لا تزال تداعيات إحراق حركة حقوقية تدافع عن المسترقين في موريتانيا كتباً دينية، تتفاعل بشكل متسارع رغم محاولات الحكومة تطويقها، حيث خرجت مظاهرات عديدة تطالب بمعاقبة المتورطين في إحراق الكتب والوقوف بحزم أمام كل من يهدد الثوابت الدينية والأخلاقية، وبينما استغل الحزب الحاكم هذا الحادث للخروج من خناق المعارضة الذي اشتد عليه أخيراً وإبراز قوته والاستبسال في الدفاع عن مقدسات الشعب الموريتاني وقيمه، وجدت المعارضة في الحادث فرصة للتأكيد على مشروعية طلبها برحيل الرئيس ولد عبدالعزيز، وقالت إن "إحراق كتب الفقه المالكي المتبع في موريتانيا يؤكد غياب الدولة وانهيارها على جميع الأصعدة، ولا يخدم إلا النظام القائم ولا يستهدف إلا إرباك الشعب الموريتاني عن نضاله اليومي من أجل ترحيل النظام".واعتقلت السلطات الموريتانية الناشط الحقوقي بيرام ولد أعبيدي رفقة أربعة عناصر من حركته "إيرا" المناوئة للاسترقاق في موريتانيا، وقالت مصادر مطلعة إن الشرطة اعتقلت ولد أعبيدي الذي كان يعقد اجتماعاً بقادة الحركة من أجل تدارس الوضعية الأخيرة التي أعقبت إحراق الحركة لمجموعة من الكتب الفقهية بدعوى أنها تمجّد العبودية وتدعو لاستمرارها، واقتادته رفقة أربعة نشطاء إلى مكان مجهول.وخرجت مساء أمس الأحد مظاهرة كبيرة منددة بإحراق مجموعة من الكتب الفقهية في سابقة هي الأولى من نوعها في موريتانيا التي يسود فيها الإسلام، كما تظاهر المئات من طلبة المدارس الدينية في نواكشوط مؤكدين رفضهم الإساءة للدين الإسلامي وطالبوا بمعاقبة منظمة "إيرا" المناهضة للرق والتي قام بعض أعضائها بحرق كتب ومراجع دينية. وندد المشاركون في المسيرة التي قطعت طرقاً رئيسية بالعاصمة الموريتانية بهجوم حركة "إيرا" على فقه المذهب المالكي المتبع في موريتانيا وإحراق كتب المذهب المعتمدة.وكان في استقبال المسيرة الشعبية التي نظمها الأئمة والعلماء الموريتانيون الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز الذي وعد بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في من قاموا بإحراق الكتب الفقهية، وقال إن ما حصل استفزاز للشعب والأمة وإن الدولة الموريتانية لن تتهاون فيه، وأكد أن حكومته عازمة على الدفاع عن الشريعة الإسلامية في وجه من وصفهم بدعاة العلمانية والتخريب.
اعتداء سافر على المعتقدات
كما أعرب السفراء العرب المعتمدون في موريتانيا عن استنكارهم لما سمّوه الجريمة النكراء التي قام بها أعضاء حركة "إيرا" بإحراقه المتون الفقهية علناً أمام المصلين، وعبروا عن تضامنهم مع موريتانيا ووقوفهم معها لاتخاذ جميع الإجراءات القانونية التي تراها مناسبة لردع كل من تسوّل له نفسه المساس بقيم المجتمع وهويته.وقال وزير الخارجية الموريتاني حمادي ولد حمادي في اجتماع عقده مع السفراء العرب إن الهدف من هذا الاجتماع هو إنارة السفراء وتوضيح موقف الحكومة من الفعلة الشنعاء التي ارتكبها بيرام ولد اعبيدي والمتمثلة في إحراق مرجعيات مشهورة في الفقه المالكي.وبيّن أن هذا الفعل يمسّ مشاعر الشعب الموريتاني، مشدداً على أن هذا التصرف يدينه القانون والأخلاق باعتباره سلوكاً فظيعاً يرفضه الجميع. وأضاف وزير الخارجية أن في موريتانيا مساحة واسعة لحرية التعبير ومناخاً يتيح للجميع التعبير عن آرائهم لكن الموضوع الآن يتعلق باعتداء سافر على معتقدات المجتمع وأخلاقه وسيعاقب مرتكبه بقوة القانون.وبدوره أكد وزير الشؤون الإسلامية أحمد ولد النيني أن إحراق كتب من أصول الشريعة الإسلامية أمر فظيع ومنكر يجب على الجميع تغييره، مشدداً على أن مذهب الإمام مالك، إمام دار الهجرة، من أصح المذاهب ويعد المساس به من أبشع الجرائم لأن الفقه ثمرة الكتاب والسنة.
يؤكد غياب الدولة
وندد العلماء والأحزاب السياسية والنقابات العمالية وفعاليات المجتمع المدني والمواطنون بحرق الكتب الدينية، وأعرب تكتل القوى الديمقراطية المعارض عن إدانته الشديدة لهذا التصرف، مؤكداً أن هذه الكتب "ليست إلا نقلاً أميناً وشرحاً مستفيضاً وتفسيراً مفصلاً للكتاب والسنة ألّفها جهابذة المحدثين والعلماء والفقهاء، ومن ضمنهم موريتانيون أجلاء عرفوا بورعهم وعلمهم، فحوت معتقدات شعبنا بكافة مكوناته وانطوت على ما يحتكم إليه من شرع الله وأسس عليها بإجماع وطني بعد الاستقلال مدوناته القانونية العصرية".واعتبر الحزب أن الإقدام على هذا التصرف في هذا الظرف بالذات يؤكد غياب الدولة وانهيارها على جميع الأصعدة، ولا يخدم إلا النظام القائم ولا يستهدف إلا إرباك الشعب الموريتاني عن نضاله اليومي من أجل ترحيل النظام واستبداله بسلطة وطنية تستجيب لتطلعاته المشروعة.ودان حزب التحالف الشعبي التقدمي الذي يدافع عن حقوق المسترقين إحراق كتب الفقه الإسلامي، واعتبر أن الثلة التي تدعي أن دافع ما أقدمت عليه هو مكافحة ظاهرة الاسترقاق جرّدت الرق وتبعاته العديدة من سياقها التاريخي والاجتماعي وحملت الشرع الحنيف وعلماء الملة الغراء وحدهم مسؤولية الاسترقاق.وأضاف الحزب في بيان له أن "هذا التصرف الطائش، وما صاحبه من ملابسات، ينمّ عن قصور في الفهم واختلال في التفكير أعمى هؤلاء عن حقيقة أن الشعب الموريتاني أرسى مقومات وجوده وحافظ على دعائم وحدته، وصنع تاريخه المشترك في ظل التعاليم الإسلامية السمحاء وملاءمة مع ما يراه المذهب المالكي وما تمليه المدونة الكبرى".
توقيت الحادث
واستغرب محللون توقيت إحراق المتون الشرعية في ظرف يشتد فيه الخناق على الحكومة، واتهم البعض النظام الحاكم بالتورّط في الحادث ودفع نشطاء بالحركة لإحراق الكتب المالكية بهدف التشويش على مشروع المعارضة وأنشطتها المكثفة لإجبار النظام على الرحيل، واتهم منشور وقعته جهة تطلق على نفسها حماة الأمن من الشرطة النظام الحاكم بالتورّط في عملية حرق الكتب المالكية، وقال المنشور إن النظام الموريتاني خطط لهذه العملية عبر السياسي المعارض أبومدين ولد أباته للتخفيف من حدة الاحتقان الداخلي. وكان رئيس "إيرا" بيرام ولد أعبيدي قد أقدم على حرق كميات من المراجع الفقهية للمذهب المالكي بدعوى أنها "تتبنى العبودية وتشرع الرق وتشجع ممارسته"، ما خلّف موجة من التنديد والاستياء في أوساط المجتمع الموريتاني، حيث شهد مختلف مناطق البلاد على مدى يومين احتجاجات ومسيرات عارمة ووقفات احتجاجية على هذه الجريمة، طالب المشاركون فيها بإنزال العقوبة على مرتكبيها.كما أدانت الاتحادات الطلابية والهيئات الثقافية هذا العمل واعتبرته جريمة ضد المقدسات الإسلامية، وتحدياً سافراً للشعب الموريتاني المسلم وازدراء بدينه وقيمه وتاريخه وثقافته.