قبل سنوات ومع دخول الصراع السوري أطواره الساخنة، كان الرئيس بشار الأسد مقلا في ظهوره وأحاديثه، لدرجة جعلت وسائل الإعلام تتلهف لكلمة منه وتتلقف تصريحاته، في محاولة لاستشفاف ما يمكن أن تسفر عنه الحرب أو التنبؤ بنتائجها.
لكن خلال الأشهر الـ 18 الماضية، كان الأسد متاحا لوسائل الإعلام بصورة غير معتادة، حيث أجرى عشرات المقابلات المطولة مع صحف ومحطات تلفزيونية ووكالات أنباء، جعلت ظهوره كما لو كان "أكثر مما ينبغي" بالنسبة لرئيس دولة.
ومنذ أغسطس 2015، أجرى الأسد أكثر من 30 مقابلة، مع وسائل إعلام من سوريا ولبنان وروسيا وإيران وإيطاليا وفرنسا والصين والتشيك وبريطانيا وإسبانيا وهولندا وألمانيا والولايات المتحدة والدنمارك وسويسرا وصربيا والبرتغال واليابان وبلجيكا.
وبينما كانت تصريحات الأسد تقتصر في بداية الحرب على وسائل الإعلام المؤيدة لدمشق أو تلك التابعة لدول تدعم الحكومة السورية، فإنه بدا خلال العام والنصف الأخير أكثر انفتاحا للحديث مع صحف ومحطات إن لم تكن تهاجم الرئيس السوري فإنها تحاول الوقوف على الحياد في هذا الصراع الدموي.
فقد كانت وسائل الإعلام التابعة لحزب الله اللبناني وإيران وروسيا هي المفضلة للأسد في سنوات الحرب الأولى، لكنه ظهر بعد ذلك أكثر ترحابا بصحف ومحطات مصدرها بلدان يتهمها أحيانا بـ"دعم الإرهاب" في سوريا.
ويبدو أن الأسد يحاول من خلال الإفراط الملاحظ مؤخرا في الحديث مع الإعلام، أن يظهر بصورة الزعيم الذي يتبع سياسة الباب المفتوح مع الصحافة، والرجل الذي لا يملك ما يخشى إعلانه.
لكن النظام السوري لم يتمكن من التخلي تماما من ميله نحو الإعلام الذي يجمل صورته، حيث كان القسم الأكبر من الأحاديث التي يدلي بها الأسد لصالح صحف ومحطات روسية أو إيرانية.
ويدرك المتتبع لتطورات الحرب الدائرة في سوريا، التي تدخل عامها السابع في مارس المقبل، أن زيادة وتيرة ظهور الأسد إعلاميا يتزامن مع بدء التدخل الروسي المباشر في الصراع، الذي أدى مباشرة إلى توجيه دفته بشكل واضح لصالح دمشق، وترجيح كفة الجيش السوري والميليشيات المتعاونة معه.
كما يوجه إفراط الأسد في إجراء مقابلات مع الإعلام، رسالة مفادها أن دمشق باتت في موقف أكثر قوة من ذي قبل، حيث حققت انتصارات في عدة مناطق على حساب المعارضة المسلحة، واكتسبت المزيد من الأرض، لا سيما بعد نجاحها مؤخرا في انتزاع مدينة حلب التي استعصت عليها لسنوات.
ورغم أن الأسد عادة ما يستخدم نفس المفردات والأفكار في حواراته، مثل وصف كل فصائل المعارضة المسلحة بالإرهابيين ومهاجمة القوى الإقليمية التي يتهمها بدعم الفصائل التي تقاتل جيشه، فإنه عادة ما يضيف تصريحات مواكبة للأحداث ويدعو إلى تغليب الحل السياسي، لكن فقط على الطريقة التي تروق لدمشق وحلفائها.
كما يحرص الأسد بين الحين والآخر على الظهور في لقطات فيديو تتزامن مع تطورات الحرب، أحيانا لنفي أي أخبار بشأن تواريخ أحاديثه وأخرى لدحض "مزاعم" حول حالته الصحية أو مكان تواجده.