كنت متعجبة وأنا أستمع لطرح أحد الصحفيين المهمين، عبر قناته على اليوتيوب، مبررات التدخل الأمريكي في الوطن العربي في العام 2011. أشار الأستاذ الصحفي إلى أن أمريكا درست مشكلات الوطن العربي جيداً، وارتأت أن وصول جماعات أيديولوجية معينة، تعبر عن هوية الشعب، إلى سدة الحكم عبر صناديق الانتخاب، هو حلّ سيخلق الاستقرار في المنطقة العربية وسيوسع التجربة الديمقراطية فيها. وطوال استماعي للعرض وأنا أتساءل: هل ينقل الأستاذ «السردية الأمريكية» بحياد كما تروج لها الإدارات الأمريكية، أم أنه يتبناها باقتناع؟!
زيارة مجموعة من الشخصيات البحرينية لمنزل السفير الأمريكي، خلقت لدى شعب البحرين صورة مماثلة لحالة التعجب والتساؤلات السابقة. فما تسرب عن فحوى الاجتماع هو مناقشة «زوار البيت الأمريكي» لشؤون داخلية مع سعادة السفير، وسكبهم شكاوى مريرة عن التمييز وما وصفوه بقانون العزل السياسي والحد من الحريات السياسية في البحرين. ومن المسائل المقلقة التي تسربت عن هذا الاجتماع هو طلبهم من السفير الأمريكي حث الإدارة الأمريكية على التدخل في القضاء البحريني وإبطال بعض الأحكام، ومطالبتهم الإدارة الأمريكية بممارسة الضغوط على السلطات البحرينية لتغيير سياساتها. والمؤسف جداً أنه بعد كوارث ما سمي بـ«الربيع العربي»، مازال بعض الناشطين العرب يتوهمون أن حلول مشكلاتنا الوطنية يمكن التفاهم عليها في «البيت الأبيض» الأمريكي.
مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تعمل عليه الإدارات الأمريكية المتلاحقة ليس وهماً أو نظرية مؤامرة من خيالات بعض المثقفين، إنها وثائق وتصريحات وبرنامج عمل ذات طابع عملي عبّر عنه كافة المسؤولين الأمريكان. فالمنطقة العربية في نظرهم هي منطقة ثروات هائلة يكتنفها الصراع الطائفي، ولا حل لتلك الصراعات إلا بإعادة ترسيم الخرائط لتستقل كل طائفة بنصيبها من الجغرافيا، وينتهي الصراع، وستكون هذه الكنتونات الطائفية مكبلة بالقرارات الدولية التي ستشرف على شؤونها السياسية وتضع يدها على ثرواتها وتنظم استثمارها بما يحمي مصالح الغرب، لينتهي الوضع ببلداننا العربية إلى كيانات فوضوية بلا مؤسسات دولة ولا سيادة وطنية. أليس هذا يجري السعي لتحقيقه في العراق وسوريا وليبيا واليمن؟ أليس هذا ما كان يفترض تحققه في البحرين في 2011؟ مازالت الذكرى قريبة والسنوات معدودة لننسى ما حدث!
الديمقراطية ليست صيغة واحدة، وليست برنامجاً مقولباً لا حياد عنه. فالغرب صنع ديمقراطياته متعددة الصور والأشكال، عبر مئات السنوات التي بدأت بعصور التنوير، وكانت إرهاصاتها تطور فنون الرسم والنحت والموسيقى والشعر. احتاجت الديمقراطية البريطانية مئات السنوات لتستقر، وسقطت الثورة الفرنسية ثلاث مرات، وخاض الأمريكان حرب المئة عام ليتفقوا على قيمهم المدنية التي تخوض، اليوم، حرباً قاسية لإعادة تثبيتها. نزف الغرب شلالات من الدماء تفوق ما غرقنا نحن فيه كي يصير قِبلة للطامحين والطامعين والمعوزين و«الشكائين»، ومازال هذا الغرب يتهم بالنفاق والازدواجية والبرجماتية حين يتعلّق الأمر بمصالحه.
الإصلاح السياسي عملية مستمرة مشتركة لا نهاية لها، تقوم على الالتفاف الوطني والتمسك وبالاستقلال والسيادة الوطنية، ومد يد الاحترام والاعتراف إلى الآخر الشريك في الوطن، والتحاور معه هو، والتناقش في حضوره هو، والاتفاق والاختلاف في الحوار معه هو المشروع الوطني يستدعي امتلاك أصحابه لبرنامج ومشاريع وحلول للقضايا الوطنية، أن يكتنز الفرد بالأطروحات المنبثقة من خصوصية الوطن، وليس النضال الوطني أن يجلس النشطاء مفلسين على طاولة السفراء يطالبون بالحلول الجاهزة المفروضة من الخارج.
نحن نحترم الدولة الأمريكية، ونقدر هيمنتها السياسية والحضارية، لكننا نطمح بعلاقات متكافئة، تعزز مصالح البلدين، علاقات لا تُهدر فيها سيادتنا الوطنية، وأمننا الوطني.
زيارة مجموعة من الشخصيات البحرينية لمنزل السفير الأمريكي، خلقت لدى شعب البحرين صورة مماثلة لحالة التعجب والتساؤلات السابقة. فما تسرب عن فحوى الاجتماع هو مناقشة «زوار البيت الأمريكي» لشؤون داخلية مع سعادة السفير، وسكبهم شكاوى مريرة عن التمييز وما وصفوه بقانون العزل السياسي والحد من الحريات السياسية في البحرين. ومن المسائل المقلقة التي تسربت عن هذا الاجتماع هو طلبهم من السفير الأمريكي حث الإدارة الأمريكية على التدخل في القضاء البحريني وإبطال بعض الأحكام، ومطالبتهم الإدارة الأمريكية بممارسة الضغوط على السلطات البحرينية لتغيير سياساتها. والمؤسف جداً أنه بعد كوارث ما سمي بـ«الربيع العربي»، مازال بعض الناشطين العرب يتوهمون أن حلول مشكلاتنا الوطنية يمكن التفاهم عليها في «البيت الأبيض» الأمريكي.
مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تعمل عليه الإدارات الأمريكية المتلاحقة ليس وهماً أو نظرية مؤامرة من خيالات بعض المثقفين، إنها وثائق وتصريحات وبرنامج عمل ذات طابع عملي عبّر عنه كافة المسؤولين الأمريكان. فالمنطقة العربية في نظرهم هي منطقة ثروات هائلة يكتنفها الصراع الطائفي، ولا حل لتلك الصراعات إلا بإعادة ترسيم الخرائط لتستقل كل طائفة بنصيبها من الجغرافيا، وينتهي الصراع، وستكون هذه الكنتونات الطائفية مكبلة بالقرارات الدولية التي ستشرف على شؤونها السياسية وتضع يدها على ثرواتها وتنظم استثمارها بما يحمي مصالح الغرب، لينتهي الوضع ببلداننا العربية إلى كيانات فوضوية بلا مؤسسات دولة ولا سيادة وطنية. أليس هذا يجري السعي لتحقيقه في العراق وسوريا وليبيا واليمن؟ أليس هذا ما كان يفترض تحققه في البحرين في 2011؟ مازالت الذكرى قريبة والسنوات معدودة لننسى ما حدث!
الديمقراطية ليست صيغة واحدة، وليست برنامجاً مقولباً لا حياد عنه. فالغرب صنع ديمقراطياته متعددة الصور والأشكال، عبر مئات السنوات التي بدأت بعصور التنوير، وكانت إرهاصاتها تطور فنون الرسم والنحت والموسيقى والشعر. احتاجت الديمقراطية البريطانية مئات السنوات لتستقر، وسقطت الثورة الفرنسية ثلاث مرات، وخاض الأمريكان حرب المئة عام ليتفقوا على قيمهم المدنية التي تخوض، اليوم، حرباً قاسية لإعادة تثبيتها. نزف الغرب شلالات من الدماء تفوق ما غرقنا نحن فيه كي يصير قِبلة للطامحين والطامعين والمعوزين و«الشكائين»، ومازال هذا الغرب يتهم بالنفاق والازدواجية والبرجماتية حين يتعلّق الأمر بمصالحه.
الإصلاح السياسي عملية مستمرة مشتركة لا نهاية لها، تقوم على الالتفاف الوطني والتمسك وبالاستقلال والسيادة الوطنية، ومد يد الاحترام والاعتراف إلى الآخر الشريك في الوطن، والتحاور معه هو، والتناقش في حضوره هو، والاتفاق والاختلاف في الحوار معه هو المشروع الوطني يستدعي امتلاك أصحابه لبرنامج ومشاريع وحلول للقضايا الوطنية، أن يكتنز الفرد بالأطروحات المنبثقة من خصوصية الوطن، وليس النضال الوطني أن يجلس النشطاء مفلسين على طاولة السفراء يطالبون بالحلول الجاهزة المفروضة من الخارج.
نحن نحترم الدولة الأمريكية، ونقدر هيمنتها السياسية والحضارية، لكننا نطمح بعلاقات متكافئة، تعزز مصالح البلدين، علاقات لا تُهدر فيها سيادتنا الوطنية، وأمننا الوطني.