دشن الأستاذ والباحث في المجال التراثي والشعبي محمد أحمد جمال كتابه (معجم الألفاظ والتعابير الشعبية) من منطلق حرصه على توثيق التاريخ البحريني والموروثات الشعبية التي يتميز بها الشعب والمجتمع البحريني، والذي جاء ثمرة للجهود التي قام بها الباحث بعد سنوات طويلة من تقديمه للبرنامج الإذاعي الشهير (معجم الألفاظ والتعابير الشعبية البحرينية) الدارجة في المجتمع، وقد توج ذلك بإصدار هذا الكتاب لما له من أهمية كبيرة في حفظ ذاكرة الثقافة الأصيلة في البحرين.ويعد هذا الكتاب الذي تم تدشينه بمركز عبدالرحمن كانو الثقافي، بحضور عدد من المثقفين والكتاب والإعلاميين، موسوعة غنية وثرية تضاف إلى المكتبة البحرينية إذ تتضمن الكثير من التعابير والألفاظ الشعبية، حيث اشتمل على العديد من الأسماء والأفعال البحرينية الشعبية، ومن خلال صفحات الكتاب تناول الباحث الكثير من الأمثلة الشعبية البحرينية، وذكر قصصها ومدلولاتها ومناسبات استخدامها.وفي الحوار الذي أجرته معه وكالة أنباء البحرين (بنا) أشار الأستاذ والباحث محمد جمال إلى "أن بداية التفكير في تأليف هذا المعجم تعود إلى عام 1972م، حيث كنت أعمل مشرفا للموسيقى في إذاعة البحرين، وكنت مُكلفا من قبل مديرها آنذاك المرحوم إبراهيم كانو بتسجيل الفنون الشعبية، خاصة أهازيج البحر قبل أن تنالها أيادي النسيان، فكنت كثير التردّد على الدُور الشعبية للتعرف على الفنون وأقسامها وطرق أدائها، لأتمكن من تجهيز المعدات وأجهزة التسجيل اللازمة لكل فن من الفنون ، وأذكر الصعاب التي قابلتني أثناء التسجيل وأهمها ، صعوبة السيطرة على أصوات الآلات الإيقاعية لعدم تقيد العازفين بإرشادات المهندس، وما يستوجبه التسجيل من رفع الصوت أو خفضه في أوقات مختلفة وكانت الجماعة تغني بالسليقة، وعلينا التعامل مع هذا الوضع، وفي إحدى المرات طلبت من النهام أن يرفع صوته في أدائه الانفرادي، وأذكر أني قلت له: (عل من صوتك) ويبدو أنه لم يستوعب قولي، فتطوع أحد الحضور وشرح مطلبي مخاطبا النهام: (أزعي) ففهم المطلوب وبدأ صوته الشجي يردد :يا فنجري واصعد الدوم جواعد البحر ضاعت يا بحر ما فيك معروف ضيعت شوقي وأنه آشوفواستطرد الباحث محمد جمال " وبعد الانتهاء من التسجيل ظلت تراودني تساؤلات عدة من أهمها لماذا لم يفهم النهام أمري له برفع الصوت ؟ مع أني خاطبته معتقدا بلغة يفهمها، ثم ما هي المفردة التي فهم منها الأمر، وماذا تعني ؟ وفوق كل هذا ، من هو الفنجري ؟ وما هو الدوم الذي سيصعده ؟، ولماذا قال النهام (جواعد) ولم يقل (يواعد) على ما جرت عليه العادة في إبدال الجيم ياء عند عامة أهل البحرين ؟ بل لماذا تبدل أصلا وعلى أي أساس ؟".وأوضح الباحث أنه لم يكن يدرك بتساؤلاته هذه أنه في الواقع كان يتساءل عن فكر الجماعة وميولها ورغباتها الدفينة ما ظهر منها وما بطن، وأنه من خلال الإجابة على هذه التساؤلات يمكن الكشف عن أحوالهم وطرق معاشهم وعاداتهم وأدواتهم، وما يؤمنون به من خرافة ، وما يتبعونه من تقليد وأعراف وطقوس تمس شتى نواحي الحياة السائدة في فترة زمنية غابرة تحدد في مجملها شكل الثقافة المعبرة عن ذاتهم ، وتبرز من خلالها الشخصية والهوية الوطنية .وقال "لقد وجدنا في مفرداتهم المتداولة وتعابيرهم الاصطلاحية صلة مباشرة باللغة العربية الفصحى، بظواهرها المعروفة عند أصحاب اللغة، ووجدنا بين ثناياها فوائد كثيرة تجري في ضمن هذيانهم معان غريبة لطيفة على حد تعبير ابن الخشاب، وأدركنا بأن الواجب الذي حتم علينا تسجيل الفنون الشعبية المواكبة لحقبة زمنية خلت، يحتم علينا أيضا وبنفس الزخم، وإعطاء هذه المفردات والتعابير حقها من الشرح والتدوين، فكلا المحورين يشكلان رافدا من نهر الثقافة البحرينية المتدفق، وان في توثيقها وشرحها كشفا عن جوانب من مقومات الشعب الفكرية والوجدانية وموقفهم من الحياة، فكان هذا الجهد المتواضع الذي لم يكن ليرى النور، لو لا حصوله على الدعم من لدن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، فالشكر كل الشكر للقائمين على هذا الديوان العامر،والشكر موصول للأستاذ الصديق حسن سلمان كمال لمراجعته اللغوية، وللسيدة سمية غانم شاهين لدعمها المعنوي وتحملها مشقة فك خط يدي، وصبرها وإخلاصها في طباعة هذه الصفحات".وجاء كتاب (معجم الألفاظ والتعابير الشعبية البحرينية) للحفاظ على ما تبقى من ارث لغوي شعبي في البحرين، بعد ابتعاد الشباب هذه الأيام عن اللهجة البحرينية واعتمادهم على اللغة الأجنبية في التواصل مع بعضهم البعض، وحتى لا تنسى ولا تندثر، للحفاظ على الشباب من هياج العولمة ولا حتى لا ينسون جذورهم وأصلهم وثقافتهم، فذلك يعتبر كالسلاح فنحن شعوب لها ثقافة عريقة وضاربة في التاريخ يجب أن لا ينفصل الشباب عن هذه الثقافة.واضاف "وبعد أن جاءت فكرة جمع المفردات، بدأت بتتبع المفردات واللهجة البحرينية من خلال برنامج إذاعي، حتّم عليّ تتبع أشياء كثيرة فلا يمكن ليّ أن أتحدث عن مفردة شعبية مثل (فريج) وأسكت لأن هناك عدة ارتباطات بكلمة (فريج) مثل اسم معين للفريج كوصف له كفريج الجلعة وفريج ستيشن، أو ارتباط الفريج باسم عائلة كـ(فريج العمامرة) وغيره من الفرجان".وقال الباحث التراثي محمد جمال "أن الكتاب احتوى بين طياته على العديد من الأبواب فكان الفصل الأول حول الكلمات الشعبية المتداولة ومنها (بعض ظواهر اللهجة البحرينية)، و"بعض الرموز والاصطلاحات اللغوية واستعمالاتها" ، و"في لغة الأطفال وألعابهم" و"من الألعاب الشعبية" و"في الحِرف والمِهن" ، و"أسماء الأمراض والظواهر الصحية" و"من التعابير الجارية على الألسنة" و"من التعابير القصصية" و"في الصفات والنعوت والألقاب" .وفي باب الألعاب الشعبية ذكر الكاتب لعبة (الخبصة) وهي لعبة كانت تلعبها الفتيات حيث تقوم من عليها الدور بدس عدد من الخرزات في كومة رمل بحيث يختلط الخرز بالتراب ثم تقوم بتقسيمه إلى كومات أصغر وعلى زميلتها أن تختار أحدهما ويكون ما بها من خرز من نصيبها ومفردة الخبصة من (خبص) الفصيحة وتعني خلط ومن هنا جاءت التسمية، هذه اللعبة معروفة عند العرب باسم "المفايله" وقال الشاعر طرفة بن العبد يصف سفينة :يشق حباب الماء حيزومها بها كما قسم الترب المفايل باليد وجاء في القاموس (المفايلة) لعبة لفتيان الأعراب يخبئون الشيء في التراب ويقسمونه بقسمين ثم يقول الخابئ لصاحبه: في أي القسمين هو؟ فذا أخطأ قال له: فال رأيك بمعنى لم يحلفك الصواب.أما في باب الحرف والمهن أطلق اسم الحداق على صائد السمك بالسنارة، قال حنظل أنها من حدج على الابدال وتعني رماه بسهم وقد شبهوا السنارة برأسها المدبب بالسهم، وفي كتاب الاشتقاق الذي يؤصل الأسماء تحدث ابن دريد عن شخص يدعى حدّاق بن شفيق فقال "اشتقاق هذا الاسم من أحد شيئين أما من حدق العيون، أو من حدق السمك وهو صيده" ، ولم تذكر أي من القواميس اللغوية هذه المفردة بالمعنى المذكور ويبدو أنها كانت معروفة عند العامة، أقول ربما هي صيغة مبالغة من (حاذق) الفصيحة على الابدال وتعني الماهر، ومن المعروف أن الصيد بالسنارة يحتاج الى مهارة لا تحتاجها الوسائل الأخرى كالشباك والحظور.واوضح " لدينا تعابير جامعة تختلف عن الأمثال ولكن للأسف حصل خلط بينها ، والامثال لها تصنيفات ، كالحكمة ، والقول المأثور ، والحديث النبوي الشريف ، ولا يجور الخلط بينهم ، لذلك وضعت تصنيف في الكتاب تحت باب التعابير الجارية على الألسنة مثل "دخيل الله" وهي من الاصطلاحات المستعملة في الاستعطاف والترجّي يقول أحدهم: داخل عليك بالله أن تفعل كذا وكذا ودخليك لا تعمل كذا وكذا ، دخيل لرجل في اللغة: من بطنته وصاحب سرّه، ومن الأمور المتعارف عليها في المجتمعات البدوية كما ذكر ديكسون في كتابه (عرب الصحراء) أن يأتي أحدهم وقد ارتكب جريمة، إلى شيخ قبيلة أخرى طالبا أن يكون دخليه، فيعطيه ذلك أم بكلمة يشيعها بين القبائل أو بتزويده بعصا او ناقة تحمل وسم القبيلة فيكون في مأمن.وضمنت الكتاب باب (من التعابير القصصية)، حيث يقال في أحد التعابير "من الماي للماي" ويحكى ان امرأة كانت تشتري الحليب من المزارع ثم تقوم بغشه وخلطه بالماء وإعادة بيعه على بيوت الحي، فلما زادت مدخراتها قررت شراء بقرة لتزيد دخلها من المال الحرام، وفي أحد الأيام جاء من يخبرها بأن البقرة سقطت في الترعة ونفقت، فأخذت تردد بصوت خافت: من الماي للماي، أي أن الثروة التي جنتها من بيع الماء تبددت في الماء، يضرب هذا المثل للذي ينفق ماله المكتسب دون جهد في أمور لا تنفع.وأشار إلى أن هناك العديد من الصفات والنعوت والألقاب التي يطلقها الشعب البحريني على من وهبهم الله عاهة معينة أو عيب خلقي، أو يتصفون بأحد الأوصاف السيئة، كمصطلح (جنكلي) والتي تعني المتوحش والذي لا يراعي الأخلاق العامة في سلوكياته ، نسبة إلى جنكل jungle من اللغة الانجليزية وتعني غابة ، ويطلقها البحرينيون على الهنود الحمر وهذا من تأثير الأفلام الأمريكية التي أظهرتهم بهذا المظهر.واشتمل الفصل الثاني تحت اسم (مصطلحات الغوص والبحر) عن المصطلحات البحرينية ومنها (التعابير والأمثال البحرية)، و(أسماء الرياح ومواسم الفصول)، و(مفردات منتقاة من البيئة البحرية)، و"أسماء الأسماك والكائنات البحرية" ، و"أسماء السفن البحرينية" .حيث لا يشكل البحر مصدرا للرزق فقط بالنسبة للبحرينيين، بل شكل منهجا حياتيا كاملا وأسهم بشكل كبير في صياغة حياة الإنسان المادة فوق هذه الجزر وكوّن مجتمعا عُرف لدى المؤرخين بمجتمع الغوص الذي افرز بدوره عددا من الصناعات والحرف التابعة له والتي انتهت أو كادت تنتهي بانتهائه، ومن أشهر التعابير والأمثال البحرية التي تتردد كثيرا بين الناس والقله القليلة تعرف معناها هي "أقول له يوش يقول دامن" واليوش والدامن هما زاويتا الشراع من الأسفل ومتصلتان بحبلين، اليوش هو الحبل الأمامي المتصل بالدستور والدامن الخلفي، ومصطلح يوش ودمن هي تسمية سير السفينة أثناء مواجهتها للريح حيث تسير بطريقة متعرجة ، فإذا أراد النوخذا الاتجاه إلى نقطة تقع في الشمال وكانت الرياح شمالية، فعليه السير جهة الشمال الشرقي إلى مسافة هو أعلم بتقديرها، ثم الى جهة الشمال الغربي، وهكذا حتى يصل، وحركة السير هذه تحتاج الى قلب الشراع من جهة إلى أخرى، والمصطلح المستعمل عندهم هو: يوش ودامن، والتعبير يقال للمخالف في الآراء والأفعال.