رغم الاختلافات والتباينات بين البشر في أي مجتمع، فإن هناك أموراً تفرض عليهم الاجتماع عليها بشكل تلقائي، وخاصة إن كانت تمس المبادئ والقيم الإنسانية.

شعب البحرين بالتحديد متفرد بشكل مميز جداً في هذه الأمور، بحيث تراه في لحظة واحدة يتجلى، لتتحول الأطياف المتعددة في هذا المجتمع إلى كيان واحد، يتحرك وكأنه شخص واحد، ويعمل بقلب واحد لتحقيق غاية إنسانية سامية.

المعدن البحريني الأصيل سمة يعرف بها أبناء هذه الأرض الطيبة، تتمثل في كرمهم وحبهم وسعيهم للخير وتكاتفهم لفعل هذا الخير، وهو ما جعل البحريني مضرب الأمثال سواء في منطقة الخليج العربي أو المنطقة العربية، ولكل من يزور بلادنا ويتعامل مع أهلها، أولم يقولوها دائماً إنه لا أطيب قلب من قلوب البحرينيين؟!

هذا الذي يجمعنا مع بعضنا البعض، هذا الذي يطغى حتى لو سعى من سعى لتأليب القلوب أو تفريق الصفوف، فمعدن البحريني الأصيل يظهر طاغياً في الحالات الإنسانية وفي أوضاع الدفاع عن هذه الأرض الطاهرة.

حادثة «طفل الرفاع» ضربت أروع الأمثلة على هذا التلاحم والتكاتف المجتمعي الذي يظهر فجأة دون دعوة أو تمهيد، يظهر بتلقائية لدى الجميع، لأنه أصلاً نابع من أمور متأصلة في طبع أهل البحرين، أمور ترتبط برغبتهم الدائمة في عمل الخير، وفك كرب المحتاج، ولـ"الفزعة» الشهيرة بهم لعمل الخير.

الطفل اختفى، وبدأت عائلته البحث عنه، وكذلك أجهزة الأمن، لكن بموازاة كل ذلك بدأ شعب البحرين البحث عنه، بكافة أطيافهم وتلاوينهم، وعبر مختلف مناطقهم، مشطوا البحرين من الشمال إلى الجنوب، تحركوا وكأن الولد ابن لكل شخص فيهم، ابن لكل عائلة، تحركوا وكل منهم يدعو أن يرده الله إلى أهله سالماً وألا يصيبه مكروه.

لم يقف المشهد هنا، بل عندما وجدوه سالماً، بإمكانك أن ترى فرحة أهل البحرين قاطبة، وكأن كل واحد منهم وجد ولده الضائع، فرحة شملت الجميع بلا استثناء، كلهم تناقلوا الخبر، كلهم شكروا الجهود التي بحثت عنه، كلهم عبروا عن فخرهم لكونهم مواطنين في هذا الوطن الغالي.

هذا مشهد واحد يضم إلى مشاهد عديدة، لها تأثيرها الإنساني البالغ، ولها وقعها العميق، تبرز بجلاء كيف هو البحريني حينما تستثار حميته، وحينما يتحرك وفق غيرته على وطنه وما يرمز له، وحينما تطغى إنسانيته ومبادئه الدافعة إلى مساعدة الآخرين وصنع الخير على أي شيء آخر.

باختصار هذا هو معدن البحريني الأصيل الذي يظهر حينما يحتاج الوطن له.