قناة الرافدين العراقية
أستبعد خبير قضائي عراقي أن يتم محاسبة زعيم حزب الدعوة نوري المالكي بتهمة “المساس بالأمن القومي العراقي والتحريض على الفتن والاقتتال الطائفي”، بعد التسريبات الصوتية المتداولة التي هدد فيها المالكي بمهاجمة النجف، متحدثا عن حرب طاحنة لا يخرج منها أحد، وأنَّه أعد العدة من خلال تسليح 15 تجمعاً لمواجهة ذلك.

وقال الخبير العراقي المقيم في العاصمة الأردنية عمان، لا يمكن الوثوق بالقضاء العراقي عندما يتعلق الأمر بفساد وجرائم القادة السياسيين منذ عام 2003.

وتساءل الخبير القضائي في تصريح لقناة “الرافدين” مفضلا عدم ذكر اسمه بسبب حساسية وظيفته الدولية، عن حزمة الجرائم التي ارتكبها المالكي من قبل، من إدارة الحرب على الهوية إلى التفريط بمدن عراقية، حتى هدر أكثر من مئتي مليار دولار من خزينة الدولة بعمليات فساد مكشوفة.

وقال “كلها جرائم كبرى كان على القضاء العراقي أن يقوم بدوره التاريخي المشرف ومحاسبة المالكي، لكن ذلك لم يحدث، فكيف يمكن توقع جر المالكي للمحاكمة على تسريبات صوتية حقيقية تكشف طريقة تفكيره السياسي والطائفي”.

وشدد الخبير القضائي العراقي الذي أصدر 12 مؤلفا في القانون الدولي باللغتين العربية والانجليزية، على أن التوقعات بنظر القضاء العراقي دعوة قدمهما محاميان طالبا فيها بالتحقيق في التسجيل الصوتي المسرب عن حديث المالكي، لأنه يمثل “مساساً بالأمن القومي العراقي والتحريض على الفتن والاقتتال الطائفي” لا يمكن أن يتعدى التصريحات الإعلامية المتداولة.

وقال إن القضاء يمثل أخر حصن لمفهوم الدولة، وهناك دولة منهارة في العراق واقعة تحت سطوة اللادولة، بما فيها القضاء، لذلك من المستبعد جدا أن يقدم المالكي للمحاكمة على جريمته الجديدة وجرائمه السابقة.

وعبر عن توقعه بالقول “لو حصل ذلك فعلا بمسائلة المالكي، لاستعادة القضاء العراقي هيبته المنكسرة، لكن تجارب الجرائم السابقة التي مرت تؤكد لنا أن ذلك الاحتمال غير موجود في العراق الحالي”.

وكانت مصادر صحفية قد نقلت عن مصدر حقوقي عراقي تأكيده على إمكانية “محاسبة المالكي على ضوء أقواله المسجلة خلسة في جلسة خاصة، لأنَّها تحقق شروط الجريمة الإرهابية المنصوص عليها في المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب”.

واستبعد المصدر في الوقت نفسه “إمكانية المحاسبة الواقعية للمالكي عن هذا الفعل، لأنَّ أجهزة العدالة في العراق واقعة تحت تأثير النفوذ السياسي”.

وفي آخر مقطع نشره الناشط العراقي علي فاضل، وردت على لسان المالكي عبارات “إن المرحلة المقبلة مرحلة قتال، بالأمس قلت ذلك لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وقلت لا أعتمد عليك، أو على الجيش والشرطة، إنهم لن يفعلوا شيئاً، العراق مقبل على حرب طاحنة لا يخرج منها أحد، إلا إذا استطعنا إسقاط توجهات الصدر والحلبوسي ومسعود البارزاني”.

وكتب الباحث العراقي في جامعة أريزونا الأمريكية سليم سوزة، أنه “بصرف النظر عن صحة التسريبات الصوتية الأخيرة للمالكي من عدمها، فإن الكلام المنسوب إليه منسجم مع سلوكه وعقليته ونظرته للسياسة”.

ومثلت التسريبات أكبر ضربة سياسية وشعبية للمالكي، لم يستطع صدها أو تمريرها هذه المرة.

وبدى نفيه لصحة التسريبات أشبه بذريعة واهية قوبلت بالتهكم والسخرية من أقرب الأشخاص إليه، ومثلت بداية النهاية الحقيقية لتاريخ المالكي السياسي والشخصي.

وكان بعض المراقبين يعتقدون من قبل أن قيمة المالكي السياسية، تأتي من دفع ثمن المكاسب لحلفائه وخصومه، دون أن يرفَّ لهُ جفن. لأنه يفهم أنَّ مكاسب المال والمنصب لا قيمة لها، أمام احتفاظِه بأن يكون من أهم العرّابين في العملية السياسية بعد 2003، والسبب يوضِّح نجاته من فضيحة سقوط الموصل بيد داعش، وفضيحة شركة المقاولات العسكرية “سالي بورت” التي كشفت عنها صحيفة الـ”ديلي بيست” الأمريكية ودور الرشى التي دفعها المالكي.

إلا أن التسريبات الجديدة أكبر من فضيحة وليس بمقدور المالكي دفع ثمنها السياسي، فضلا عن رفض خصمه اللدود زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر القبول بأي تسوية.

ويبدو المالكي الذي كان يرفع شعار كل شيء أو لا شيء، قبل التسريبات، أضعف مما كان عليه حين انتزع حق كتلة العراقية لإياد علاوي عام 2010، حسب المحلل السياسي جبار المشهداني، فهو يواجه خصما عنيدا مسلحا يمكنه الرهان على ثبات جمهوره، فيما يعيش المالكي حالة من الشك والقلق من أقرب أنصاره، لاسيما بعد أن خذلته الدائرة الأقرب إليه حزبيا وحرسها القديم عام 2014 بترشيح حيدر العبادي بديلا عنه.

وتجمع القراءات السياسية على انقضاء أيام المالكي بعد أن أحرقت هزيمة الموصل عام 2014 كل ما تبقى من أوراقه. أما الرمزية التي يتمتع بها المالكي فهي تعبير عن الخوف من انهيار تحالف الإطار التنسيقي المضطرب من الداخل بسبب تعارض المصالح الاقتصادية والسياسية للقوى الرئيسة فيه. كما أن التدافع في اتجاه إيران لا بد أن يخلق نوعا سيّئا من التنافس. وهو تنافس لم يعد المالكي يملك القدرة على مواجهته. لذلك فإن جلّ ما يأمله المالكي أن يبقى في الواجهة الطائفية ولا يتحوّل إلى رجل الظل المنسيّ.

وسبق وأن قال مصدر سياسي عراقي إن الخلافات بين قوى الإطار أكبر من أن تسيطر عليها إيران، في الوقت الحاضر. لأنها خلافات على الثروة والسلطة.

وكشف المصدر في تصريح لقناة “الرافدين” أن طهران تجاهلت ثلاث رسائل بعثها المالكي في محاولة للقاء المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي.

وقال “إن المالكي كان يأمل في زيارة طهران إضفاء نوع من الشرعية على ترشحه لرئاسة الحكومة بعد انسحاب أعضاء التيار الصدري من البرلمان”.

وأضاف أن رفض طهران استقبال المالكي، يؤكد بشكل واضح احتراق ورقة ما أسماه “أكبر تفاهة سياسية وطائفية في تاريخ العراق المعاصر” فعندما تتخلى عنه طهران يكون قد انتهى سياسيًا في العراق، بعد أن افتضح أمره وقاد أكبر عملية فساد على مدار ثماني أعوام.

وأشار المصدر إلى أن الصدر أرسل في الوقت نفسه مندوبًا إلى طهران، مؤكدًا عدم التجاوب مع أي دور إيراني للتوافق مع المالكي أو بعض قوى الإطار التنسيقي.