قرارات وبيانات سياسية متلاحقة وسط غموض الوضع العسكري بمنطقة الهلال النفطي جعلت الوضع في ليبيا مقبلا على مشهد جديد أكثر انقساما مقابل صمت عربي ودولي مريب.
وأصدر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بيانا، مساء اليوم الجمعة، طالب فيه طرفي النزاع بمنطقة الهلال النفطي بــ"الانسحاب الفوري" والبدء في "توحيد جهاز حرس المنشآت النفطية" لتولي مهامها لحماية المنشآت النفطية.
قرار المجلس الرئاسي جاء بعد أقل من ساعة من إعلان وزارة الدفاع بحكومة الوفاق عن تشكيلها لقوة قوامها 600 عنصر من أجهزة وكتائب تابعة لها لتقديم المساندة لحرس المنشآت النفطية التابع لحكومة الوفاق "استجابة لطلبه".
وعلى الأرض لا تزال القوتان (قوات الجيش وميليشيات سرايا الدفاع) تقتسم السيطرة على منطقة الهلال النفطي المكونة من أربعة موانئ نفطية (السدرة وراس لانوف والبريقة والزويتينة) وسط استمرار وصول الحشود العسكرية التابعة لقوات الجيش الى البريقة شرق رأس لانوف، في مؤشر ربما يعكس نية قوات الجيش على خوض حرب استرداد لسيطرتها على الموانئ.
وشكلت أحداث الهلال النفطي منعطفا سياسيا جديدا زاد من ارتباك المشهد في البلاد، فإعلان المجلس الرئاسي عن تكليفه آمرا جديدا لحرس المنشآت النفطية ومطالبته بالاستجابة لمطالب سرايا الدفاع عن بنغازي باستلام ميناءي السدرة وراس لانوف منها يمثل استجابة ضمنية وقبولا لحراك "سرايا الدفاع" التي أعلنت عن رغبتها "في التوجه إلى بنغازي ولا نية لها في البقاء في الهلال النفطي، لاسيما أن كلاما يلوح في الأفق عن علاقة تربطها بوزير دفاع حكومة الوفاق المهدي البرغثي، التي زارها واجتمع بقادتها في قاعدة الجفرة مقر تواجد مسليحها.
وتأتي خطورة هذا المستجد بعد اتهام حكومة مجلس النواب للمجلس الرئاسي بدعم مسلحي السرايا ومساندتها لهجومها على المنطقة النفطية، مؤكدة أن سرايا الدفاع هي ميليشيات متطرفة تابعة لتنظيم القاعدة وتستعين بمقاتلين من حركات تمرد تشادية.
وبحسب مراقبين فإن المجلس الرئاسي بدأ في التخلي عن حياده من خلال تهديده المبطن في أول بياناته الأحد الماضي تجاه أحداث الهلال بالقول إن "لديه من الخيارات ما يردع المستهتر"، مؤكدا أنه "لن يقف مكتوف الأيدي"، ولكن السؤال هل ستكون قوات الرئاسي الضاربة منحازة لأحد الطرفين أم ستكون قوة ثالثة؟
ورغم تماسك موقف المجلس الرئاسي نسبيا إلا أن حدث الهلال طال الانقسام في مجلس النواب ليزيد من عمقه إثر إعلان المجلس عن تعليقه مشاركته في الحوار وإلغاء قراره السابق باعتماد الاتفاق السياسي والمجلس الرئاسي.
فقد هدد نواب داعمون للاتفاق السياسي عن "اضطرارهم لعقد جلسة خارج مدينة طبرق" في حال استمرار المجلس في "المجازفة السياسية بمستقبل ليبيا".
ورغم توضيح المتحدث باسم مجلس النواب القرار بأنه "تعليق للمشاركة في الحوار وأن الإلغاء إلغاء للملحق الأول من الاتفاق السياسي وليس كل الاتفاق، إلا أن النواب الداعمين للاتفاق لا يزالون يعارضون القرار بحجة عدم قانونيته لعدم توفر النصاب للتصويت عليه .
ووفق محللين فإن بروز التيار الفيدرالي ضمن أحداث الهلال يشكل مستجدا إضافيا جديدا، فقد أعلن "التكتل الاتحادي الوطني الفيدرالي" أصحاب القرار في برقة "الاستجابة الفورية لمطالبه"، مضيفا في بيان له منتصف الأسبوع الحالي أنه "منذ انقلاب فجر ليبيا والتكتل الفيدرالي يحذر من المخاطر المحدقة بإقليم برقة، وينبه إلى مخاطر مخرجات الحوار ومغبة تجاهل الاتفاق السياسي لمطالب أهل برقة في شكل الدولة".
عربيا يبدو أن أحداث الهلال أعلت من وتيرة مخاوف دول الحوار الليبي، فقد دعا وزيرا الخارجية التونسي خميس الجهيناوي ووزير الشؤون المغاربية والإفريقية الجزائري عبد القادر مساهل، خلال لقاء وزراء خارجية الدول العربية، إلى ضرورة تحرك تونس والجزائر ومصر من أجل حث الليبيين على تجاوز خلافاتهم عبر حوار ليبي شامل ومصالحة وطنية لحل أزمات البلاد.
وبالتوازي وخلال لقاء صحفي حذر الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي من مغبة انجراف الأزمة الليبية بعيدا عن أيدي دول الجوار، وقال "ماذا نفعل إذا وجدنا روسيا جارا بتدخلها في الملف الليبي كما حدث مع الملف السوري؟ ما مبادراتنا إذا اتفق الروس مع الأميركيين والأوروبيين على جدول تدخل في ليبيا؟ نحن من سيدفع الثمن من أمننا واقتصادنا واستقرارنا".
وخلال الصمت الدولي وغموض الموقف العسكري وربما السياسي الداخلي أيضا لا يمكن التكهن بمآلات الاحداث القادمة.