وأنت تكافح جاهداً للمضي بحياتك -رغم التخبط والعثرات- من أجل الوصول إلى أهدافك المتواضعة، تجد المتربصين بخطواتك الخائفين من نجاحك، المستائين من تقدمك، تجدهم يصطنعون الابتسامة في وجه ما حققته من أجل إخفاء النار التي تصلى قلوبهم، هم مجرد عاهات نفسية، تختلف أشكالها وتتآلف في مضمونها، فجميعهم أعداء النجاح!

هذا المرض موجود منذ بدء الخليقة، منذ اللحظة التي رفع فيها قابيل الحجر ليقتل هابيل، وتختلف أعراضه بحسب قدرة الشخص على إخفاء رائحة نواياه النتنة. هابيل كان الأول في القائمة، والتاريخ سجل آلاف القصص المشابهة التي تكررت فيها النتيجة واختلفت فيها الشخوص. منهم الموسيقار العبقري موزارت الذي راح ضحية لحقد زميله في المهنة سالييري. كنت أقرأ عن حياة موزارت الشخصية منذ فترة وشاهدت فيلم «أماديوس» الذي استحق بجدارة الأوسكارات الثماني التي حظي بها والساعات الثلاث التي أنفقتها في مشاهدته.

في افتتاحية الفيلم يظهر الموسيقار سالييري وهو يصرخ عند الكاهن معترفاً بقتل موزارت. سالييري كان موسيقار البلاط في فيينا ومدير الأوبرا الإيطالية، ويحظى بمحبة الملك، ولكن مند قدوم النابغة موزارت لفيينا خاف على مكانته، فاجتهد بكل السبل حتى يمنع موزارت من التقدم، وعمل على تسميم حياته بالمكائد وحرمانه من أي فرصة في البلاط، وفي النهاية نجح سالييري في ذلك، ومات موزارت مريضاً مفلساً وهو في الـ35 من عمره، ولم يحظ بما يستحقه من تكريم في حياته، وهو الذي أدهش العالم بأسره بأعماله الفنية العظيمة وموسيقاه الخالدة.

موزارت كان يكتب المؤلفات الموسيقية قبل تعلمه كتابة الحروف الهجائية، وعزف أول مرة وهو في الثالثة من عمره، وعندما بلغ السادسة قدم أول عرض له في البلاط الملكي أمام الملك وحاشيته. هذا الطفل أرعب الكثيرين، وحاولوا منذ اللحظة التي أدركوا فيها قدراته ومواهبه أن يبعدوا عنه الضوء، وأن يقصوه، وأن يخفوه، وأن يؤذوه نفسياً حتى يضعف ويستسلم، وتبقى الساحة لهم فقط بالرغم من أنهم لا يملكون بعض موهبته.

الحاقد سالييري عاش بعد وفاة موزارت أكثر من 35 عاماً ولم يستطع أن يحقق بعض ما حققه موزارت في سنواته القليلة التي عاشها. والدليل على تجذر المرض في سالييري أنه كان يملك المنصب والسلطة والمال والنفوذ الذي يحتاجه، كما أنه كان قريباً من الملك، ولكن في داخله كان يعلم أنه قزم أمام موهبة موزارت ودائم المقارنة بين موسيقاه وموسيقى موزارت. لقد أكله الحقد والحسد.

ترى كم سالييري تعرفون في حياتكم؟

أميرة صليبيخ