يبدو أن أوكرانيا وقعت في فخ الدول الغربية، وأكلت طُعمها، بعدما تم استدراجها إليه، وهو مناكفة روسيا بكل ما فيها من قوة وجبروت وهيمنه، وكأن درس «القرم» لم يكن كافياً للأوكرانيين، فذهبوا لاستفزاز الروس أكثر عبر جسر «الناتو» التي ظنت أوكرانيا أن العبور إليه سيكون سهلاً وميسراً، فكانت هي وشعبها الضحية.

مشكلة أوكرانيا أنها لم تعرف حجمها، واحتمت بستار من ورق، وظنت أنه مانعها من روسيا وحاميها منها، فوضعت مصيرها بين يدي غيرها، خاصة وأن هذه «الغير» لابد أن تُحسب له حساباً، فلا يمكن استصغاره أو التقليل من شأنه وحجمه، ولكن روسيا اعتبرت الموضوع مساساً بأمنها وتهديداً لاستقرارها، فحلف «الناتو» لم يكن على وفاق معها وهو بعيد عن أرضها، فكيف سيكون الوضع إن اقترب من حدودها عبر أوكرانيا؟

ورغم التحذيرات الروسية وتهديداتها لأوكرانيا بعدم ارتكاب ذلك الخطأ الشنيع، إلا أن الأخيرة لم تستجب، وأسندت ظهرها كلياً على غيرها، واعتبرت الموضوع «سيادي»، وكأن السيادة تعني أن تهدد غيرك بها، وتقوض أمنه وتربك استقراره، وهذا ما لم تسمح به روسيا، فبادرت بما تعتقد أنه حماية لها، وبمجرد تنفيذها لعمليات عسكرية في شرق أوكرانيا، رأينا الجميع تخلى عن هذه الأخيرة، وابتعد وقت الجد عنها، لتجد أوكرانيا نفسها وحيدة في أرض المعركة، ومن كانوا معها يؤازرونها ويدعمونها بل ويحرضونها على الروس جميعهم ابتعدوا، بالرغم من استمرار صراخهم على روسيا، ولكن بنظام «عن بُعد».

أوكرانيا ارتكبت أخطاء فادحة، وناطحت من هو أكبر وأقوى منها في كل شيء، ولعل لجوءها إلى من تعتبرهم روسيا أعداء تاريخيين لها كان من أبرز أخطاء أوكرانيا، التي فضلت الغريب على القريب، وظنت أنه سيحميها منه وسيمنعها عنه، ولكن لأنه «غريب» فلم يكترث لأوكرانيا، وسرعان ما ابتعد ونفذ بجلده، بمجرد وقوع الفأس الروسي على الرأس الأوكراني.

إن تغليب لغة الحوار والدبلوماسية الفعالة هي المطلوبة في هذه المرحلة، وليس استفزاز روسيا أكثر، لأن هناك الشعب الأوكراني الذي وقع ضحية هذا الصراع الغربي الروسي، لذلك أعتقد إنه من الحكمة الآن تهدئة الأوضاع مع روسيا، حتى لو اعُتبر ذلك نصراً لها في هذه المرحلة، إلاّ إذا كان الغرب هدفه استنزاف روسيا لأغراض مستقبلية أخرى؟ عندها سيكون هناك حديث آخر.