العربية
كُتب على شربل الحزوري، الأب والزوج أن يُسجّل اسمه بالدم كأوّل ضحية لـ"طوابير الخبز" في لبنان بعدما صدمته سيارة أمس على أوتوستراد حالات في جبل لبنان عندما كان يحاول تجاوزه عائداً من "رحلة عذاب" أمام فرن يصطف أمامه طابور طويل للحصول على ربطة خبز.
معاناة شربل للحصول على ربطة خبز والتي انتهت بمأساة كلّفته حياته، جمعت اللبنانيين في مناطق مختلفة بعدما تفاقمت أزمة الخبز في لبنان في الأسابيع الأخيرة، حيث امتدت طوابير المواطنين أمام الأفران التي تبيع كميات قليلة منه لا تكفي الاستهلاك اليومي، وترافقت في بعض المناطق مع إشكالات وهرج ومرج بحسب ما ظهر في مقاطع فيديو انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
أوّل ضحايا "طوابير الخبز"
وقال شربل غصن ابن عمّة الحزوري لـ"العربية.نت" إن قريبه البالغ من العمر 44 عاماً كان يمرّ كل يوم على الفرن للحصول على ربطة خبز قبل عودته إلى منزله في بلدة كوسبا في شمال لبنان، إلا أنه وبسبب الزحمة التي تشهدها الأفران هذه الأيام نتيجة تفاقم أزمة الرغيف، قرر أن يمرّ على الفرن باكراً قبل أن يتوجّه إلى عمله، لكن للأسف عاجله الموت وهو يجتاز الأوتوستراد ليٌسجّل اسمه كأوّل ضحية على لائحة "ضحايا الخبز".
واعتبر أن ما حصل مع ابن عمّته، الأب لطفلتين هما سيرينا وتينا، "تتحمّل مسؤوليته جهتان، أولاً الدولة اللبنانية بتقاعسها عن حل أزمة الرغيف ووضع حدّ لجشع التجّار، والنازحين السوريين ثانياً، لأنهم يفاقمون الأزمة من خلال تهافتهم على الأفران بأعداد كبيرة فيحصلون على أكثر من ربطة خبز على عكسنا نحن اللبنانيين"، حسب زعمه.
كما أضاف: "من حق النازحين أن يحصلوا على الخبز، لكن لماذا يأخذ اللاجئون أكثر من ربطة في اليوم بينما يتم "تقنين" الخبز علينا نحن اللبنانيين. أنا أقف في الطابور كل يوم ورأيت بأمّ عيني كيف أن عدداً من السوريين استطاع الحصول على أكثر من ربطة خبز بينما لم أحصل إلا على واحدة وبعد جهد جهيد".
كلام شربل غصن عن دور النازحين السوريين في ازدياد طوابير الخبز سبق وتناقله بعض اللبنانيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أرجعوا الأزمة الى إقبال غير مسبوق من قبل النازحين والعمّال السوريين على الأفران، واتهامهم باستنزاف أموال الدعم الحكومي للخبز.
جشع أصحاب الأفران والمطاحن
غير أن عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي صادق علوية أوضح لـ"العربية.نت" أن السبب الرئيسي لتفاقم أزمة الخبز هو "جشع" بعض أصحاب الأفران والمطاحن "الذين لديهم كميات كبيرة من الطحين المدعوم من الحكومة فيلجؤون إلى بيعه في السوق السوداء لتحقيق أرباح خيالية، بالإضافة إلى اتجاه المصرف المركزي إلى رفع الدعم تدريجياً عن ربطة الخبز".
وأكد علوية أن "البلد مليان طحين، وهو يُباع في السوق السوداء.. ونقطة عالسطر".
المواطن عالق بين طرفي الإنتاج
وشرح علوية قائلاً: "عندما أصدر وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام قراراً بالفصل ما بين الطحين المعدّ للخبز عن الطحين الخاص بصناعة باقي المعجنات، كان يقول ضمناً أننا بدأنا بمرحلة ترشيد الدعم الذي يعني رفع الدعم، أي استقالة الحكومة من مسألة دعم القمح. ومنذ ذلك الحين تراجعت كمية الطحين الخاص بصناعة الخبز وبدأ تقاذف المسؤوليات بين نقابتي الأفران والمطاحن، فعلق المواطن بين طرفي الإنتاج وظهرت الطوابير".
وفي حين زاد منسوب البيع بالسوق السوداء، حيث شكا أحد المواطنين لـ"العربية.نت" عن قيام موظفين في فرن مشهور في قضاء المتن في جبل لبنان ببيع ربطة الخبز بأكثر من 20 ألف ليرة (أقل من دولار وفق سعر الصرف في السوق السوداء) لسكان أحد الأحياء في القضاء، خلافاً لسعرها الرسمي المُحدد بـ15 ألفاً، علماً أن هذا الفرن يُقفل أبوابه أمام المواطنين باكراً بحجّة نفاد كميات الخبز لديه.
"تهريب" ربطة الخبز إلى سوريا
وإذا كانت ربطة الخبز قد انضمت إلى سلع أخرى تُباع في السوق السوداء في لبنان كالدواء، لاسيما لمرضى السرطان، غير أنها تجاوزت الحدود لتُعرض في السوق السوداء السورية، حيث تُباع بأسعار مضاعفة.
وفي هذا السياق، أكد أحد سكان إحدى المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا لـ"العربية.نت" أن "تهريب ربطات الخبز من لبنان إلى سوريا ناشط هذه الأيام.. وشغّال في الليل، إذ يعبر كل يوم تقريباً من الحدود اللبنانية إلى الداخل السوري نحو 4 فانات صغيرة تحمل مئات ربطات الخبز، حيث تُباع لمطاعم سورية بأضعاف سعرها في لبنان".
تهريب ربطة الخبز حلّ مكان تهريب الطحين
وأوضح "أن تهريب الطحين المدعوم من لبنان إلى سوريا تراجع كثيراً وحلّ مكانه تهريب ربطات الخبز، وذلك بعدما تمّ رفع الدعم عن الطحين الخاص بصناعة المعجنات والإبقاء على دعم طحين الخبز في وقت أن الأمن السوري يغضّ النظر عن إدخال ربطات الخبز من لبنان وبيعها في السوق السوداء".
كما تحدّث عن ختم أحد الأفران في منطقة المنصورة ضمن محافظة بعلبك-الهرمل بالشمع الأحمر بسبب أنه "كان يُهرّب 90% من إنتاج الخبز إلى سوريا أثناء الليل وبيع 10% فقط لسكان المنطقة".
ومع صعوبة توفر مادة الطحين، ارتفع سعر ربطة الخبز في لبنان وتباع حالياً بـ25 ألف ليرة، أيّ بزيادة 10 آلاف ليرة على السعر الذي حددته وزارة الاقتصاد، في حين تجاوز ثمنها في بعض المناطق 30 ألفاً.
"الطحين سُرق"
وتعليقاً على أزمة فقدان الرغيف وطوابير الخبز أمام الأفران، أعلن وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام "دخول 49 ألف طن من القمح إلى البلد نهاية الأسبوع"، مضيفاً: "يجب ألا نرى طوابير بعد ذلك وسنلاحق من يريد أن يختلق أزمة". واعتبر أن "الأزمة هي نتيجة سرقة الطحين من البلد".
وعن تهافت النازحين السوريين، قال: "لا يمكن أن نبيع الخبز على الهوية، لكن عندما تتوافر الكميات وتتحرك الأجهزة الأمنية سيتم ضبط الأمور خصوصا أننا من منطلق إنساني نعطي النازح السوري حقه بالخبز، لكن اكتشفنا أنه كان هناك تواطؤ بين عمال الأفران والنازح السوري ليأخذ الأخير 5 و10 ربطات خبز عند ساعات الفجر الأولى، وكانت الكميات تتهرب، وقانونياً لن نقبل ولن نسمح".
قرض من البنك الدولي لاستيراد القمح
والثلاثاء الفائت، أقرّ البرلمان اللبناني، اتفاقية قرض مقدّم من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار أميركي، لتنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة لتأمين إمدادات القمح، في حين سيتمّ رفع الدعم عن الطحين بعد 9 أشهر كما صرّح وزير الاقتصاد، ما يعني أن سعر ربطة الخبز قد يصل إلى 30 ألف ليرة لبنانية.