أصدر الروائي البروفيسور صبري خاطر عميد كلية الحقوق بجامعة البحرين سابقًا رواية جديدة حملت عنوان «منفى للرجل الماكر»، تدور أحداثها حول شخص يُدعى أحمد السندان، يأتي أحمد من المدنية ويندمج في القرية النائية التي وصل إليها، قدّم للأهالي منتج «الحداثة» على قوالب متعددة من المضمون والأفكار والتطبيقات والمهنة، تزوج امرأة تُدعى خديجة من بنات القرية، ثم يُقتل طفلان ويظلّ الفاعل مجهولاً في الرواية حتى آخرها، أبناؤه أم أبناء خديجة أم ماذا؟. إنّ ما شجعني لمناقشة بعض مظاهر الرواية الفنية والموضوعية والأدبية في الحقيقة هو التفاعل الذي أوجدته الرواية في الأوساط الثقافية العراقية لدى نفر من الأسماء المعروفة في النقد الأدبي. الروائي راسم الحديثي أثنى على الرواية مؤخرًا من حيث التماسك البياني والقوة التعبيرية وامتدح الرواية وأسلوب كتابتها، ثمّ ما لبث أنّ عرض بعض الأحداث قائلًا بأنها غير مقنعة كوجود مركز للشرطة في القرية، وتحدّث عن اضطراب أحداث الرواية حتى فقدان السيطرة على متغيرات الحدث كما يرى. أما الروائي علوان السلمان، فقد علق بكون الرواية تخوض في عالم القرية «المكانية» والمتغيرات «الزمانية»، تسيطر كل شخصية منها على جزءٍ من النص، على ذكرى محددة، الرواية – وفق العلوان- مليئة بالحمولات الاجتماعية وهذا صحيح.
في تقديري، أنّ النصَّ الروائي، تفنّن فيه كاتبه بالأساليب البيانية في لغة الحوار وأحسن اختيار العبارات للدلالة على مقاصده عبر اختياراته التصويرية الواقعة ضمن سياق الأحداث. أما من الوجهة السردية فإنها تكشف للقارئ المفارقات بين الأزمان والبنى الثقافية. فالنص مليء بشواهد الألفة والتضامن الذي يتسم به المجتمع القروي، وقيمة التعاضد الاجتماعي التي نفقدها في واقعنا المعاصر، يتتبع النصّ أيضًا الجذور المعرفية للكيفية التي تصنع فيها الإشاعة في المجتمع، تقترب أيضًا من دور الخرافة في المجتمعات القروية كصورة لمجتمعات ما قبل الدولة القطرية الحديثة، وهو ما تولت «أم عزيز» فيه دورًا محوريًا في صناعة الحكايات وتماسك مصداقيتها. كما لا تغيب القوة الناعمة ووسائلها فهي حاضرة بموضوعها وفي من يمارسها. في قراءتي للنص تمثل «خديجة» الشخصية المنتصرة لامتلاكها زمام القوة الناعمة، فهي المرأة الذكية ذات الجاذبية، لا بل هي البراغماتية في الرواية حيث تولد «اللذة» من رحم «الألم»، كيف لا وقد «تركت القرية. باعت البيت والأرض التي حوله. واستقرت في المدينة، قيل إنها أصبحت تاجرة معروفة في المدينة تتاجر في كل شيء». وقبل ذلك خالفت قواعد السلوك الكلاسيكية فيما يتعلق بدور المرأة في مجتمع القرية، لغرضٍ ما، ماديًا كان أو معنويًا.
الرواية في تقديري إعلان اقتراب بين شخصيتين للراوي، شخصيته كأستاذ قانون، وشخصيته كأديب. طالما افترقت الشخصيتان، بل حاول الراوي التفريق بينهما كثيرًا في أعماله الأدبية السابقة. والذي يبدو لي أنه بدء في الاقتراب من خلال هذه الرواية. ففيها من عالم الجريمة وممارسات التحقيق وسلطة الاتهام، وأثر ذلك في الوعي الجمعي والصورة الذهنية التي يخلقها الإعلام في تصوّر الجمهور للدور المنوط بمؤسسات إنفاذ القانون، كما تشير الرواية لأسرار مهنة الطب في قضية تمسّ الضمير الأسري الحساس في قضية الإنجاب، وفيها من الفعل البوليسي عبر تدخل شرطة المدينة في حوادث القرى النائية، وفيها تحالف المال والسلطة والدين وفق قواعد المصلحة ولو اجتمع النقيضان كما حدث في اجتماع أحمد وشمس الدين رجل الجامع، فيها إشارة إلى الاشتراكية كنظام اقتصادي له قواعده التشغيلية التي تعكس فكرة قانونية ما، فيها المحاكمات أو قُل أشباه المحاكمات التي تتسم بطريقها القصير في تنفيذ العدالة كما يراها المُنفذ. والأهم من ذلك أنّ هذه الرواية تحملك للعودة إلى مجتمع ما قبل الدولة، في مناقشة بنية المجتمع وأحماله الثقافية وقوالبه العقلية وقيمه الاجتماعية والروحية، وتأخذك الرواية إلى بدايات الانتقال إلى صيغة الدولة الحديثة ودخول «الحداثة» من خلال أثرها على التماسك المجتمعي وانعكاس تطبيقاتها في أسفل القاع، لهذا يناقش الراوي مرحلة ما بين البنى الثقافية ويرصد تحرّك القوالب النمطية، أي متغيرات الوعي الثقافي البيني في فهم فكرة الدولة وإدراك الدور التأسيسي الذي تلعبه المعرفة والأيديولوجيا من خلال مشاهدة هذه المتغيرات في التطبيق اليومي والاقتراب من الواقع كما هو.
في تقديري، أنّ النصَّ الروائي، تفنّن فيه كاتبه بالأساليب البيانية في لغة الحوار وأحسن اختيار العبارات للدلالة على مقاصده عبر اختياراته التصويرية الواقعة ضمن سياق الأحداث. أما من الوجهة السردية فإنها تكشف للقارئ المفارقات بين الأزمان والبنى الثقافية. فالنص مليء بشواهد الألفة والتضامن الذي يتسم به المجتمع القروي، وقيمة التعاضد الاجتماعي التي نفقدها في واقعنا المعاصر، يتتبع النصّ أيضًا الجذور المعرفية للكيفية التي تصنع فيها الإشاعة في المجتمع، تقترب أيضًا من دور الخرافة في المجتمعات القروية كصورة لمجتمعات ما قبل الدولة القطرية الحديثة، وهو ما تولت «أم عزيز» فيه دورًا محوريًا في صناعة الحكايات وتماسك مصداقيتها. كما لا تغيب القوة الناعمة ووسائلها فهي حاضرة بموضوعها وفي من يمارسها. في قراءتي للنص تمثل «خديجة» الشخصية المنتصرة لامتلاكها زمام القوة الناعمة، فهي المرأة الذكية ذات الجاذبية، لا بل هي البراغماتية في الرواية حيث تولد «اللذة» من رحم «الألم»، كيف لا وقد «تركت القرية. باعت البيت والأرض التي حوله. واستقرت في المدينة، قيل إنها أصبحت تاجرة معروفة في المدينة تتاجر في كل شيء». وقبل ذلك خالفت قواعد السلوك الكلاسيكية فيما يتعلق بدور المرأة في مجتمع القرية، لغرضٍ ما، ماديًا كان أو معنويًا.
الرواية في تقديري إعلان اقتراب بين شخصيتين للراوي، شخصيته كأستاذ قانون، وشخصيته كأديب. طالما افترقت الشخصيتان، بل حاول الراوي التفريق بينهما كثيرًا في أعماله الأدبية السابقة. والذي يبدو لي أنه بدء في الاقتراب من خلال هذه الرواية. ففيها من عالم الجريمة وممارسات التحقيق وسلطة الاتهام، وأثر ذلك في الوعي الجمعي والصورة الذهنية التي يخلقها الإعلام في تصوّر الجمهور للدور المنوط بمؤسسات إنفاذ القانون، كما تشير الرواية لأسرار مهنة الطب في قضية تمسّ الضمير الأسري الحساس في قضية الإنجاب، وفيها من الفعل البوليسي عبر تدخل شرطة المدينة في حوادث القرى النائية، وفيها تحالف المال والسلطة والدين وفق قواعد المصلحة ولو اجتمع النقيضان كما حدث في اجتماع أحمد وشمس الدين رجل الجامع، فيها إشارة إلى الاشتراكية كنظام اقتصادي له قواعده التشغيلية التي تعكس فكرة قانونية ما، فيها المحاكمات أو قُل أشباه المحاكمات التي تتسم بطريقها القصير في تنفيذ العدالة كما يراها المُنفذ. والأهم من ذلك أنّ هذه الرواية تحملك للعودة إلى مجتمع ما قبل الدولة، في مناقشة بنية المجتمع وأحماله الثقافية وقوالبه العقلية وقيمه الاجتماعية والروحية، وتأخذك الرواية إلى بدايات الانتقال إلى صيغة الدولة الحديثة ودخول «الحداثة» من خلال أثرها على التماسك المجتمعي وانعكاس تطبيقاتها في أسفل القاع، لهذا يناقش الراوي مرحلة ما بين البنى الثقافية ويرصد تحرّك القوالب النمطية، أي متغيرات الوعي الثقافي البيني في فهم فكرة الدولة وإدراك الدور التأسيسي الذي تلعبه المعرفة والأيديولوجيا من خلال مشاهدة هذه المتغيرات في التطبيق اليومي والاقتراب من الواقع كما هو.