لم يدرك المعلم اليمني عارف النهاري بأن نهاية حياته ستكون وهو يلهث للحصول على راتبه، بعد أن اضطر للنزوح من محافظة الحديدة إلى ابين، هرباً من القتال الذي وصل إلى مسقط رأسه، حيث استقر وأطفاله السبعة في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، لكن هروبه من ويلات القتال لم تنجه من قسوة الحياة، حيث استمر في ملاحقة راتبه إلى أن فارق الحياة دون أن ينتظم في استلامه.

نزح عارف من إحدى قرى مديرية حيس بعد اشتعال الحرب التي أشعلتها ميليشيا الحوثي في منطقته، وقام بنقل ملفه الوظيفي كالعديد ممن تقطعت بهم السُبل في المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، إلى المناطق التابعة للحكومة متكلا على وعد براتب ثابت ومستمر يجنبه وأسرته بؤس الحاجة، انتظم صرف راتبه لفتره لا بأس بها ولكن في المقابل تعرض الاقتصاد للعديد من الأزمات التي نتج عنها الانهيار للعملة وما رافق ذلك من ارتفاع جنوني في الأسعار ومعها بدأت مشكلة عدم انتظام صرف الرواتب، ولم يستطع الرجل ولا غيره من الموظفين الصمود برواتبهم أمام ذلك الارتفاع الجنوني للأسعار.

حين قرر عارف مغادرة حيس وأطفاله السبعة وزوجته، كان يمني النفس بأنه محظوظ بنقل أسرته والفرار من معركة كادت أن تودي بحياتهم، ولكن لم يكن يدرك أن الفقر والديون ستكون معركة أشد فتكاً.

تأخر الراتب شهرين متتاليين في حين أن الراتب لا يكفي لتغطية احتياجات نصف شهر، لكن المعلم المحاصر باحتياجات أسرته والديون كان يتابع بقلق شديد تأخر صرف رواتب شهرين متتاليين، لم يتحمل المعلم عارف ذلك القلق والخوف من الجوع الذي كان يراه في عيون أطفاله، وفي 29 نوفمبر الماضي غادره الخوف والقلق وفارقت روحه جسده بكل ما تحملته من ألم، أزمة قلبية انتهت حياته وكان من المفترض أنه يعيش حياة سعيدة مع أطفاله يتأمل في عيونهم المستقبل والحلم.

هكذا انتهت حياة عارف النهاري، ويعد واحداً من نحو 370 ألفاً، سبقه في ذلك المعلم الشاب الذي انتحر بالقفز من الدور العاشر من إحدى البنايات في صنعاء، بعد أن تراكمت عليه الديون وطُرد من شقته، مآسٍ لن تنتهي إلا إذا انتهت هذه الحرب وانتهى معها كل هذا الجنون.