الواصل إلى شاطئ "زيكيم"، شمال قطاع غزة، لا يجد إلا عدداً من المصورين الصحافيين وبعض الإسرائيليين ممن قادهم فضولهم إلى المجيء إلى النقطة التي دخل منها الإسرائيلي ذو الأصل الإثيوبي إلى قطاع غزة قبل عشرة أشهر.ونجحت إسرائيل في إخفاء الموضوع عن الإعلام خلال تلك المدة، في محاولة منها لحلّه بهدوء بدون ضغط الرأي العام بوساطات أوروبية.في التفاصيل، يتضح إخفاق كبير فيما جرى، فإبراهيم منغوستو (28 عاماً)، وصل إلى السياج الحدودي في 8 سبتمبر الماضي، وتجاوز السياج بسهولة، والسبب أن الجيش لم يصلح مقطعاً دمرته الدبابات أثناء حرب غزة.ورصدت كاميرات المراقبة الشاب الإسرائيلي وهو يعبر السياج أمام أعين بعض الجنود الذين تأخروا باللحاق به، لاعتقادهم أنه لاجئ إفريقي يئس من البقاء في إسرائيل، وقرر الذهاب لغزة، ولم يدركوا أنه إسرائيلي إلا بعد أن فتحوا الحقيبة التي ألقاها في الجانب الإسرائيلي.وبعد أسبوعين، أبلغت عائلته بأنه في غزة، ولم تبلغ الحكومة الأمنية المصغرة بأي تفاصيل، ولا لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، واتضح أن المندوب الذي كلفه نتنياهو بمتابعة ملف الأسرى هدد العائلة، وحذرها من أن أي محاولة لربط الموضوع بإشكالية العلاقة بين اليهود من أصول إثيوبية والحكومة - في إشارة إلى تظاهراتهم المستمرة احتجاجاً على العنصرية ضدهم- فإن ابنهم سيمضي سنة إضافية في الأسر.وتكرر الإخفاق الإسرائيلي مجدداً قبل ثلاثة أشهر، حين تمكن أحد الشباب من بدو النقب من عبور الحدود من منطقة معبر بيت حانون (إيرز)، وقالت إسرائيل إنه يعاني مشاكل نفسية.فصل إسرائيلي بين ملفين متصلينحاولت إسرائيل إخفاء التفاصيل طوال الأشهر الماضية بهدف استنقاد وساطات أوروبية، بينها الوسيط الألماني الذي أنضج صفقة شاليط، في محاولة للتوصل إلى تفاهم هادئ مع حماس بعيداً عن ضغط الإعلام والرأي العام لإخلاء سبيل الإسرائيليين مع الفصل بين هذا الملف وقضية جثتي الجنديين اللذين تحتفظ بهما الحركة في القطاع.وفي حديث لـ"العربية.نت"، قال رجل الأعمال جرشون بالسكين، الإسرائيلي الأميركي صاحب الاتصالات المباشرة مع حماس، والتي أسهمت في إنجاح صفقة شاليط، "أجريت اتصالاً قبل 6 أشهر مع الحركة (حماس)، وأكدوا أنهم حققوا مع الإسرائيلي لكنهم أخلوا سبيله بعدها واختفى، أما الثاني فهو بيدهم على الأغلب".وكانت "العربية.نت" ذكرت قبل أيام أن آخر اتصال عبر طرف ثالث بين الجانبين كان قبل ثلاثة أسابيع، حيث اشترطت حماس، للدخول في مفاوضات لتبادل أسرى، إطلاق إسرائيل سراح أسرى صفقة شاليط الذين أعادت الدولة العبرية اعتقالهم.وقالت مصادر أمنية وسياسية إسرائيلية، إن الحكومة قررت اعتبار ملف "المواطنين ملفاً إنسانياً وليس أمنياً، أي أنه لا يخضع لتفاوض على تبادل الأسرى، وأن أي صفقة لن تشمل إلا جثتي الجنديين فقط". ويظهر هذا القرار تخوفاً إسرائيلياً من "مضاعفة الثمن" المتوقع للصفقة بوجود إسرائيليين حييّن بقبضة حماس.وآخر ما رشح عن المفاوضات حول الأسيرين، أن موفد الرباعية الدولية المستقيل، توني بلير، يحاول التوسط هو أيضاً بالقضية، فقد التقى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل لبحث الملف.إسرائيل: حماس المسؤولةبدوره، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى تحميل حماس "المسؤولية الكاملة عن سلامة المواطنين المحتجزين في قطاع غزة"، لكن ثمة قلقاً جدياً في إسرائيل من إنكار حماس بوجود الإسرائيلي ذي الأصل الإثيوبي لديها.وثمة قراءات عدة لدى إسرائيل، فإما أن ذلك تكتيك تفاوضي من حماس بعدم تقديم أي معلومة مجانية حول مصير وحال الأسيرين بدون ثمن، وإما أن شيئاً ما حدث لهذا الشخص الذي خدم في الجيش الإسرائيلي، كوقوعه بيد تنظيم آخر أو أنه قتل.من جهته، عاد جرشون باسكين وأكد لـ"العربية.نت" أن الإثيوبي بيد حماس، بناء على اتصال أجراه مع الحركة يوم الجمعة، ولكن الحركة لم تؤكد أنه بيدها رسمياً بعد.وحماس المجربة في حرب الأعصاب التفاوضية مع إسرائيل حاولت الضغط على إسرائيل أكثر من مرة، فقامت قبل أشهر بوضع لافتات كتب عليها "الصندوق الأسود"، بدت لغزاً فُهم في إسرائيل على أنه إشارة لليهودي.لكن إعلان الدولة العبرية وقوع مواطنيها في الأسر ينقل الملف إلى مرحلة أخرى، تبدو تمهيداً لصفقة تبادل مقبلة، وقد ترتبط بملفات أخرى، كتخفيف الحصار عن غزة، والسماح لأهالي غزة بالسفر للخارج عبر الأردن بناء على توصية من الجيش الإسرائيلي الذي يرى في إعادة الإعمار وتخفيف الحصار ما قد يمنع أو يؤجل لسنوات حرباً على غزة.