دعا الباحثون المشاركون في فعاليات "المؤتمر الإقليمي لعصور ما قبل التاريخ وفجر الحضارات في المنطقة العربية” للمحافظة على المواقع الأثرية في البلدان العربية ووضع حد لحالات الاعتداء على تلك المواقع، مشيرين إلى أهمية دور وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والثقافية في تنمية الوعي الأثري. وأوضحوا خلال جلسات المؤتمر، الذي تستمر أعماله حتى 2 مايو المقبل، أن المواقع الأثرية الهامة في العراق تأثرت بواقع الحروب وتعرضت للكثير من أعمال التخريب والنهب والسرقة، كما تعرضت مواقع أخرى إلى تجاوزات القوات المتعددة الجنسيات. كما تعددت حالات السرقة والتخريب على المواقع الأثرية في الأردن.كما أشاروا إلى أن علماء الآثار لم يتمكنوا من رسم بعض خطوط الصورة المتعلقة بما قبل التاريخ إلا منذ السبعينيات، ويمكن للمرء الآن أن يقرر إجمالاً أن أرض اليمن احتوت حضور الإنسان منذ العصر الحجري القديم.وألقت الدكتورة منيرة الرياحي في اليوم الأول من المؤتمر الإقليمي، الذي افتتحه صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المفدى، رئيسة المجلس الأعلى للمرأة مساء أمس الأول، نظرة عامة لعصور ما قبل التاريخ والمواقع الأثرية في المنطقة العربية، وقالت : "إن لكل أمة عريقة تراث مشهود وتاريخ وتعرف البلدان والأمم الناهضة من خلاله، وهو رصيد للمنطقة العربية والتراث الإنساني، وبرهنت التنقيبات مدى تجذر هذا التراث منذ أقدم العصور”.وأضافت الرياحي: "منذ ما يناهز القرن والنصف استقطبت العلوم الإنسانية علوم ما قبل التاريخ واستهوت الجميع، وقد كان للمنطقة العربية نصيباً وافراً منذ القرن 19 إلى القرن 20 الأمر الذي مكن من إبراز المنطقة التي دلت عليها الأدوات الحجرية البارزة على سطح الأرض، وما تبعها من عوامل طبيعية، وتراكمت المصادر العينية والمكتوبة والتي كونت أرشيفاً لتلك الحقب، إلا أنه التعاطي يظل نادراً لضعف الإمكانيات البشرية والمادية وعدم توافر كل تلك الاختصاصات التاريخية لعلم التاريخ”.ورأت أن المنطقة العربية سجلت تنوعاً في مكوناتها وأوديتها وسواحلها ومواقعها الجغرافية المميزة بالانخراط في التاريخ البشري، والتي أثبتت تطور الثقافات والمجتمعات منذ أقدم التاريخ وفجر الحضارات”.عصور ما قبل التاريخ في العراقكما استعرضت الدكتورة مريم موسى من العراق بعض تفسيراتها حول العصور ما قبل التاريخ المكتشفة في العراق قائلة: "يعد العراق من المناطق التي ضمت التراث العالمي لشعوب وطئت مدنه وقراه منذ العصور القديمة ورسمت خارطة القديم وخطت ركابها في أرضه، شماله ووسطه وجنوبه، وطبعت على أديم العراق حضارتها، علومها ومعارفها وفنونها وباتت اليوم تلال منشرة في كل مكان”.وأضافت موسى: "العراق يحتضن آلاف المواقع الأثرية التي لا تزال بحاجة إلى البحث والتنقيب فضلاً عن مواقع أخرى شملتها أعمال التنقيب تعود في تاريخها إلى أدوار حضارية مختلفة ومنها عصور ما قبل التاريخ، وهي تلك العصور التي مرت في تاريخ الإنسان قبل أن يهتدي إلى اختراع وسيلة للتدوين، وقد درج الباحثون في الآثار على تسمية عصور ما قبل التاريخ بالعصور الحجرية وتقسم هذه العصور إلى أربعة عصور رئيسة، هي العصر الحجري القديم، العصر الحجري الوسيط، والعصر الحجري الحديث، والعصر الحجري المعدني. كما أشارت إلى المشاكل والتحديات، والعوامل البيئية الطبيعية، التي تعاني منها المواقع الأثرية بالشكل العام هو تأثيرات العوامل الطبيعية كالرياح والأمطار والعوامل البيئية كالمياه الجوفية، فيما العوامل البشرية تأثرت بواقع الحروب، خلال أحداث عام 2003 مما أدى إلى الكثير من أعمال التخريب والنهب والسرقة منها موقع بزيخ، شميت، مرد، أم العقارب، جوخه، أما، أيسن وغيرها. . كما تعرضت مواقع أخرى إلى تجاوزات القوات المتعددة الجنسيات وذلك باتخاذها معسكرات مثل بابل، كيش، أور، بينما الملكية الخاصة، حيث كانت أغلب المواقع الأثرية، تقع ضمن أراضي تعود إلى مواطنين، وهذا ما عرض المواقع إلى الكثير من التجاوزات كالزراعة والبناء.ماهية الإنسان الأولوتساءل الدكتور مهند السيامي من اليمن حول ماهية الإنسان الأول، إذ قال: "لم يتعرف العلماء على شواهد كافية ودالة على عصور ما قبل التاريخ في اليمن إلا منذ فترة وجيزة، فقد كانت المعلومات قليلة ومشتتة وتقتصر على بعض اللقى الأثرية من وادي حضرموت وأطراف صحراء الربع الخالي، ولم يتمكن علماء الآثار من رسم بعض خطوط الصورة المتعلقة بما قبل التاريخ إلا منذ السبعينات، ويمكن للمرء الآن أن يقرر إجمالاً أن أرض اليمن احتوت حضور الإنسان منذ العصر الحجري القديم فقد عثر على أدوات حجرية كان يستعملها الإنسان قديماً في عدة مواقع من اليمن مثل وادي حضرموت ومأرب ومعبر”.وأوضح السيامي أن الأبحاث الأثرية دلت في خولان الطيال على كثير من الأماكن التي كان يتم فيها عمل الأدوات من حجر الصوان، وكانت الأدوات تصنع في موقع الحجر نفسه من العقد الصوانية في الطبقات الصخرية الرسوبية المنتشرة إلى الشرق من مدينة جحانة، ويضاف إلى ذلك ما كشفت عنه المسوحات الأثرية في المنطقة الواقعة بين صنعاء ومأرب وذمار إذ تتميز هذه المنطقة بوجود مواقع أثرية من العصر الحجري الحديث وهي منازل منعزلة بيضاوية الشكل وكذلك تتميز بوجود أعمال حجرية دقيقة الصنع فيها.كما قال: "شهدت اليمن تطورات بيئية خلال فترة العصر الهولوسيني، تأثرت بسببها أجزاء منها، وتغيرت معها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والاستيطانية للناس فزادت مساحة الأراضي المتصحرة بعد أن جفت مياه الوديان فيها وتكونت الكثبان الرملية خصوصاً في أطراف الأجزاء الغربية والجنوبية للربع الخالي والمناطق الساحلية والتي تحولت إلى مناطق طاردة للسكان بعد أن كانت مواطن ملائمة للعيش تسكنها أعداد كبيرة من مجتمعات العصر الحجري الحديث، بينما ظلت مناطق المرتفعات الجبلية تعيش أوضاعاً مناخية رطبة وملائمة لاستمرار استيطان الإنسان فيها، ولتعيش فيها أنواع من الحيوانات البرية مثل الماعز والأغنام والأبقار والخنزير والوعل وأنواع أخرى، بالإضافة إلى ذلك كانت لا تزال مناطق ملائمة لنمو الأصناف المختلفة من النباتات والأعشاب والحشائش والحبوب التي كانت تنمو طبيعياً”.حضارة فلسطينوبدوره، شرح الباحث محمد الزواهرة من فلسطين الفترة الحجرية النحاسية ما قبل 6000 من اليوم، أي باستخدام العظام بالاعتماد على العينات والتي من خلالها تدرس، خاصة لتسليط ضوءه على تل المخجر، كما عرض خرائط توضيحية للمواقع التي اكتشفت في حضارة فلسطين.وذهب الدكتور وجيه كراسنة من الأردن في شرح عصور ما قبل التاريخ في الأردن وموقع بسطة في جنوب الأردن كنموذج، إلى جانب تصنيع الأدوات العظمية فيها في العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار، قائلاً: "تمتلك المملكة الأردنية الهاشمية مخلفات أثرية غنية جداً وتمتد فترتها من زمن الإنسان الأول وإن اكتشاف هذه المخلفات أو التراث الأثري الهائل والثمين والمحافظة عليه لهو مسؤولية عظيمة ومهمة، ويتميز الأردن بأنه يزخر بثروة غنية بالآثار والمواقع الأثرية التي تشهد على تاريخه العريق كمركز لتقاطع الحضارات والأمم التي مرت عبره، ولذلك يعتبر الإرث التاريخي التراثي واحد من أقوى الموارد السياحية في الأردن”.الآثار.. الشاهد على التاريخوقال كراسنة: "تعتبر الآثار الشاهد على التاريخ الحافل لهذه المنطقة وتعطي صورة مميزة عن كنز لا يضاهي، حيث وجدت في الأردن آثار تعود للعصور الحجرية، والبرونزية والرومانية والبيزنطية، والإسلامية، والعثمانية، وقامت هذه الحضارات على أرض الأردن، وهي حضارات مهمة وتتابع تاريخي تسجله تلك البقايا المادية سواء القائم منها على ظهر الأرض، أو الكامن في باطنها، أو محفوظ في المتاحف والمخازن الأثرية، وتشكل الاعتداءات على المواقع الأثرية في الأردن ظاهرة سيئة، بعد أن تعددت حالات سرقتها وتخريبها من قبل أفراد وجماعات تحاول التنقيب أو النبش عن الذهب والكنوز والدفائن.وتعد المواقع الأثرية والتراثية في الأردن الخريطة الجغرافية للقطاع السياحي الذي يعتبر بدوره من أبرز القطاعات الاقتصادية وأكثرها نمواً وأهمية بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، ورغم الجهود التي تبذل من قبل الجهات الرسمية، وخاصة دائرة الآثار العامة الأردنية لحماية المواقع الأثرية، إلا أنها ما تزال قاصرة عن حماية المواقع وتحصينها ضد الاعتداءات البشرية، إضافةً للعوامل الطبيعية، من نحت وتعرية تؤدي إلى تحطم وتدمير الآثار.وأكد أن هناك العديد من المواقع الأثرية تم الاعتداء عليها وسرقة ما فيها وتخريبها في وضح النهار وتحت أعين ومرأى بعض المواطنين، وتوجد العديد من قضايا التنقيب غير المشروع والاعتداء على المواقع الأثرية، وللمحافظة على المواقع الأثرية في الأردن ووضع حد للاعتداء لا بد من دور مهم لوسائل الأعلام والمؤسسات التعليمية والثقافية في تنمية الوعي الأثري، والوعي الأثري هو نقطة البداية في العمل الأثري، ولا بد أيضاً من إنشاء دراسات خاصة لخريجي الآثار، حول المواقع الأثرية في الأردن وكيفية المحافظة عليها والتصرف بالمقتنيات الأثرية، وخاصةً أن قضايا الآثار أمام المحاكم تأخذ سنوات حتى يتم البت بها، علماً أن قانون الآثار لسنة 1988، والمعدل المؤقت لعام 2002 يجرّم كل من يقوم بالتنقيب عن الآثار، ويتاجر بها.هموم وشجون الآثاروشدد الدكتور محمد النجار من سوريا على مناقشة وهموم وشجون الآثار، قائلاً في ورقته أن 11 ألف وسبعمئة سنة من الآن هي الفترة المشهورة في بلاد الشام وبها وضع الإطار الجغرافي، إذ تشكل بدايات الاستقرار للمجتمعات البشرية وهي فترة مهمة في فهم تطور المجتمعات البشرية المتطورة، ومن العمارة ندرس التغيرات الاجتماعية التي حصلت في تلك الفترة، خاصة وأنها تجسد طرق الإنتاج العمل الاجتماعي، كما أن فترة العصر الحجري بدأ بقوة، والزراعة ليست شرطاً مسبقاً للاستقرار، فالاستقرار بدأ قبل الزراعة.