بعمر الخمس سنوات أدركت بشكل بسيط بأن شيئاً اسمه رمضان، به الناس تمتنع عن تناول الطعام والشراب ويتجمعون في وقت محدد على سفرة راهية ومع أن وجوههم نهاراً شاحبة ولكن سعادتهم عالية. وبعد إلحاح وتمنٍ ورجاء حُققت أُمنيتي وليوم واحد بعمر الست سنوات كنّا وقتها في شهر 8 أي أطول ساعات النهار بلبنان وأشدها حراً ورطوبة.

بداية اليوم كانت فرحتي لا توصف وكأنني أقوم بإنجاز لم يُسبق. ولكن منتصف النهار الطويل الحار والجوع يفتك أحشائي، نسيت أي لذة عشتها. ومع كل العناء الذي انتابني كنت حريصة ألا أخسر الرهان مع نفسي وأمضيت ذلك اليوم بسلام.

اليوم أنا أُم.. وأقف حائرة بين الرضوخ لرغبة أبنائي في تأدية الصيام وبين خوفي عليهم من التعب الذي يمكن أن ينهك جسدهم النحيل، إلى أن سمعت سؤالاً من خالي العزيز، مستغرباً: «الحين عنجد يا خالو أطفالك يصومون، أليس هذا مرهقاً لهم خاصة أنهم ليسوا بعمر التكليف؟».

ودون تفكير مسبق وجدت نفسي أدافع عن الصيام وحولت جوابي إلى موضوع فلسفي، قائلة: «يا خالو حقيقة أن الصيام فرض. وأنت مُحق فهو في ظاهره الانقطاع عن الطعام والشراب ولكن في باطنه يُعلم الصبر وأيضاً الصدق بالالتزام بعدم التقرب من مفسدات الصيام والتي يمكن أن نقوم بها وعيون الناس غائبة عنّا لنزرع مكانها إن الله سبحانه وتعالى يرانا في السر والعلن كل وقت وحين. إضافة أن التوقف عن عادة سيئة مدة 30 يوماً واستبدالها بأخرى حسنة ممكن بعون الله أن تدوم معنا كل العمر إذا صدقنا النية والعمل».

فاليوم يصومون النهار بأكمله وأحياناً نصفه بحسب مقدرتهم البدنية ولكن مع كل هذه المحاولات فإن عقلهم يتعود وجسمهم يتروّض على هذه العادة الإيمانية الغالية والمفروضة علينا. والتي لا تقف عند حد أننا اُمرنا بالصيام كي نفكر فقط في جوع الإنسان الفقير مدة 30 يوماً علماً أنه متواجد كامل أيام السنة. وما أن يضرب مدفع الإفطار ونقابل السفرة الممدودة بما لذّ وطاب، نُسيَ ذلك المسكين الفقير الذي كُنا نهاراً يا زعم فكرِنا به شاغلين. يا خالي العزيز شهر رمضان المبارك هو شهر العطايا الربانية التي لا تعد ولا تحصى وجميل أن نعوّد ونحبب به أبناءنا منذ الصغر كسائر الطاعات». أقفلت الهاتف بعد أن تولدت لديه القناعة التامة أن ما أقوم به صحيح، ورمضان مبارك على الجميع.