أكد تقرير اقتصادي أنه بالرغم من إجماع الخبراء على أن يحقق الاقتصاد الأمريكي نموا ملحوظا خلال هذا العام، لكن تم تخفيض سقف توقعات معدلات النمو هناك للعام الخامس على التوالي، وهو الأمر ذاته بالنسبة للاقتصاد الأوروبي والاقتصادات الناشئة، حيث ما زالت التوقعات المسيطرة تأخذ نفس المنحى، وذلك في إشارة إلى تلك الفجوة الواسعة بين الواقع الحقيقي لتلك الاقتصادات العالمية وما تعانيه من مشاكل من جهة والتوقعات السائدة بشأن معدلات نموها من جهة أخرى. واعتبر التقرير الذي أصدره بنك ستاندرد تشارترد، ومقره لندن، وحصلت وكالة أنباء البحرين "بنا" على نسخة منه، أنه مع انتهاء النصف الأول من عام 2015، "بات التناقض بين توقعات السوق والواقع المحيط أكثر وضوحا"؛ مشيرا إلى "المشاكل الأساسية المتعلقة بالاقتصاد الأوروبي التي ما زالت تخيم على الأجواء، والمشاكل التي تعانيها الأسواق الناشئة"، والتي تثير المخاوف بشأن التوقعات المنتظرة لمعدلات النمو العالمية .وذكر التقرير الفصلي للبنك الخاص بالربع الثالث من العام الحالي، أن "توقعاته بشأن نمو الاقتصاد العالمي والتي تصل إلى 3.1%، هي أقل من توقعاته المبدئية"، لافتا إلى "أن تساهم الاقتصادات في آسيا (باستثناء اليابان) ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية بأكثر من نصف معدل النمو الاقتصادي، أي نحو 1.85%، في حين ستضيف الولايات المتحدة ومنطقة اليورو مجتمعين ما نسبته 0.8 % إلى معدلات النمو الاقتصادي".وأضاف "بالرغم من أن أداء الأسواق الناشئة يفوق نظيرتها في الاقتصادات المتقدمة، لكن هناك علاقة وطيدة بينهما؛ حيث تعد اقتصادات الولايات المتحدة ومنطقة اليورو من أكبر الاقتصادات في العالم، وبالتالي فإن أدائهما يؤثر سلبا أو إيجاباً على بقية العالم"، مؤكدا أن "علينا أن ندرك المخاطر الناشئة عن اقتصاد الولايات المتحدة ومنطقة اليورو وتأثيرهما المحتمل على الأسواق الناشئة".وقال "لم يتضح حتى الآن النتائج الناجمة عن تطورات اليونان، ومن المرجح أن يكمن الحل في تجنب خروجها من منطقة اليورو التي تسعى بدورها إلى الخروج من فترة ركود طويلة"، موضحا أن "النمو الاقتصادي لتلك المنطقة ما زال منخفضاً جدا، حتى لو انتعشت معدلات النمو لتصل إلى ما يقرب من 1.5 % وفقاً لتوقعات هذا العام"، واعتبر التقرير أن "هذا النمو الضعيف يمثل مشكلة للاقتصاد العالمي. فتحقيق الفائض الكبير في الحساب الجاري في أوروبا يعني عجزاً في الحساب الجاري في أي منطقة أخرى من العالم والذي بدوره يُقوض من حركة النمو في الاقتصادات الأخرى".وأبرز التقرير أن "الاقتصادات الناشئة تجاوبت مع هذا التحدي بخفض أسعار الفائدة، إذ قامت 29 دولة بخفض الأسعار في النصف الأول من العام، وهي ردة فعل متوقعة لأي صدمة خارجية. وقد أمكن تلك الدول فِعل ذلك بفضل انخفاض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وهبوط أسعار النفط حتى تتسنى السيطرة على معدلات التضخم".وأوضح "أن نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يعمل على تهيئة الأسواق المالية لارتفاع جديد في سعر الفائدة هذا العام؛ حيث نتوقع أن تكون القفزة الأولى في سبتمبر، ونعتقد كذلك أنه من الصعب استمرار الاقتصادات الناشئة في خفض أسعار الفائدة كلما بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في الارتفاع. ويُمثل ارتفاع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تطوراً ملحوظاً عقب سنوات من أسعار الفائدة التي اقتربت من الصفر وثلاث جولات من التسهيل الكمي".ورأى التقرير أن "العملات تقوم بوظيفة "ممتص الصدمات" في الاقتصادات الناشئة. ففي حال بدء ارتفاع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فمن المحتمل ارتفاع تذبذب أسواق العملة على الرغم من كون هذا الأمر ليس بالضرورة سيئاً. ونجد أن معظم دول آسيا حالياً لديها أسعار صرف تتميز بالمرونة التي تتكيف باستمرار مما يحمي الاقتصاد المحلي من الصدمات الخارجية. أما العملة الضعيفة فتمثل مشكلة عندما تعاني دولة ما ارتفاعاً في مستويات الدين بفئات العملة الأجنبية ذات تواريخ الاستحقاق قصيرة الأجل. ونحن لا نرى هذا الأمر يُشكل خطورة كبيرة بالنسبة للدول الآسيوية، على الرغم من كون تركيا هي الأكثر تأثراً وعرضةً لذلك".وبين أن "التأثير المباشر لارتفاع مستويات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن بقية العالم يلقى الكثير من الاهتمام، والأمر يستحق هذا الاهتمام، إلا أن السوق يتجاهل مخاطر ارتفاع مستويات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على الاقتصاد الأمريكي نفسه. وقد حظَّر صندوق النقد الدولي من أن الارتفاع الواقع قبل حينه الواجب قد يؤدي إلى انقلاب أسعار الفائدة لاحقاً".وخلص التقرير إلى أن العالم "يشهد تحدياً آخر حيث ـ وفقاً لما نشرته مجاميع ديفيزيا النقدية الشاملة الصادرة عن مركز الاستقرار المالي ـ نما توسيع مفهوم المعروض النقدي M4 الأمريكي بنحو 2.8% فقط في مايو مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي مما يشير إلى ضيق الأوضاع النقدية الفعلية في الولايات المتحدة. لذا ومما نراه، فإن المخاطر المرتبطة بارتفاع أسعار الفائدة في اقتصاد ما، مصحوبة بالنمو السلبي في الربع الأول من العام، حيث الأوضاع النقدية الضيقة، ستستمر في النصف الثاني من العام الحالي".وإزاء هذه التوقعات، عقَّب ماريوس ماراثيفتيس، كبير خبراء الاقتصاد العالمي في البنك قائلاً: "يسود السوق في الوقت الحالي حالة من القلق بشأن تأثير ارتفاع مستويات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن بقية العالم، بيد أنه من الخطأ تجاهل المخاطر التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي نفسه نتيجة هذه الارتفاع".وقال "ها نحن ندخل عاماً آخر من تخفيض سقف توقعات معدلات النمو في الولايات المتحدة على الرغم من الإجماع العام على عدم حدوث ذلك، يضاف إلى ذلك التهديدات الحقيقية والمتزايدة في منطقة اليورو. ولعل بطء النمو في الأسواق الناشئة هو نتيجة طبيعية للمشكلة الحقيقية التي يواجهها الاقتصاد العالمي ـ حيث نشهد عدم كفاية في الطلب في أوروبا والولايات المتحدة. فيما ما يزال الكثيرون في الأسواق يركزون على التصور المستقبلي عوضاً عن رؤية الواقع".يذكر أن "بنك ستاندرد تشارترد" مجموعةً مصرفيةً عالميةً تضم كوادر بشرية متعدّدة الجنسيات يتجاوز عددهم 90 ألف موظف. ويحظى البنك بتاريخ يمتد لأكثر من 150 عاماً في العمل ضمن أكثر الأسواق العالمية نشاطاً.