قديمة، باتت اليوم جزءًا من القاعدة.
يروي من جهته راعي الأغنام، الشاب مهدي أنه في ”إحدى المرات، قتلت اثنتان من أغنامي برصاص، عندما كنت في مرعى مجاور للقاعدة، تزامنًا مع تدريب في ميدان رماية".
ويضيف بحسرة ”لا نعرف غير الرعي والزراعة لكسب العيش"، فيما يعمل آخرون في استخراج الصخور المستخدمة في البناء.
ليساعد مهدي البالغ من العمر 17 عامًا، أهله في رعاية مواشيهم، ترك دراسته في المدرسة الابتدائية الوحيدة في القرية، وتضم ستة صفوف، تكاد لا تكفي لاستقبال أطفال قرية السحل.
ويروي فيما لفّ رأسه بكوفية باللونين الأسود والبني، وارتدي ملابس سميكة، رغم تخطي حرارة الجو الأربعين درجة مئوية ”ليس عندنا غير مدرسة ابتدائية، لا شيء غيرها".
ويؤكد قطري كهلان العبيدي، أحد المسؤولين المحليين في ناحية البغدادي التي تتبع لها قرية السحل، أن ”القرية تعاني من نقص في الخدمات".
وتحدث العبيدي في الوقت نفسه، عن وجود مشاريع من المزمع القيام بها، لتأمين كهرباء وبناء محطة تصفية مياه للقرية.
ودعا في الوقت ذاته، المنظمات الحكومية والإنسانية، لتقديم الدعم من أجل بناء مركز صحي لأهالي قرية السحل.
ويمثل غياب الخدمات الصحية، معاناة إضافية للأهالي. ويقول أبو مجيد بهذا الخصوص: ”إذا مرض أحد (هنا) يموت، لأن نقله (إلى أقرب مستشفى) خصوصًا خلال الليل، ليس سهلًا".
وتحدث عن ”وفاة رجل بمنتصف العمر في الثاني من آب/ أغسطس الماضي، بسبب تعرضه لأزمة صحية، وهو في الطريق إلى مستشفى ناحية البغدادي". ويزيد غياب أي طريق معبد يصل القرية بما حولها الأمر صعوبة.
وتُضطر العائلات لنقل الحوامل قبيل موعد الولادة إلى مستشفى في البغدادي لتأمين رعايتهن قبل أن يضعن.
غير أن وباء ”كوفيد-19" الذي يشكل تهديدًا لكثير من دول العالم، لم يعرف طريقه إلى هذه القرية الغارقة تحت وعورة التضاريس وقساوة المناخ، حسبما أكد أبو مجيد، قائلًا ”لم تصل كورونا لقريتنا، ولم يتلق أي فرد من قريتنا اللقاح".