لم يعد الإعلام يتحدث كثيراً عن اللاجئين في اليونان، رغم أن وضع هؤلاء لا يزال صعباً، ناهيك عن الأمراض النفسية التي يعاني منها العديد من اللاجئين كما يرى يوخن غانتر من منظمة أطباء بلا حدود في حوار مع DW.
حوالي 16.000 لاجئ يقبعون في مختلف الجزر اليونانية. ومنذ الاتفاق المبرم بين تركيا واليونان ربيع عام 2016 لم يعد لهم الحق في متابعة رحلتهم نحو أوروبا، إلى حين معالجة طلبات لجوئهم. وتؤاخذ منظمة برو أزول الحكومة الألمانية على مماطلتها في هذا الملف. وكانت الحكومة الألمانية قد التزمت باستقبال 27.500 لاجئ من إيطاليا واليونان حتى شهر سبتمبر من عام 2017، وذلك في إطار برنامج إعادة توطينهم. لكن حتى الآن لم ينتقل منهم سوى 10 بالمائة إلى ألمانيا، حسبما جاء في انتقادات منظمة برو أزول. كما إن منظمة أطباء بلا حدود طالبت الحكومة الألمانية في بيان بالتحرك سريعاً، موضحة أنه رغم تحسن الظروف في بعض المخيمات "فما زال أناس في بعض مراكز الاستبقال الأوروبية في اليونان يعيشون في خيام مكتظة، حيث إن مرافق الصرف الصحي غير كافية وليس لهم إمكانية العيش في ظروف خصوصية." وقد كان يوخن غانتر في الفترة ما بين شهر مايو وفبراير منسقاً لبرنامج منظمة أطباء بلا حدود في مخيم اللاجئين "إيلينيكو" بالعاصمة أثينا. ويشمل المخيم مرافق للألعاب الأولمبية ومطاراً مغلقاً لم يعد يستخدم. DW أجرت معه الحوار التالي:
DW : السيد غانتر ! عندما يتحدث الإعلام عن وضع اللاجئين في اليونان يتم الحديث كثيراً عن الأوضاع المزرية في الجزر اليونانية. هل يختلف الوضع في أثينا عن الأوضاع في جزيرة لوسبوس أو ساموس؟
يوخن غانتر: داخل الأراضي البرية تختلف الأوضاع من مخيم إلى آخر، خصوصاً فيما يتعلق بالسكن. فأغلب عدد طالبي اللجوء تم إسكانهم في مستودعات وبنايات صناعية سابقة، حيث وجب عليهم العيش داخل خيام هناك. وقد قامت مؤسسة مساعدة اللاجئين بتوفير فنادق وبيوت لعدد من اللاجئين الذين يندمجون في إطار برنامج إعادة التوطين أو في إطار لمِّ الشمل. طبعاً لا يمكن هنا المقارنة مع الوضع في الجزر التي يعيش جزء كبير من اللاجئين فيها في الخيام حتى الآن. وحتى في "إيلينيكو" تختلف الأوضاع. ففي أحد المخيمات يسكن 400 إلى 500 شخص في خيام في العراء. أما في المطار القديم فإن الخيام منصوبة داخل البنايات. وفي المستشفى وسط المدينة نقوم برعاية لاجئين يسكنون شققاً في أثينا مثلاً أو في منازل مهجورة.
كيف تتم الرعاية الصحية للاجئين في العاصمة ؟ وما هي الأمراض التي يعاني منها اللاجئون؟
فيما يتعلق بالأمراض الجسدية، هناك أصناف كثيرة، كما قد يكون الأمر في ألمانيا أيضاً. ومع وجود العديد من اللاجئين يسكنون في تلك الخيام، فإن أمراض الزكام تكون كثيرة. وهناك لاجئون متقدمون في السن ويعانون من أمراض مزمنة. أما إذا تحدثنا عن الأمراض النفسية فإن الأمر يختلف بشكل واضح.
كيف ذلك ؟
لا يجب التقليل من العبء النفسي على اللاجئين القابعين في اليونان. فإضافة إلى الصدمات النفسية التي عاشها هؤلاء بسبب الحروب في بلدانهم وإلى معاناتهم خلال الرحلة، هناك أيضاً مشاعر الإحباط والكآبة واليأس. اللاجئون يصرحون: وصلنا الآن إلى هنا ولكن لا يمكن متابعة الطريق!. وعندما يعتبر كل واحد منهم أن لديه فرصة التوطين أو فرصة لمِّ الشمل فإن ذلك لن يتم في غضون أسبوعين، بل ربما بعد شهور طويلة. إن ذلك يأخذ من طاقاته النفسية، خاصة أن بعض اللاجئين ما زالوا يعيشون منذ حوالي عام في خيام.
اليونان بدأت تدريجياً في إدماج الأطفال في النظام المدرسي ولكن ليس لهؤلاء فرصة بناء مستقبل لهم هناك. العديد من الآباء يريدون تحقيق الأفضل لأبنائهم، وكثيراً ما يتم نسيان ذلك عند الحديث في موضوع الهجرة. فقد يعود هذا الجيل في يوم ما إلى وطنه أو قد يصبح جزءاً داخل المجتمع المستقبل له، ولكن ماذا نقدم لهذا الجيل من أجل المستقبل؟ إن الأمر صعب حقاً عندما نرى أطفالاً بنفس العمر في ألمانيا ونتعرف على آفاقهم المنتظرة.
هناك تراجع للاهتمام الإعلامي منذ إخلاء مخيم اللاجئين في إيدوميني على الحدود اليونانية المقدونية في شهر مايو من عام 2016. هل أثر ذلك في عملك هناك؟
لا، هناك مشاريع كثيرة في جميع أنحاء العالم، ونعلم أن الإعلام لا يركز عليها، رغم استمرار المحنة. ويجب على الذين يقدمون المساعدة عدم نهج ذلك التضليل. عندما دخل فصل الشتاء في اليونان زاد الاهتمام الإعلامي والآن تراجع ذلك، ولكن هذا لا ينبغي أن يصرف انتباهنا عن مواصلة العمل.
في يناير دقت منظمات المساعدات الإنسانية ناقوس الخطر بسبب ظروف الحياة في الجزر اليونيانية وتساقط الثلوج ودرجات البرد المتدنية. هل تحسنت الأوضاع حالياً هناك؟
هذا الأمر مرتبط بالمعيار الذي نحدده. من يعرف مخيمات اللاجئين في أجزاء أخرى من العالم قد يرى أن الوضع هنا مقبول. ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أننا نوجد في أوروبا فإن الوضع ليس جيداً. ففي إيلينيكو وحدها مازال الناس يعيشون داخل الخيام.
هل من المنتظر أن يتحسن الوضع عندما ترتفع درجات الحرارة من جديد؟
طبعاً عندما يأتي البرد تزداد الصعوبات ولكن لا يجب الاعتماد على أحوال الطقس فقط . فبالنسبة للاجئين الذين يسكنون الخيام تكون الظروف سيئة كيفما كان فصل السنة: البرد في الشتاء وحر خانق في الصيف أحياناً بمستوى 35 درجة.
هل تحسن الوضع بالمقارنة مع عام 2015 و2016 بشكل عام؟
تغير الوضع بعض الشيء. فمن خلال الاتفاق المبرم بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وإغلاق الحدود استقر عدد اللاجئين. وكل لاجئ جاء هنا حصل على مساعدة. وبصرف النظر عن الخيام في العراء فقد تحسنت أوضاع العيش في الجزر اليونانية بشكل عام. لقد تحسنت الأوضاع ولكن يجب علينا ألا نكتفي بالترحيب بهذا الوضع الذي هو بعيد كل البعد عن كرامة الإنسان التي ننشدها.