في أخبار غير مؤكدة، تداولتها العديد من وكالات الأنباء، حول اتفاق بين المملكة العربية السعودية والصين على تحويل التبادل التجاري بينهما باليوان الصيني. تأتي هذه الأخبار في سياق الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني للسعودية. من جهة أخرى وقفت العديد من دول الخليج على الحياد المعلن من الحرب الدائرة في أوكرانيا، ورفضت دولة الإمارات العربية المتحدة التصويت ضد روسيا في مجلس الأمن وفي الأمانة العامة للأمم المتحدة، في الوقت ذاته رفضت دول الخليج رفع حصتها الإنتاجية من النفط لمعادلة أسعار الطاقة التي قفزت لأرقام قياسية نتيجة فرض عقوبات اقتصادية على روسيا. والقراءة الأولية للتوجه الخليجي تدل على اتجاه دول الخليج للاستقلال بمواقفها بمعزل عن مصالح أي طرف من أطراف الصراعات الدولية.

إعلامياً وعلى أرض الواقع يبدو الغرب بتكتلاته هو الأكثر حضوراً. صوت «الناتو» والدول الصناعية السبع وقمم دول العشرين هي التي تفرض سياساتها وأجنداتها في دول العالم، لكن ثمة نشاطاً شرقياً محموماً وتكتلات أخرى أكثر تنظيماً من التكتلات الغربية. منظمتا شنغهاي، وبريكس BRICS شهدتا صعوداً متنامياً وإنجازات كبيرة فيما بينها. تأسست منظمة شنغهاي في العام 2001 بعد مرور عام على الغزو الأمريكي لأفغانستان. وتتميز المنظمة ببنية فلسفية وهيكلية جعلتها فيما يقارب النظير للأمم المتحدة، بل إنها صارت تحضر اجتماعات الأمانة العامة للأمم المتحدة بصفة شريك. تضم المنظمة الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجاكستان والهند وباكستان، وغيرها، ومؤخراً انضمت إيران كعضو مراقب. وللمنظمة أمانة عامة وهيكلية منظمة تضبط اجتماعاتها وتنفيذ مشاريعها ومتابعتها لإنجازاتها.

وتقوم أهدافها على حماية الدول الأعضاء من التدخلات الخارجية باسم الإنسانية وحقوق الإنسان والدفاع عن سيادة الدول واستقلاليتها. وبشكل خاص تهدف المنظمة إلى مكافحة القلاقل والأزمات السياسية التي تتيح لأمريكا التواجد على حدود كل من الصين وروسيا. وتحارب المنظمة الإرهاب وتدريب الإرهابين وزرع المنظمات والشخصيات الإرهابية في دولها، وتكافح انتشار المخدرات، كما تسعى المنظمة إلى التصدي لصراع الحضارات وكراهية الأجانب والتمييز العرقي وتعمل على نشر الحوار الحضاري والقيم الإنسانية، وتسعى إلى خلق التوازن الاقتصادي بين دول الأعضاء لتخفيف الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تضر باستقرار دولها.

أما منظمة البريكس فتأسست عام 2006 من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وتهدف إلى النسيق السياسي والاقتصادي بين الدول الأعضاء، وهي منظمة ليس لها سكرتاريا أو هيكلية إلا أنها أنجزت العديد من المنجزات الملموسة مثل بنك التنمية الجديد الذي يوازي البنك الدولي والصندوق الدولي في عملهما، كما أن هذه الدول صارت مقرات جاذبة لرأسمال المال الأجنبي نتيجة سياساتها في تشجع التنافسية ومحاربة الاحتكار وضبط الإيقاع العام للحركة الاقتصادية.

وبتحليل بسيط لهاتين المنظمتين يتضح لنا أن الأعضاء الرئيسيين فيهما هم الصين وروسيا والهند، وأن تأسيسهما في بدايات القرن الحادي والعشرين جاء لمواجهة القطبية الأحادية للغرب بزعامة أمريكا التي انتهجت سياسة جديدة بالتوسع خارج أراضيها شرقاً مما يهدد دول كلتا المنظمتين، وهذا يبدو جليا في إصرار تلك الدول على محاربة التدخلات الخارجية والنزعات الانفصالية ومفاهيم صراع الحضارات. كما أن تلك الدول مجتمعة يشكل سكانها قرابة سكان نصف الكرة الأرضية، ومساحتها تقترب أيضاً من نصف جغرافيا الكون، وهي أغنى الدول بالموارد الطبيعية، وتمتلك أغلبها قوى عسكرية متقدمة، ورؤوساً نووية تشكل نصف سلاح العالم، مما يجعلها تكتلاً مقابلاً للنيتو وللدول الصناعية السبع وطرفاً لا يقل تأثيراً عن مجموعة السبع، وقد قطعت دول المنظمتين شوطاً بعيداً في التنسيق الاقتصادي فيما بينها، وفي تقريب مواقفها السياسة.

هذه المعطيات وغيرها جعلت دول المنظمتين أقطاباً جديدة في الواقع السياسي والاقتصادي الدولي يعول على التعامل معها في خلق حالة توازن تحمي باقي دول العالم من هيمنة دول بعينها، وخلقت بدائل اقتصادية وسياسية متنوعة تثري اقتصاد الدول وتساهم في تنميتها، وهذا ما سهل على كثير من الدول حالياً اتخاذ موقف محايد في الأزمة الأوكرانية برغم كل الضغوط الغربية والأمريكية، وما قد يساهم في تخفيف الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا على الكثير من الدول التي ستتعامل اقتصاديا بمرونة مع كافة الأطراف.