المعلمة سوسن تتحدث عن قرارها بفتح أبواب منزلها لطلابها الـ20 منذ شهر
لم تشأ سوسن وهيفا، المعلّمتان في إحدى مدارس جنوب لبنان أن يدفع التلامذة من رصيدهم التعليمي الثمن الأكبر في معركة تحصيل الحقوق التي يخوضها الأساتذة المتعاقدين في المدارس الرسمية منذ أكثر من شهرين ضد الحكومة، التي تبدو حتى الآن "عاجزة" عن الاستجابة لمطالبهم.
تحويل منزليهما إلى مدرسة
ففيما يُنفّذ معلّمو التعليم الرسمي في لبنان إضراباً منذ أكثر من شهرين للمطالبة بزيادة رواتبهم بسبب غلاء المعيشة نتيجة انهيار الليرة مقابل الدولار، قررت سوسن دياب معلمة اللغة الإنجليزية وهيفا علاو مدرّسة مادة الرياضيات في مدرسة زوطر الغربية في جنوب لبنان أن "تخرقا" قرار الإضراب من منطلق إنساني وأخلاقي، بتحويل منزليهما إلى مدرسة مصغّرة تستقبلان فيهما الطلاب كي لا يضيع العام الدراسي عليهم.
بفرح وحماسة قالت سوسن لـ"العربية.نت" "أنها اتّخذت قرار فتح أبواب منزلها لطلابها (عددهم 20) منذ شهر، إيماناً منها بأن التعليم رسالة سامية، وبأن لا ذنب لهم في معركة الحقوق التي نخوضها بوجه الحكومة التي تتحمّل اليوم مسؤولية ضياع العام الدراسي على الطلاب".
حماسة الأهالي والطلاب
وأشارت إلى "أنها ما إن طرحت الفكرة على أهالي الطلاب عبر "مجموعة واتساب" وهم بمعظمهم من الجيران والأقارب بحكم أننا أبناء بلدة واحدة، حتى تجاوبوا بسرعة وأبدوا حماستهم للفكرة تماماً كالطلاب، لاسيما أن مادة اللغة الإنجليزية تحتاج إلى متابعة يومية، وعن قُرب، وهو ما أيقنته نتيجة كثرة الاستفسارات من الطلاب عبر الهاتف لمراجعة دروسهم".
العدد القليل للطلاب، وسَكَن معظمهم قرب منزلها، إضافةً إلى عدم تضارب وقتها بين رسالتها التعليمية ودورها كأم وزوجة، شكّل حافزاً لسوسن لتفتح أبواب منزلها أمام طلابها لتُعطيهم دروس اللغة الانجليزية عن قُرب وبشكل مجاني.
لا كلفة مادية لما أقوم به
وقالت "هدفي الأساسي ألا يضيع عامهم الدراسي في زواريب الأزمة القائمة. استطعت تنسيق وقتي بين التعليم قبل الظهر والتفرّغ لعائلتي بعد الظهر".
وكما سوسن، كذلك تفعل زميلتها هيفا علّاو أستاذة مادة الرياضيات، حيث حوّلت غرفة في منزلها إلى "مدرسة مصغّرة" تجمع فيها طلاب صفوف السابع والثامن أساسي.
الطلاب ولادي
وبحماسة قالت لـ"العربية.نت" "إنها جهّزت الغرفة كما لو أنها في المدرسة. وضعت فيها لوحاً كبيراً وآلة طباعة. "الطلاب هنّي ولادي والأم ما بتترك ولادها". قررنا الإضراب لأن راتبا لا يكفي لملء سياراتنا بالوقود. هذا ليس ذنب الطلاب وإنما مسؤولية الدولة التي يجب عليها إيجاد حلّ لأزمة التعليم في المدارس الرسمية".
وأوضحت هيفا "أن إدارة المدرسة وأهالي الطلاب أثنوا كثيراً على مبادرتنا، حتى إنهم عرضوا علينا المال مقابل ما نقدّمه، لكننا رفضنا، لأن التعليم رسالة ولا ذنب للطلاب في معركتنا ضد الحكومة".
تنسيق أيام الدروس
وبهدف عدم حرمان الطلاب من مواد أساسية بسبب تضارب المواعيد، عملت سوسن وهيفا وأستاذة تعليم اللغة العربية التي فعلت أيضاً مثلهما، إلى تنسيق توقيت التعليم في منزلهن، بحيث تم تقسيم أيام الدروس إلى ثلاث حصص في الأسبوع.
وأكدت هيفا "أنهن أردن من هذه المبادرة الفردية إيصال صوتهن إلى وزارة التربية والمعنيين من أجل الإسراع في إيجاد حلّ لأزمة التعليم الرسمي في لبنان. فكل يوم تأخير يدفع ثمنه الطلاب من رصيدهم ومستقبلهم المهني".
بدل التعليم عن بُعد
وأوضحت "أن قرب المسافة بين منزلها ومنازل الطلاب ساهم كثيراً في تنفيذ مبادرتنا التعليمية، لاسيما أن التعليم عن بُعد دونه مشاكل، لعل أبرزها ضعف شبكة الإنترنت في لبنان، وهو ما وجهناه خلال فترة انتشار وباء كورونا".
إضراب حرم التعليم للبنانيين واللاجئين
ومنذ أكثر من شهرين، يُنفّذ الأساتذة المتعاقدون في التعليم الرسمي في لبنان إضراباً للمطالبة بحقوقهم، وهو ما حرم أكثر من 235 ألف طالب لبناني و170 ألف لاجئ سوري مسجّلين في حوالي 350 مدرسة رسمية من إكمال دراستهم.
ومع أن الحكومة أقرّت أمس في اجتماعها الاستثنائي جزءاً من مطالب الأساتذة، فإن الإضراب لا يزال قائماً بانتظار ما سيقرره الأساتذة في اجتماهم القريب إما بالعودة إلى التعليم أو تمديد الإضراب.