أثار صدور أحكام بالسجن مع النفاذ العاجل، على عدد من وزراء الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، على أساس "شبهة فساد" متصلة بتنظيم حفل للمطربة الأميركية ماري كاري، سنة 2006، جدلا كبيرا في المشهد السياسي التونسي، وكأن البلاد قد عادت إلى المربع الأول، الذي خيم على الأوضاع، بعد خروج بن علي من تونس إثر ثورة 14 يناير2011.

برغم حرص الجميع على عدم الذهاب نحو التشكيك في الأحكام القضائية فإن جل التصريحات والمواقف قد لمحت إلى ما يستشف منه وكأنه "توظيف للقضاء في تصفية حسابات سياسية مع رموز النظام السابق".

كما ذهب البعض، إلى أن مثل هذه الأحكام التي وصفت بأنها "قاسية"، لا تساعد أبدا على تقدم المصالحة الوطنية، بقدر ما تعيد أجواء الانقسام السياسي والمجتمعي، فضلا عن كونها تهدد "التوافق السياسي"، الذي يعد إلى حد الآن من مميزات الانتقال السياسي في تونس، وهو ما جنب البلاد الانزلاق نحو الحرب الأهلية أو الفوضى.

في تصريح لـ "العربية.نت" قال كمال بن يونس رئيس تحرير يومية "الصباح" إن "تونس بعد صدور الأحكام الأخيرة تجد نفسها أمام خيارين : إما إعلان مصالحة وطنية على طريقة إسبانيا وجنوب إفريقيا أو محاكمة كل المسؤولين السابقين في الدولة ( من 1956 إلى ديسمبر 2013 مثلما ينص على ذلك قانون العدالة الانتقالية)"، مشيرا إلى أن اختيار الحل الثاني يعني سجن 90% من الوزراء والولاة وكوادر الأحزاب الحاكمة والمعارضة ما قبل يناير 2010 من دون استثناء، إلى جانب سجن الغالبية الساحقة من رجال الأعمال الكبار الذين يمولون الاحزاب والنقابات والجمعيات، إلى جانب سجن قيادات مئات المنظمات التي حصلت على أموال من دول أجنبية وتحوم حولها شبهات مالية وسياسية وأمنية وطنية.

ويرى بن يونس أنه لا خيار فإما المصالحة الوطنية أو الفوضى، مشيرا إلى أن الأحكام الجديدة الانتقائية بالسجن ضد مسؤولين سابقين في الدولة هي بمثابة تكريس لمنطق غريب يتنافى مع كل تجارب العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.

ويشدد كمال بن يونس على أنه مرة أخرى تبدو تونس مهددة بسيناريوهات العنف والعنف المضاد. مشيرا إلى أن "كبار المتورطين في التهريب والاحتكار والرشاوى والاستغلال يزدادون غنى ويحتكرون حوالي 80 بالمئة من ثروات تونس وموظفون سامون يحاكمون أو يحرمون من حقوقهم المدنية بما يتسبب في شل الإدارة ومؤسسات الدولة والمجتمع"