إندبندنت عربية
شعارات الحرية والعدالة كانت من أبرز مطالب ثورة ديسمبر (كانون الأول) في السودان، التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019، إذ سعى الناشطون السياسيون والحقوقيون إلى ترسيخ تلك الشعارات والعمل على فرضها من خلال تغيير وتعديل القوانين المقيدة لها، بخاصة التي تحد من عمل المرأة وحريتها.
لقد عانى السودانيون طوال 30 عاماً من حكم الرئيس المخلوع عمر البشير تكميم الأفواه والقيود والرقابة وعدم السماح لهم بحرية الرأي والفكر وحتى المظهر.
ما بعد الحرب
أصوات نسائية نادت بوقف الحرب والجلوس للتفاوض، معتبرة أن مصلحة الشعب السوداني تكمن في إنهاء القتال لما له من آثار مدمرة في جوانب مختلفة كحصد الأرواح وتدمير البنى التحتية وتشريد المواطنين فضلاً عن الانتهاكات، بخاصة الاغتصابات وغيرها.
على هذا الطريق أعلنت مبادرة "لا لقهر النساء" عن تنظيم ندوات في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة التي تحتضن غالبية نازحي حرب الخرطوم تحت شعار "أرضاً سلاح"، وتهدف إلى المناداة بوقف القتال بين طرفي النزاع، لكن قوبلت الندوات بالرفض من قبل جهات مسلحة لم تحدد إلى أية جهة تتبع.
تقول رئيسة المبادرة أميرة عثمان، "أعلنا عن تنظيم ندوة في دار المحامين بمدينة ود مدني، لكن قبل بدايتها حضرت قوة مسلحة ادعت أنها تتبع سلطات أمنية من دون تحديدها، إذ أمرتنا برفع الكراسي وطردتنا خارج الدار".
وتضيف عثمان "كان الغرض من الندوة رفض الحرب ورصد مآلاتها على المواطن السوداني بشكل عام، وعلى النساء بشكل خاص، ودعوة جماهير الشعب السوداني لإنشاء جبهة شعبية رافضة للقتال وما يدور من صراع حول السلطة بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع".
وتابعت "نتمنى أن تجد هذه الدعوات صداها في الواقع، لأن الفضاءات العامة من حقنا كمواطنين، ونحن نرفض عسكرة الفضاء العام وإسكات صوت المدنيين، كما نرفض تهميشنا بعنف السلاح".
تكميم الأفواه
"استمرت المطالب بوقف الحرب ووضع السلاح من جهات عدة، لكن تكميم الأفواه حال دون وصول الدعوة إلى الجميع"، بحسب الناشطة السياسية المدافعة عن حقوق المرأة إحسان فقيري، التي قالت لـ"اندبندنت عربية" إن "قيام الحرب كان نتيجة الوقوف ضد التحول الديمقراطي والدولة المدنية، لأن البرهان نفسه هو من بقايا اللجنة الأمنية للنظام السابق، بالتالي ليس بمستغرب أن تكمم الأفواه الآن لكي لا يتحدث أحد عن مآسي الحرب، وهذا جزء من عقلية طرفي النزاع اللذين نعتبرهما مجرمي حرب".
وتتابع فقيري، "في هذا التوقيت يعاني الشعب السوداني من الجوع والتشرد مع تدمير كامل للبنى التحتية، وما زال طرفا النزاع مصرين على القتال، ولا نعرف لماذا يصر الجيش على الحرب في الوقت الذي لا يستطيع فيه حسم المعركة؟ وفي الوقت ذاته تقوم استخباراته باعتقال الناشطين في الشارع السوداني، حيث اعتقل عدد من الأطباء".
وحول استمرار القتال بين طرفي النزاع، تضيف "الموجودون في دولاب الدولة هم بالأساس ضد الثورة، بالتالي يعملون على تكميم الأفواه ولا يريدون سماع (لا للحرب)، لكننا سنقولها لأن الشعب السوداني تضرر كثيراً منها ولا ناقة له فيها ولا بعير".
الأمور المعقدة
في المقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية مجتبى الأمين أن "وقف الحرب لن يحدث بين يوم وليلة، أو يتم بمجرد إصدار دعوات من المدنيين والناشطين السياسيين وغيرهم، لأن ما يشهده السودان أكبر من مجرد دعوة تصدر من أية جهة، والوضع أكثر حساسية من أي وقت مضى، فالصراع قائم بين جهات مختلفة في الأفكار وقواعد الحرب وغيرها، لذلك من الواجب، ليس فقط إصدار دعوات عشوائية بوقف الحرب، بل يجب أن يعمل الناس في أرض الواقع على تقديم المساعدات الطبية والغذائية، لا عقد ندوات مجهولة المصدر حتى لا يحدث انقسام في الشارع السوداني ويرتفع عدد الضحايا نتيجة الدعوات العشوائية وغير المدروسة".
أما عن تكميم الأفواه خلال هذه الفترة فيرى الأمين أن "من واجب السلطات إيقاف الأنشطة التي تهدد ما تبقى من أمن السودان القومي أو تسهم في احتدام الصراع ودخول المدنيين في مشكلات تؤدي إلى تعرضهم لخطر الموت، لذلك ترى السلطات أن من الواجب وقف كل من يعمل على تمرير أجندة تضر بسير العمليات العسكرية التي تسعى للقضاء على الميلشيات".
في سياق متصل، قال المتخصص في إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الاستراتيجية في الخرطوم أمين إسماعيل مجذوب، إن "منظمات المجتمع المدني أمسكت عن العمل منذ بداية الحرب، وتحاول الآن إيجاد موضع قدم لها في الساحة السياسية والاجتماعية، بالتالي ظهرت مثل هذه الندوات التي هي محل خلاف ما بين المؤيدين والمعارضين، لكنها صحوة متأخرة للمنظمات التي صدمتها الحرب وتحاول أن تنادي بوقفها لإيجاد دور لها في المفاوضات المقبلة".
{{ article.visit_count }}
شعارات الحرية والعدالة كانت من أبرز مطالب ثورة ديسمبر (كانون الأول) في السودان، التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019، إذ سعى الناشطون السياسيون والحقوقيون إلى ترسيخ تلك الشعارات والعمل على فرضها من خلال تغيير وتعديل القوانين المقيدة لها، بخاصة التي تحد من عمل المرأة وحريتها.
لقد عانى السودانيون طوال 30 عاماً من حكم الرئيس المخلوع عمر البشير تكميم الأفواه والقيود والرقابة وعدم السماح لهم بحرية الرأي والفكر وحتى المظهر.
ما بعد الحرب
أصوات نسائية نادت بوقف الحرب والجلوس للتفاوض، معتبرة أن مصلحة الشعب السوداني تكمن في إنهاء القتال لما له من آثار مدمرة في جوانب مختلفة كحصد الأرواح وتدمير البنى التحتية وتشريد المواطنين فضلاً عن الانتهاكات، بخاصة الاغتصابات وغيرها.
على هذا الطريق أعلنت مبادرة "لا لقهر النساء" عن تنظيم ندوات في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة التي تحتضن غالبية نازحي حرب الخرطوم تحت شعار "أرضاً سلاح"، وتهدف إلى المناداة بوقف القتال بين طرفي النزاع، لكن قوبلت الندوات بالرفض من قبل جهات مسلحة لم تحدد إلى أية جهة تتبع.
تقول رئيسة المبادرة أميرة عثمان، "أعلنا عن تنظيم ندوة في دار المحامين بمدينة ود مدني، لكن قبل بدايتها حضرت قوة مسلحة ادعت أنها تتبع سلطات أمنية من دون تحديدها، إذ أمرتنا برفع الكراسي وطردتنا خارج الدار".
وتضيف عثمان "كان الغرض من الندوة رفض الحرب ورصد مآلاتها على المواطن السوداني بشكل عام، وعلى النساء بشكل خاص، ودعوة جماهير الشعب السوداني لإنشاء جبهة شعبية رافضة للقتال وما يدور من صراع حول السلطة بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع".
وتابعت "نتمنى أن تجد هذه الدعوات صداها في الواقع، لأن الفضاءات العامة من حقنا كمواطنين، ونحن نرفض عسكرة الفضاء العام وإسكات صوت المدنيين، كما نرفض تهميشنا بعنف السلاح".
تكميم الأفواه
"استمرت المطالب بوقف الحرب ووضع السلاح من جهات عدة، لكن تكميم الأفواه حال دون وصول الدعوة إلى الجميع"، بحسب الناشطة السياسية المدافعة عن حقوق المرأة إحسان فقيري، التي قالت لـ"اندبندنت عربية" إن "قيام الحرب كان نتيجة الوقوف ضد التحول الديمقراطي والدولة المدنية، لأن البرهان نفسه هو من بقايا اللجنة الأمنية للنظام السابق، بالتالي ليس بمستغرب أن تكمم الأفواه الآن لكي لا يتحدث أحد عن مآسي الحرب، وهذا جزء من عقلية طرفي النزاع اللذين نعتبرهما مجرمي حرب".
وتتابع فقيري، "في هذا التوقيت يعاني الشعب السوداني من الجوع والتشرد مع تدمير كامل للبنى التحتية، وما زال طرفا النزاع مصرين على القتال، ولا نعرف لماذا يصر الجيش على الحرب في الوقت الذي لا يستطيع فيه حسم المعركة؟ وفي الوقت ذاته تقوم استخباراته باعتقال الناشطين في الشارع السوداني، حيث اعتقل عدد من الأطباء".
وحول استمرار القتال بين طرفي النزاع، تضيف "الموجودون في دولاب الدولة هم بالأساس ضد الثورة، بالتالي يعملون على تكميم الأفواه ولا يريدون سماع (لا للحرب)، لكننا سنقولها لأن الشعب السوداني تضرر كثيراً منها ولا ناقة له فيها ولا بعير".
الأمور المعقدة
في المقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية مجتبى الأمين أن "وقف الحرب لن يحدث بين يوم وليلة، أو يتم بمجرد إصدار دعوات من المدنيين والناشطين السياسيين وغيرهم، لأن ما يشهده السودان أكبر من مجرد دعوة تصدر من أية جهة، والوضع أكثر حساسية من أي وقت مضى، فالصراع قائم بين جهات مختلفة في الأفكار وقواعد الحرب وغيرها، لذلك من الواجب، ليس فقط إصدار دعوات عشوائية بوقف الحرب، بل يجب أن يعمل الناس في أرض الواقع على تقديم المساعدات الطبية والغذائية، لا عقد ندوات مجهولة المصدر حتى لا يحدث انقسام في الشارع السوداني ويرتفع عدد الضحايا نتيجة الدعوات العشوائية وغير المدروسة".
أما عن تكميم الأفواه خلال هذه الفترة فيرى الأمين أن "من واجب السلطات إيقاف الأنشطة التي تهدد ما تبقى من أمن السودان القومي أو تسهم في احتدام الصراع ودخول المدنيين في مشكلات تؤدي إلى تعرضهم لخطر الموت، لذلك ترى السلطات أن من الواجب وقف كل من يعمل على تمرير أجندة تضر بسير العمليات العسكرية التي تسعى للقضاء على الميلشيات".
في سياق متصل، قال المتخصص في إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الاستراتيجية في الخرطوم أمين إسماعيل مجذوب، إن "منظمات المجتمع المدني أمسكت عن العمل منذ بداية الحرب، وتحاول الآن إيجاد موضع قدم لها في الساحة السياسية والاجتماعية، بالتالي ظهرت مثل هذه الندوات التي هي محل خلاف ما بين المؤيدين والمعارضين، لكنها صحوة متأخرة للمنظمات التي صدمتها الحرب وتحاول أن تنادي بوقفها لإيجاد دور لها في المفاوضات المقبلة".