ساعات فقط وتنطلق مفاوضات "أستانة" التي حشدت لها موسكو وأنقرة طاقتهما لإنجاحها، ووضع حد للمأساة السورية، أعنف مأساة عاشها العالم منذ بداية القرن الـ21.
ويأمل السوريون المحاصرون داخل البلاد، أو اللاجئون في مخيمات دول الجوار، ومعهم الملايين الموجودون حول العالم، أن تفضي "أستانة"، التي ستنطلق صباح الاثنين، إلى وضع حد لحكم المتسبب في مأساتهم، زعيم النظام السوري، بشار الأسد، بعد أن فشلت جنيف في ذلك.
وتأتي مفاوضات أستانة بعد أن شهد ميزان الحرب السورية تحولاً كبيراً لكفة نظام الأسد، عقب سقوط حلب، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وفرض روسيا وسط ترحيب تركي رؤيتها للحل في سوريا، وكانت أول فصوله اتفاق وقف إطلاق النار الذي يضرب به الأسد عرض الحائط في منطقة وادي بردى بريف دمشق، بمواصلة قصفها ومحاصرة أهلها.
وحول كواليس الساعات الأخيرة لانطلاق المفاوضات، ذكر الدكتور باسل الحاج جاسم، الكاتب في الشؤون التركية والروسية: "كل شيء يسير حسب البرنامج، ولا تأخير حول موعد بدء المفاوضات حتى الآن".
وأضاف الحاج جاسم، الموجود في العاصمة الكازاخية أستانة، "تختلف أستانة عن المفاوضات السابقة، في أنها ستكون وجهاً لوجه بين الطرفين السوريين، وكذلك لأول مرة يضم الوفدان عدداً كبيراً من العسكريين".
وبيّن الحاج جاسم أن "المفاوضات ستكون عسكرية بالدرجة الأولى، وسيكون هدفها على وجه التحديد تثبيت وقف إطلاق النار".
وأوضح أن وزير خارجية كازاخستان، خيرات عبد الرحمنوف، أكد قبيل المؤتمر أن بلاده "تقدم المنبر للسوريين، ولا تتدخل في العملية السياسية، وستبذل كل الجهود لدعم نجاح المفاوضات".
وحول مدى جدية روسيا في الضغط على النظام السوري الذي أظهر "تعنتاً" أفضى إلى إفشال مفاوضات جنيف للسلام، أوضح الحاج جاسم أن "المفاوضات ستكون امتحاناً لجدية روسيا؛ لأنها بمبادرة منها، وكذلك امتحاناً لمدى قدرتها على التأثير على الأطراف المحسوبة عليها داخل سوريا".
لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن مستشاراً في السفارة الروسية في أستانة، شدد على أن "موسكو مصممة على الوصول لتسوية ترضي جميع الأطراف"، على الرغم من "صعوبة الحوار مع الجانب الإيراني الذي تسير وتيرته ببطء".
وكان المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف أقر، السبت، بأن موقف إيران "يعقّد" مسألة مشاركة واشنطن في مفاوضات أستانة حول الأزمة السورية.
وأضاف بيسكوف، في مقابلة مع قناة "بي بي سي" البريطانية، أن "موسكو ترحب بدور أمريكي في المباحثات، إلا أن طهران تعقّد الأمر"، وأكد أنه "لا يمكن حل الأزمة السورية من دون دور لواشنطن".
وسعت إيران إلى عدم مشاركة واشنطن؛ بسبب انزعاج إدارتها من تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حول برنامجها النووي.
ولم ترغب أنقرة وموسكو في استبعاد الولايات المتحدة عن المباحثات التي تجري، الاثنين، بين وفود عن المعارضة العسكرية السورية ونظام بشار الأسد.
هذه التصريحات والموقف الإيراني، وصفها الحاج جاسم بأنها "تعكس واقع الخلاف الروسي - الإيراني الذي بدأ يظهر للعلن وفي أكثر من موقع"، مبيناً أن "أولها عندما حاولت إيران نسف اتفاق حلب بين تركيا وروسيا، ثم عرقلة وقف إطلاق النار، واعتراضها على دعوة واشنطن رغم رغبة موسكو بذلك".
وأشار إلى أن "هذه الخلافات تعكس الخلاف الحقيقي على الساحة السورية".
وحول تأثير ضعف التمثيل الأمريكي في مفاوضات أستانة، واقتصاره على حضور السفير الأمريكي في كازاخستان، أوضح الحاج جاسم "أن واشنطن تريد إمساك العصا من المنتصف، فلا هي قاطعت ولا هي أرسلت مبعوثاً خاصاً، ريثما تتوضح سياسة ترامب حول سوريا".
واكتمل وصول جميع الوفود المشاركة في مفاوضات "أستانة" مع وصول أعضاء الوفد المعارض برئاسة محمد علوش، للمشاركة في مباحثات مباشرة مع وفد النظام.
وتبدأ المحادثات، صباح الاثنين، بين وفدي المعارضة والنظام، حيث يقوم بدور الوسيط بينهما ممثل الأمم المتحدة، استافان دي ميستورا، وقد تنضم إليه وفود أخرى في الوساطة.
ويضم وفد المعارضة المفاوض 14 شخصية من الفصائل المقاتلة، إضافة إلى 21 مستشاراً قانونياً.
وفي المقابل يرأس مندوب النظام إلى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، وفد النظام إلى أستانة، الذي يضم 10 شخصيات، بينهم 3 شخصيات عسكرية وأمنية.