لم يكن حادث تفجير قرية سترة في الـ28 من يوليو الجاري واستشهاد فردين من رجال الشرطة كانوا يؤدون الواجب إلا واحدا من التداعيات الكثيرة التي أسفرت عنها التدخلات الإيرانية في الشأن البحريني، والتي زادت كثافة من بعد أحداث عام 2011، وامتدت حتى اللحظة، وكان آخرها تصريح "خامنئي" الذي يبدو وكأنه إشارة أو إيذانا لإثارة عمليات الفوضى والتخريب بالمملكة.ولا أدل على ذلك سوى المعلومات الأولية التي تم الكشف عنها قبل سويعات قليلة، وأفادت بأن المتفجرات المستخدمة في حادث سترة هي من نفس نوع المتفجرات التي تم إحباط تهريبها إلى المملكة عبر البحر يوم 25 يوليو 2015 الجاري، وأقر فيها المتورطون بالتنسيق مع إيرانيين لاستلام المتفجرات عبر مياه الخليج وبتورطهم في عمليات تهريب سابقة استخدموا فيها نفس الوسيلة لجلب المتفجرات والذخائر ومن ثم استخدامها في ارتكاب عمليات عنف وإرهاب داخل المملكة.وحسب الدراسة المعنونة بـ"التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية البحرينية"، والتي أعدها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، وقامت وكالة أنباء البحرين "بنا" باستعراض محتوياتها في تقرير سابق، فإن العديد من مظاهر التدخل الإيراني في الشأن الوطني ساهمت بشكل أو بآخر في استمرار نهج التصعيد والحض على التطرف تحت دعاوى معينة والدفع نحو ارتكاب عمليات العنف والإرهاب داخل البحرين.وفي حقيقة الأمر، لم يتوان المسؤولون الإيرانيون بمختلف مستوياتهم عن الإساءة للبحرين والتدخل في شؤونها وتأجيج المشكلات بها سواء عبر تصريحاتهم العدائية ومواقفهم المناهضة لها، أو عبر اتهاماتهم التي لا تستند لدليل على الأرض، ونالت من سمعة المملكة ومكانتها في شتى المحافل، أو عبر تورطهم المباشر في إشاعة الفوضى في المنطقة ككل، ومنها البحرين، وإقحام نفسها في مسائل لا تمت لها بصلة، ما أثار الكثير من الجدل حول مضامين التصريحات والمواقف الإيرانية ودلالات انخراطها المباشر وغير المباشر في شأن وطني خالص وارتباط ذلك بالمستجدات التي شهدتها البحرين مؤخرا، وبخاصة على صعيد تزايد مؤشرات العنف وجرائم الإرهاب التي ترتكب بحق الدولة ومؤسساتها النظامية المعنية بحفظ الأمن والاستقرار، وكان آخرها تفجير قرية سترة.ومن هنا يبدو مهما قراءة ارتباط مظاهر التدخلات الإيرانية في الشأن البحريني بتصاعد عمليات الإرهاب التي شهدتها المملكة، إذ بحسب التحديثات التي أعدها "مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية" لهذه التدخلات، وبخاصة خلال السنتين الأخيرتين 2013 وحتى 2015، وحصلت وكالة أنباء البحرين "بنا" على نسخة منها، فإنه يلاحظ:1 ـ أن هناك أكثر من 70 تصريحا وموقفا إضافيا أطلقها المسؤولون في إيران في الفترة من يونيو 2013 وحتى تصريح "خامنئي" الأخير في يوليو 2015 الجاري، إضافة لـ 160 تصريحا وموقفا عدائيا بثتها إيران وتابعوها والمحسوبون عليها منذ بعد اندلاع الأحداث في البحرين في فبراير 2011 وحتى مايو 2013، وكانت "بنا" قد استعرضتها في تقرير سابق.2 ـ تصاعد تصريحات رئيس مجلس الشورى الإيراني ومسؤولي اللجان به وكذلك نوابه بمعدل 5 تصريحات إضافية لتصل إلى نحو 22 تصريحا في السنتين الأخيرتين بعد أن كانت 16 تصريحا في الفترة الأولى الممتدة من 2011 وحتى مايو 2013. 3 ـ لم يقتصر هذا التصاعد الحاد في نبرة العداء الإيرانية على ذلك فحسب، بل امتد إلى غيرهم أيضا ليشمل الكثير من المسؤولين الإيرانيين، ومنها تصريحات مسؤولي وزارة الخارجية سواء كان الوزير نفسه أو نائبه أو وكيل إدارة معينة أو مصدر مسؤول بها، والتي زادت من 14 إلى 25 تصريحا، منها تصريحان إضافيان لوزير الخارجية الحالي بعد أن كانت 9 تصريحات لوزير الخارجية السابق.4 ـ هناك زيادة بمعدل 6 تصريحات إضافية للمرشد الديني أو أحد نوابه بعد أن كانت 7 تصريحات، وذلك في السنتين الأخيرتين مقارنة بالفترة من 2011 وحتى 2013. 5 ـ دخول مؤسسات نظامية إيرانية أخرى على خط التصعيد ضد المملكة، منها: "مجلس الخبراء" بـ 3 تصريحات، والمرجعيات الدينية وخطباء الجمع هناك بمعدل 5 تصريحات، وتصريح واحد لكل من "مجلس تشخيص مصلحة النظام"، وأحد عناصر الحرس الثوري الإيراني.6 ـ التصريحات الإيرانية غير الرسمية زادت هي الأخرى بمعدل 3 تصريحات إضافية ما بين عامي 2013 و2015، هذا بجانب الملفات والتغطيات الصحفية الإيرانية من افتتاحيات ومقالات رأي التي زادت إلى 27 مادة صحفية بالمقارنة بـ 26 فيما بين عامي 2011 و2013. 7 ـ مشاركة حلفاء إيران وأذرعها في لعبة توزيع الأدوار التي تمارسها طهران لفرض الضغوط على البحرين، في إشارة إلى نحو 15 تصريحا لمسؤولين ورجال دين وسياسيين ومرجعيات عراقية، يأتي على رأسها تصريح لرئيس الوزراء العراقي نفسه، وكذلك الأمر بالنسبة للمرجعيات الدينية وبعض السياسيين اللبنانيين بمعدل 14تصريحا، منها 10 تصريحات لما يعرف بـ "حزب الله" وقيادته وكوادره وعناصره.وللتدليل هنا على حقيقة ما تسفر عنه وما تؤدي إليه التدخلات الإيرانية من عمليات عنف وإرهاب داخل المملكة، تجدر الإشارة إلى عدة دلالات مهمة:أولا: أن النهج الإيراني العدائي ناحية البحرين، خاصة خلال السنتين الأخيرتين، يرتبط وجودا وعدما بمشكلات العنف والإرهاب التي تتعرض لها البحرين، ولعل من المهم التأكيد على أن تفجيرات الدية والدراز والعكر وغيرها ارتبطت بالأساس بمواقف وتصريحات إيرانية ممنهجة، كما يلاحظ ذلك الارتباط بين التدخلات الإيرانية وزيادة حدة اللجوء للعنف، ولا أدل على ذلك من قضية توقيف مواطن بحريني اُتهم قضائيا بارتكاب جرائم التحريض والكراهية، وحُكم عليه بالسجن لمدة 4 سنوات، وحظيت القضية بردة فعل كبيرة من جانب ما يسمون بحلفاء إيران في المنطقة حتى وصل الأمر إلى تهديد البحرين بـ "دفع ثمن باهظ" في حال استمرار احتجاز هذا الشخص، في تهديد مبطن وغير مقبول من أجل إشعال أوار القضية والحض على العنف والإرهاب داخل البحرين.الثاني: إدراك وتصور صانع القرار الإيراني بشأن البحرين بدليل حجم التدخلات في الشأن الوطني البحريني والتي وصلت لدرجة دعم وإيواء الإرهابيين، وكأن الأمر قضية "إيرانية" خاصة تقع على رأس أولويات الدوائر الحاكمة هناك، ويعمل كل في موقعه بداية من المرشد الديني والرئاسة ووزارة الخارجية وعناصر الحرس الثوري وبالتعاون مع الأذرع الخارجية والحلفاء المنتشرين لإيران من أجل استغلالها واستخدامها أداة للضغط والابتزاز السياسيين. ومن ثم، فلا يمكن التهوين من جملة التصريحات والمواقف الإيرانية العدائية وتأثيرها السلبي على الساحة الداخلية البحرينية، إذ كونها تأتي من كبرى المؤسسات في النظام هناك وقياداته وكوادره، ومنها تصريحات مؤسسة المرشد الديني، وكان آخرها بمناسبة عيد الفطر، وادعى فيها أن بلاده "لن تتخلى عن دعم أصدقائها"، فإن ذلك يعني خطرا جسيما على البحرين.الثالث: التشابه المكرر في مفردات ومعان التصريحات والمواقف الإيرانية، وهي الرسائل الغامضة التي تحمل الكثير، أقلها الدفع نحو "التحرك" وممارسة أعمال الفوضى، حيث تتحدث جميعها أولا بالنيابة عن الآخرين، دون أن نعرف هل لطهران الحق في القيام بذلك، أو أن أحدا وَكلها لتولي هذه المهمة، وما هو موقفها إذا ما تحدث أحد في شؤونها الداخلية، كما ترفع شعار الدفاع عن "المظلومين المضطهدين"، في مغالطة وتضليل واضحين لما يحدث بالبحرين مقارنة بما يحدث داخل إيران نفسها، حيث تشكو الأقليات هناك وبشهادة الواقع والتقارير الدولية المنشورة عن حقيقة الوضع الذي يئن هؤلاء من وطأته، ولا يجدون نصيرا يرفع عنهم ما هم فيه، كما أن هذه التصريحات والمواقف تحوي الكثير من المبالغة والتضخيم بشأن دور ومكانة وقدرة إيران ذاتها على معالجة مشاكل الغير، وهي لا تستطيع معالجة مشكلاتها الخاصة، ناهيك بالطبع عما يمكن اعتباره إعطاء "الإذن" لأعوانها ومنح التفويض لأذرعها وربما خلاياها النائمة للفعل وإثارة العنف. الرابع: التزامن في توقيت صدور التصريحات والمواقف العدائية وبين الأحداث والمستجدات التي تشهدها الساحة البحرينية، مثلما أشير سلفا، وكأن هناك اتفاق مشترك يجمع الجهات المصدرة لهذه التصريحات والتي تقف ورائها، سواء في داخل إيران أو خارجها، وهي أداة تحليلية مهمة لكيفية تصرف بعض الدول وأعوانها وحلفائها وأذرعها، أو ما يسمى بالقوى اللا تناظرية، وسلوكياتها إزاء العالم الخارجي، وتكشف في الوقت ذاته كيف تمارس إيران لسياساتها الخارجية، والتي وإن كان بعضها لا يتم عبر بناها الرئيسية، خاصة وزارة الخارجية، أو وسائلها المعروفة كالدبلوماسية، فإنها لا تتوانى عن استخدام أدوات ووسائل أخرى حتى لو كان "عنفا" لتعبر عن نفس السياسة التي لا تريد أن تعبر عنها أو تمارسها مباشرة، وهو أمر جد خطير بالنظر إلى تداعيات إقحام عناصر أخرى غير منظورة وربما تكون "قذرة" كعمليات العنف في لعبة ممارسة الدبلوماسية والقوة بين إيران وغيرها من الدول، وفي مقدمتها البحرين.الخامس: الأهداف الداخلية التي ترغب طهران في تحقيقها من وراء تصريحاتها ومواقفها العدائية ناحية المملكة، وهي تتجاوز ما تعرفه أدبيات السياسة الخارجية بخصوص تحقيق رفعة شعبها وتنمية أصوله الاقتصادية وتحقيق الأمن القومي في حدودها الجغرافية المعروفة، لتعكس الرغبة العارمة في تصدير ونشر مبادئها وثقافتها إلى الغير، ولو بـ "القوة"، وتحقيق الهيبة والمكانة في أوساط من تدافع عنهم زورا في العالم، حتى لو كان ذلك على حساب الغير ودون سند حقيقي، الأمر الذي ينذر بمخاطر وتداعيات أكبر مستقبلا، إذ يعني ذلك أن طهران ربما تتحين الفرصة تلو الأخرى لتمارس دورا أكبر في الإقليم والمنطقة عبر تصريحاتها ومواقفها وتدخلاتها العدائية ناحية المملكة، وربما يتجاوز الأمر مستقبلا التصريحات والحملات الإعلامية المضللة لتشمل بجانب ذلك أمورا أخطر مما أشار إليها معالي وزير الداخلية البحريني حول تصدير الإرهاب وإيواء الإرهابيين، فضلا عن متفجرات حادث سترة التي تعود ضمنا لإيران.السادس: إمكانيات توظيف الدولة الإيرانية "الواسعة" لقدراتها ناحية تأجيج الساحة السياسية في الخليج ككل، والبحرين بخاصة، وهنا تبرز حقيقة يغض الكثيرون الطرف عنها وتتعلق بالفرص التي يتيحها الاتفاق النووي الأخير لطهران لتمارس دورا أكبر في الإقليم سواء بالاتفاق مع الدول الكبرى أو بعيدا عنها، وسواء عبر الأدوات الدبلوماسية أو غيرها من الأدوات كالتدخل والتحريض وإثارة النعرات الطائفية، وهي الفرص التي ستسحب من وزن وثقل الدول الخليجية العربية، وربما تخل بالتوازن الإقليمي برمته، وحسنا فعلت دول مجلس التعاون في موقفها ناحية التصدي للنفوذ الإيراني سواء في اليمن أو في سوريا أو في غيرهما، كما تُحسن البحرين فعلا في موقفها الأخير من رفض التصريحات الإيرانية، شكلا ومضمونا، واستدعاء سفيرها للتشاور، ما يعني أن المملكة قادرة مستقبلا وبالتعاون مع منظومة دول مجلس التعاون الخليجي وأصدقائها وحلفائها من الدول المحبة للسلام مجابهة أي محاولات إيرانية طائشة تهدد أمن الإقليم واستقراره.
Bahrain
تفجير (سترة) إحدى تداعيات التدخلات الإيرانية
29 يوليو 2015