الحرة
مع إعلان إثيوبيا استعدادها للملء الرابع لخزان سد النهضة، في الأشهر المقبلة، كشف وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في تصريحات تلفزيونية، عن سعي بلاده للتوصل لاتفاق قانوني ملزم يحمي الأمن المائي لمصر وللسودان، مستبعدا التوجه مرة أخرى لمجلس الأمن.
وتصريحات شكري لقناة "صدى البلد" المصرية، مساء الثلاثاء، أثارت تساؤلات عن البدائل المتاحة أمام مصر للتعامل مع أزمة سد النهضة، خاصة في ظل القتال المستمر في السودان منذ 15 أبريل، والذي يرى خبراء أن إثيوبيا تستغله للمضي قدما في الملء من دون اتفاق مع الأطراف المعنية.
استغلالا لأزمة السودان
وحول المزاعم بأن إثيوبيا تستغل الاضطرابات في السودان لتسريع عمليات ملء السد، قال وزير الري المصري السابق، محمود أبو زيد، لموقع "الحرة" إن الوضع الأمني الهش في السودان أضعف موقف مصر حاليا، وهو ما تدركه إثيوبيا، لذلك تسعى بكل ما لديها لتسريع الملء الرابع لسد النهضة الذي لا يزال موضع خلاف رئيسي.
وأضاف أبو زيد أن إثيوبيا تتصرف بشكل أحادي، ضاربة عرض الحائط جميع المواثيق الدولية المتعلقة بالمجاري المائية والأنهار، ولن يوقفها، بحسب قوله، عن هذا المسعى سوى العوامل الفنية، إذ إنها قد تعجز عن رفع الكمية إلى نسبة معينة بسبب عوامل تتعلق بالبوابات أو التوربينات وغيره، لكن ليس بسبب احترامها لمصالح مصر أو السودان باعتبارهما دولتي المصب.
ورصدت صور الأقمار الاصطناعية، في 24 أبريل، تطورات متسارعة في سد النهضة تشير إلى استعداد أثيوبيا للتخزين الرابع لأعلى قدر، ما قد يُشعل مجددا الخلاف الرئيسي بين أديس أبابا والقاهرة والخرطوم، بحسب وكالة "فرانس برس".
وأوضح أبو زيد أن إثيوبيا مستمرة في التخزين الرابع لأعلى قدر، مضيفا أن الظروف باتت الآن مناسبة أكثر حتى ترفع بالقدر الذي تريده في ظل توقف المفاوضات، وهي ستلقي باللوم على الوضع في السودان مثلما قالت بالنسبة لمصر قبل ذلك وقت انشغالها بثورة 25 يناير.
وأشار الوزير السابق إلى ما يُسميه "الخطر الوجودي" المتزايد على مصر مع الملء الرابع لسد النهضة الإثيوبي، موضحا أنه سيكون أكثر اختلافا لأنه سيتجاوز التخزين في بحيرة السد الخرساني إلى بحيرة سد السرج الأكثر اتساعا في إثيوبيا.
وقال أبو زيد إنه منذ إعلان إثيوبيا نيتها بناء سد النهضة عام 2010، بدأ الخلاف بين إثيوبيا ومصر، التي اعتادت على ثبات حصتها من النهر منذ عام 1959، وهي 55.5 مليار متر مكعب سنويا.
وأوضح الوزير السابق أن إثيوبيا أعلنت نيتها تخزين حوالي 74 مليار متر مكعب في خزان سد النهضة، ومصر ترى أن هذا الكم الكبير من المياه يعتبر تهديدا لأمنها المائي، خاصة في ظل اعتماد مصر على نهر النيل في استخداماتها المائية بنسبة تتعدى 90 في المئة.
الملء الرابع الأسوأ لمصر والسودان
وتحدثت أستاذة الموارد المائية في جامعة عين شمس، نيفين أبو أسعد، عن خطورة التخزين الرابع، متوقعة أن يكون أكبر من المراحل الثلاث السابقة، بما يعادل حوالي 18 مليار متر مكعب، بكمية تخزين تقترب مما تم تخزينه خلال السنوات الثلاث الماضية مجتمعة (18 ملياراً).
وأشارت إلى أن هذه الإحصاءات تعني أن إيراد نهر النيل هذا العام سيتم تخزينه بأكمله تقريبا في إثيوبيا، ما سيؤدي لأزمة واضحة في توزيع المياه لمصر والسودان.
من جانبه، أبدى وزير الموارد المائية المصري السابق، محمد نصر الدين علام، مخاوف من تداعيات الملء الرابع على مصر والسودان، والتي ستصل، بحسب قوله، لدرجة عطش المحاصيل والناس، مشيرا إلى أن الكثير من المحاصيل خرجت من قائمة المزروعات في مصر، في السنة الماضية، بسبب العجز المائي.
وقال الوزير السابق لموقع "الحرة" إنه خلال المرحلة الأولى من التخزين، خرجت محطات مياه الشرب عن الخدمة في مصر والنيل الأزرق بالسودان لأسابيع عدة.
ويتوقع علام أن تعاني مصر والسودان عجزا مائيا إذا لم تفتح إثيوبيا البوابة الثانية للسد بكامل طاقتها وهو 50 مليون متر مكعب في اليوم، مشيراً إلى أن فشل تشغيل توربينات توليد الكهرباء وإغلاق البوابة الغربية للسد، في فبراير الماضي، جعل كمية قليلة من المياه تصل السودان ومصر.
وتحدث الوزير السابق عن انخفاض مخزون السد العالي في مصر وسد الروصيرص في السودان مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وتوقع أن يستمر هذا الوضع حتى انتهاء التخزين الرابع في سبتمبر المقبل.
تاريخ من المفاوضات الفاشلة
وانتقد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في تصريحاته، الثلاثاء، أداء الاتحاد الأفريقي، الذي رعى المفاوضات عدة سنوات دون نتيجة، مستبعدا اللجوء ثانية لمجلس الأمن.
وقال شكري إن "الاتحاد الأفريقي لم يوفق في ملف السد الإثيوبي وفشل في إقناع إثيوبيا بالمرونة في المفاوضات"، مشيرا إلى أن "لجوء مصر لمجلس الأمن مرة أخرى في هذه المرحلة غير وارد".
واتهمت إثيوبيا، في 16 مارس، مصر بـ "انتهاك" ميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي ردا على تصريحات وزير الخارجية المصري، سامح شكري، التي انتقد فيها استعداد إثيوبيا لملء رابع لخزان السد دون التوصل لاتفاق مع دول المصب مصر والسودان، بحسب فرانس برس".
واستنكرت أديس أبابا تصريحات شكري، التي قال فيها: "كل الخيارات مفتوحة، وكل البدائل متاحة، ومصر لها إمكانياتها وعلاقاتها الخارجية ومواردها".
وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية الإثيوبية "يجب على مصر أن تكف عن تصريحاتها القاسية وغير القانونية".
وأعلن نائب رئيس مجلس تنسيق سد النهضة الإثيوبي، فقراتي تامرو، في 25 مارس، أن 90 في المئة من بناء سد النهضة قد اكتمل، وفقا لـ"رويترز".
وتقول أديس أبابا إن السد لن يكون له تأثير كبير على تدفق المياه الطبيعي إلى دول المصب، بحسب الوكالة.
لكنها أوضحت أنه بالنسبة لإثيوبيا، سيحدث السد فرقًا كبيرًا. وتتوقع الحكومة أنها ستولد ما يصل إلى 6500 ميغاواط من الكهرباء، ما يضاعف الإنتاج الوطني السنوي للكهرباء، وسيُمكن هذا 60 في المئة من السكان غير المتصلين بالشبكة حتى الآن من الوصول إلى الطاقة بشكل دائم.
وتحدث الخبير في الشؤون الأفريقية، اللواء محمد عبدالواحد، لموقع "الحرة" عن تاريخ الأزمة، قائلا إن القاهرة والخرطوم تسعيان، منذ أكثر من عقد، إلى الدخول في مفاوضات مع إثيوبيا للوصول لاتفاق ملزم في شأن المبادئ التوجيهية لملء السد وتشغيله بموجب اتفاق "إعلان المبادئ" الذي وقعته الأطراف الثلاثة بالخرطوم، في مارس 2015، الذي تم التوصل إليه بعد جولات متقطعة من المفاوضات.
وأشار عبدالواحد إلي أن المفاوضات بين الجانبين متوقفة منذ أبريل 2021، بعد فشل الاتحاد الأفريقي في التوسط لحل النزاع، مما دعا مصر إلى التوجه إلى مجلس الأمن، الذي أصدر من قبل قراراً رئاسياً يدعو إلى تسريع المفاوضات، وإبرام اتفاق يُرضي جميع الأطراف، لكن إثيوبيا أعلنت رفضها له.
وتحدث عبدالواحد عن لجوء مصر إلى عدة جهات لكن هذه الجهود لم تسفر عن أي حل أو توافق من الجانب الإثيوبي، مشيرا إلى توجهها إلى الولايات المتحدة والبنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي دون جدوى.
وقال إن مصر توجهت إلى مجلس الأمن الذي عقد جلستين لبحث ملف سد النهضة عامي 2020 و2021، وفي أول جلسة أحال المجلس الملف إلى الاتحاد الأفريقي للقيام بمفاوضات للوساطة، وفي العام التالي أصدر المجلس بياناً دعا فيه الدول الثلاث للعودة إلى المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، بغرض الانتهاء سريعاً من صياغة نص اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة في إطار زمني معقول.
وأشار عبدالواحد إلى ضعف موقف الاتحاد الأفريقي، خاصة أنه أصدر بيانا قوبل بترحيب مصري وسوداني، لكن الجانب الإثيوبي رفضه معربا عن أسفه لتدخل المجلس في مسألة تخرج عن نطاق اختصاصه.
أوراق في أيدي مصر
وبشأن البدائل الممكنة للتعامل مع النزاع، قال شكري إن "مصر ستواصل الحديث مع الشركاء الدوليين في ملف السد الإثيوبي لقدرتهم على التأثير".
ومن جانبه، قال رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، ومساعد وزير الخارجية السابق، السفير محمد العرابي، لموقع "الحرة"، إن كروت مصر لا تزال محدودة أمام التعنت الإثيوبي، واستغلالها للوضع في السودان.
وأوضح أن لجوء مصر إلى الصين وروسيا لم يعد مفيدا بعد توضيح موقفهما المحايد في مجلس الأمن.
وأشار السفير إلى أن مصر تسعى حاليا لاستخدام علاقاتها مع بعض الدول للضغط على إثيوبيا، لكن من خلال المباحثات والمقاربات الثنائية، مستبعدا لجوء مصر إلى أي منظمة دولية حاليا.
وعلي الجانب الآخر، يرى اللواء عبدالواحد، إن ما تفلعه إثيوبيا يتعارض مع قوانين المجتمع الدولي، وهذا يسبب أزمة لبعض دول المصب، وتحديدا في أوروبا، التي تعاني من نفس مشكلة مصر.
وقال إن الحل من وجه نظره أن تحاول مصر ضم عدد من الدول الأوروبية التي تعاني من نفس الأزمة باعتبارها من دول المصب لتشكيل جبهة واحدة لسن قوانين دولية توقف ما تفعله إثيوبيا.