"كلنا دروع بشرية"، هذا لسان حال الآلاف من المدنيين العراقيين الذين اندفعوا هرباً من المعارك في الساحل الأيسر من الموصل ، وكذلك سكان الساحل الأيمن.

منهكون تعلو وجوههم الحيرة والخوف من المجهول وما ينتظرهم، تمكنوا من الفرار من مسلحي داعش الذين احتجزوهم مع تراجعهم في الموصل .

وفي هذا الصدد يروي سعد حسن (34 عاما) الذي فر مع زوجته وأبنائهما الأربعة قائلا: "هددنا عناصر داعش بالسلاح وأجبرونا على الخروج من منازلنا ليجعلوه مضافة لهم.. هربنا خوفاً من قصف الطائرات لأنها تستهدف تجمعات داعش وقد أتوا إلينا ليكونوا معنا ."

وعن عناصر التنظيم، يؤكد سعد أنهم أجانب ولا يتكلمون نهائياً، وإنما يريدون فقط أن ننفذ ما يريدونه وإن لم نفهم قصدهم ينفعلون ويشهرون سلاحهم.

إلى ذلك، يقول العديد من سكان الموصل إن المسلحين احتجزوهم خلال تراجعهم إلى حي المنصور تحت ضغط العملية العسكرية، التي تنفذها القوات العراقية لاستعادة الجانب الغربي من المدينة.

جحيم الخوف

ويروي عبد الجبار أحمد، الذي كان موظفا في إحدى الشركات، والبالغ من العمر 44 عاماً، تجربته قائلاً: "لقد كنا في جحيم وخوف من المجهول وعناصر داعش بطشوا بالناس خصوصاً بعد الخسائر التي لحقت بهم ".

لكن السكان تمكنوا أخيراً من الفرار من داعش مستغلين تقدم القوات الأمنية العراقية، التي تسعى لاستعادة السيطرة على كامل الجانب الغربي من مدينة الموصل بعد أن سيطرت على القسم الشرقي في يناير الماضي.

إلا أن رحلة العذاب لا تنتهي هنا، بحسب شهادات النازحين، فعند خروجهم من أحياء المدينة، نحو المخيمات تأتي الحافلات والشاحنات التابعة للجيش العراقي والتي بدورها تنقلهم إلى أحد المخيمات التي أقيمت على مشارف مدينة الموصل.

وتمشي أسر بكاملها لساعات طويلة تحمل معها متاعاً زهيدا في أكياس بلاستيكية أو في صرر.

وخلال رحلة الهروب هذه، يشاهد المراقب بعض النساء يعمدن إلى إزالة النقاب الذي فرضه عناصر داعش عليهن، كما يرى الرجال بلحى كبيرة أطلقوها خوفاً من بطش داعش، ومسنين ينقلون على عربات بعجلتين أو على كراس نقالة.

وبين هذا العدد الكبير من المدنيين، ينهار فجأة شاب معصوب الرأس بمنديل، فتصيح والدته "لقد أصيب بقذيفة"، وتتوسل ضابطا أن يعطيه خبزا مضيفة "لقد مرت علينا أيام رهيبة".

نزوح أكثر من 75 ألف شخص

شهادات كثيرة تطفو من قبل النازحين، بعد العذاب الذي عاشوه في ظل "حكم داعش". ومن تلك الشهادات، ما عاشه أنس خضر أنس خضر، وهو شاب في الـ18 من عمره، ورواه للعربية.نت، قائلاً "أشعر الآن بالارتياح لفراري من داعش".

ويضيف أنه تعرض لستين جلدة لتخلفه عن الصلاة مرة، وأنه أودع السجن أسبوعا بعدها لشك التنظيم به أنه قد دخن سيجارة. ويقول "لو قبض عليك وبحوزتك هاتف محمول أو أنت تستمع إلى الموسيقى فقد حكمت على نفسك بالإعدام". وأردف مازحاً "هذا الهاتف قد اختفى ولم ير النور لمدة سنتين ".

أما رعد وهو من مواليد عام 1995 فيقول "لم يعد لدينا ما نأكله أو ما نشربه".

وبعد أن كان يحلم بأن يصبح مهندساً زراعيا، اضطر رعد إلى ترك الجامعة في العام 2014، ليعمل بائعا متجولا للفواكه.

يوضح رعد الذي يرتدي ملابس رثة ولديه لحية كثيفة "أريد استئناف دراستي". وأن نشعر بالأمان ما هو ذنبنا.

أما قصة أحمد فواحدة أخرى تنضم لما ارتكبه التنظيم بحق المدنيين، فقد احتجز مع زوجته وأبنائهما التسعة طيلة أربعة أشهر في إحدى مدارس المنصور على أيدي مسلحي داعش.

وفي نفس السياق، يقول عيد وهو في العقد الرابع من عمره "وصل عناصر داعش إلينا وأردوا أن نقاتل معهم لكننا رفضنا بحجة أننا لانعرف استخدام السلاح ". وتابع "الحياة كانت صعبة جداً وجحيم، مع هؤلاء المجرمين كنا نعاني من الجوع ولا نأكل سوى الخبز".