الحرة
لم يكن ميخايلو فيدوروف قد تجاوز من العمر 28 عامًا عندما جرى تعيينه على رأس لوزارة التحول الرقمي المنشأة حديثًا في أوكرانيا في عام 2019 حيث جرى تكليفه بقيادة الثورة غير الورقية في البلاد.
وبحسب تقرير خاص لصحيفة "إندبندنت" فإن فيدوروف ما كان ليعلم أن غزو روسيا لأوكرانيا، وبعد أقل من ثلاث سنوات من تسلمه منصبه، من شأنه أن يلقي بالبلاد في حالة من الفوضى، ويعرض النظام المصرفي للخطر، مما دفع الوزير الشاب إلى الدعوة إلى إضفاء الشرعية الفورية على العملة المشفرة.
ومنذ ذلك الحين، تم جمع أكثر من 100 مليون دولار من العملات المشفرة، وفقًا لبيان الوزارة، وبالتالي فإن ما كان في يوم من الأيام عملة غير قانونية أصبح الآن أحد الأصول الحيوية في مقاومة أوكرانيا للغزو الروسي.
وما بدأ كدعوة على وسائل التواصل الاجتماعي للتبرعات بالعملات المشفرة سرعان ما أصبح موقعًا إلكترونيا أنيقًا وسهل الاستخدام به علامة تصنيف وشعار جذاب تحت عنوان "ساعد أوكرانيا، ولا تتركنا وحدنا مع العدو"، ويحتوي على وروابط لإرسال عملات مختلفة، أو تحويل النقود التقليدية إلى حساب جمع التبرعات للبنك المركزي في البلاد.
وتدفقت التبرعات في المحفظة المشفرة الحكومية من خلال العديد من العملات الرقمية ، بما في ذلك بتكوين وإيثريوم وتيثر، وحتى دوغكوين التي غالبًا ما يتم السخرية منها.
وقال مزود تحليل تقنية "البلوك تشين" المعروف باسم Elliptic ومقره لندن إن التبرعات تضمنت صفقة واحدة بقيمة 1.86 مليون دولار يبدو أنها جاءت من عائدات بيع NFT (رمز غير قابل للاستبدال).
والرمز غير القابل للاستبدال (NFT) هو وحدة بيانات فريدة وغير قابلة للاستبدال مخزنة في سجل رقمي (سلسلة الكتل blockchain)، ويمكن استخدام NFTs لتمثيل العناصر القابلة للاستنساخ بسهولة مثل الصور ومقاطع الفيديو والصوت وأنواع أخرى من الملفات الرقمية كعناصر فريدة (مماثلة لشهادة الأصالة)، وذلك باستخدام تقنية "بلوك تشين" لإنشاء إثبات ملكية مؤكدة وعامة. لا يقتصر نسخ الملف الأصلي على مالك NFT ، ويمكن نسخها ومشاركتها مثل أي ملف، وتتميز هذه الرموز عن غيرها من العملات المشفرة مثل بتكوين بأنها غير قابلة للاستبدال.
ولكن مجموعة Elliptic حذرت من أنها حددت عمليات احتيالية لجمع الأموال المشفرة، لافتة إلى بعض القراصنة والمحتالين ربما يستغلون الموقف و"يخدعون الأشخاص الراغبين في التبرع لأوكرانيا ".
لكن هذا لم يمنع الأموال من التدفق، فوفقًا لوزارة التحول الرقمي، فإن التبرعات بالعملات المشفرة ساهمت في دعم برامج المساعدات الإنسانية والقوات المسلحة الأوكرانية.
وسيظل جزء من التبرعات رقميًا، بينما يتم تحويل البعض الآخر إلى أموال (تقليدية) وتحويلها إلى البنك الوطني الأوكراني، وفقًا للوزارة.
وأوضح فيدوروف، وهو أيضًا نائب رئيس الوزراء، عبرموقع الوزارة على الإنترنت: "تنقذ كل خوذة وسترة واقية من الرصاص وجهاز رؤية ليلية حياة الجنود الأوكرانيين"، وبالتالي "يجب أن نستمر في دعم المدافعين عنا. شكرًا جزيلاً للجميع في مجتمع العملات المشفرة لدعمهم أوكرانيا".
وقبل أقل من ستة أشهر، استخدم الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، حق النقض (الفيتو) ضد قانون يشرع التشفير الذي أقره البرلمان بحجة أن إنشاء وكالة حكومية جديدة للعملات المشفرة سوف يكون مكلفًا للغاية.
ولكن الأوقات العصيبة تتطلب اتخاذ تدابير صارمة، ليعلن نائب وزير التحول الرقمي، أليكس بورنياكوف، في 16 مارس الجاري أن زيلينسكي قد وقع على التشريع الخاص بالأصول الرقمية.
وقال بورنياكوف في تغريدة على موقع تويتر "أصبح التشفير الآن قانونيًا في أوكرانيا.. شكرا لك أيها الرئيس على الدعم. نعتقد أن صناعة العملات المشفرة توفر فرصًا اقتصادية جديدة، وسنبذل قصارى جهدنا لتحقيق المستقبل الجديد المشرق في أقرب وقت ممكن".
ولكن ليست الدولة فقط هي التي من المقرر أن تستفيد من التحرك نحو استخدام العملات المشفرة، فمن المرجح أن يرحب الأوكرانيون الذين كانوا يبحثون عن أنظمة مصرفية بديلة، خاصة أثناء الحرب، بإضفاء الشرعية على النقود الرقمية.
وقال عبد الرحمن بابير، مؤسس شركة كوردكوين، وهي بورصة عملات مشفرة في إقليم كردستان والعراق: "خلال حالات الحروب مثل الذي يحدث في أوكرانيا فإن خدمات البنوك سوف تتعطل ولن تعمل كالمعتاد".
وشهد بابير بنفسه الحاجة إلى العملات المشفرة في جميع أنحاء العراق وكردستان عندما سيطر تنظيم داعش الإرهابي على مساحات واسعة من العراق في عام 2014، مما دفع البلاد إلى الحرب بمشاركة تحالف دولي للقضاء على الجماعة المتطرفة.
قال لصحيفة "إندبندنت": "واجه الكثير من الأشخاص الذين لديهم أموال في البنوك مشاكل لأنهم لم يتمكنوا من سحب الأموال".
وبحسب بابير "فقد أصبح من الواضح تمامًا أن الكثير من الناس لا يستطيعون الوثوق في البنوك بأموالهم ويفضلون العملات المشرفة، نظرًا لسهولة تخزينها في هواتفهم الخاصة، مما يجعلها وسيلة موثوق بها للحفاظ على القيمة المادية بشكل أفضل مما لو وضعته في حساب مصرفي لا تتحكم فيه".
ومع ذلك، طمأن محافظ البنك المركزي الأوكراني، كيريلو شيفتشينكو، مواطني بلاده في وقت سابق من هذا الشهر خلال بيان رسمي بأن النظامين المصرفي والمالي في البلاد لا يزالان يعملان.
وقال إن البنك المركزي: "يفعل كل ما هو ضروري لضمان استمرارية المدفوعات النقدية وغير النقدية والتشغيل السلس للنظام المصرفي للدولة بموجب الأحكام العرفية".
وبالنسبة لمجتمع العملة المشفرة في أوكرانيا، فإن أفضل طريقة للمضي قدمًا بالاقتصاد هي الرقمية، وإذا تم تنفيذها بشكل صحيح فسوف تستمر لفترة طويلة بعد انتهاء الحرب مع روسيا.
وفي هذا الصدد، قال مؤسس بورصة كونا الأوكرانية للتشفير، مايكل تشوبانيان، لوكالة فرانس برس: "عندما نفوز في الحرب سنعيد بناء أوكرانيا باستخدام تقنية بلوك تشين، فلقد ساعدنا التشفير جميعًا".