بالرغم من كل الإيضاحات التي تقدمت بها الدولة للمجلس النيابي ونقلتها الصحافة فإن الصورة مازالت مبهمة للمواطن فيما يتعلق بالقيمة المضافة على سبيل المثال لا الحصر، وتستطيع أن تصل إلى هذا الاستنتاج من خلال التعليقات التي يكتبها الناس في وسائل التواصل الاجتماعي، سواء تلك التي يشنون بها الهجوم على النواب الذين صوتوا بنعم للقانون، أو تلك التعليقات التي ينتقدون بها الدولة وقراراتها مباشرة في الحسابات التي تنقل خبر الموافقة على تمرير القانون.

وتعتقد الدولة أن إيضاحاتها للنواب كانت كافية لتصل إلى المواطن، وتعتقد أن ما تنقله الصحافة بطريقتها الخاصة للأخبار في الصفحات الداخلية بعناوين تختارها الصحيفة لتصريحاتهم هو الآخر كاف لوصول المعلومة إلى الناس.

ثم تُفاجأ بأن الناس مازالوا على رأيهم وكأنهم لم يسمعوها، وهي تشرح وتقدم معلومات إضافية.

هذه الحالة من الجدل العقيم مستمرة، وهذا الجدار بين المجتمع وصوت الدولة مازال موجوداً و لم يهدم، وإن ما تشرحه الدولة للمجلس النيابي وبالتحديد للجان أو لهيئة المكتب لا يصل إلى الجمهور، وذلك طبيعي؛ فلن يتبرع نائب واحد للحديث نيابة عن الدولة حتى وإن كان مقتنعاً بشرحها فهذه ليست وظيفته.

وإن ما تقوم بشرحه بالاتصال المباشر للصحافة غير كاف هو الآخر، فلن يتبرع أحد بالحديث عنك، لذلك تُفاجأ بتصريحات النواب في الجلسات المفتوحة التي تتخذ عادة ميداناً للمزايدات وتصفية الحسابات والدعاية الانتخابية في دور الانعقاد الأخير، وبعد هذه العوائق كلها التي حالت بين شرحها ووصول المعلومة إلى الناس تُفاجأ الدولة برد فعل الناس الذي مازال على حالة التذمر!!

من قرأ على سبيل المثال لا الحصر أو تابع أو وصلته معلومة أن 89% من عوائد القيمة المضافة هي من الشركات والوافدين؟ وأن ذوي الدخل المحدود لا تزيد مساهمتهم في تلك العوائد عن 2% فقط؟ هذه معلومة كتبتها الصحافة داخل عدد يوم الجمعة ولم تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي.

من قرأ أن رفع القيمة من 5% إلى 10% لن يزيد بالضغط على ميزانية الأسرة ذات الدخل المحدود عن 1% فقط، لأن غالبية مشترياتها معفاة من الضريبة؟ أيضاً معلومة وردت في الصحافة يوم الجمعة ولا أحد تابعها.

وهناك معلومات أخرى عديدة تقول إن ما أقر من زيادات في الضمان الاجتماعي مضاف إليه قيم الدعومات الأخرى التي يحصل عليها ذوو الدخل المحدود تغطي هذه 1% التي سيدفعها وتزيد، أي أن الحال لن يتغير على الأسر ذات الدخل المحدود قبل وبعد إقرار 10% (هذه المعلومات وفقاً لكلام الدولة الذي نشر يوم الجمعة).

كل تلك المعلومات ضاعت بسبب عدم الاهتمام بنشرها وإيصالها في التوقيت والطريقة المناسبين؛ لذلك لم يستمع لها أحد وكلها لم تصل إلى المواطن، ذلك الذي مازال يتذمر ويتحلطم على الدولة والنواب الذين لا يشعرون بمعاناته -على حد تعبيره- ولا بما يقاسيه ولا يفكرون إلا بأنفسهم وبجيوبهم وبالضغط على الفقير.

حتى اللحظة.. حتى اللحظة لم أجد جهداً يبرئ الدولة، ويؤكد أنها قامت بما يجب أن تقوم به من محاولات لتصل تلك المعلومات إلى الناس بالشكل الصحيح، حتى اللحظة مازال التقصير كبيراً جداً ويكبد الدولة خسائر كبيرة على حساب العلاقة الاجتماعية والسياسية بينها وبين الناس.

اعتمادها على أطراف أخرى كي توضح نيابة عنها حقيقة موقفها خطأ جسيم، اكتفاؤها بمخاطبة النواب لا يكفي، وحتى اكتفاؤها بما تنقله الصحافة لا يكفي، والكتاب مهما شرحوا فلن يغنوا عن الحديث المباشر من الدولة للمواطن، و إن تحدثت الدولة للتلفزيون فإن الدولة تحتاج أن تتأكد أن كلامها كان واضحاً ومبسطاً، وأنه انتشر بين الناس بجميع الوسائل، حينها يمكن أن نقول إنّ الدولة قامت بما عليها وهناك من لا يريد أن يفهم.

المصيبة -إن صح التعبير- أنه حتى الأخبار الحلوة التي تصب في خدمة المواطن وجيبه وصالحه هي الأخرى تعامل بنفس الطريقة فلا تنصف ولا تأخذ حقها، فإن سألت أي مواطن عنها جاءك الرد (وينها؟ احنا شايفين خبر زين؟).

مهما قلت إن البحريني دائم التذمر، وإن هناك من لا يريد أن يفهم، وإن هناك من يصطاد في المياه العكرة، إلا أن ذلك لا يعفي الدولة من تقصيرها ومازالت الكهرباء مقطوعة بينهما.