سارعت موسكو الأربعاء للدفاع عن حليفتها دمشق التي اتهمتها المعارضة وعواصم غربية بينها باريس ولندن بقصف مدينة في شمال غرب سوريا بـ"الغازات السامة" ما أسفر عن وفاة 72 مدنياً بينهم أطفال، اختناقاً.

وأثار الهجوم تنديداً دولياً وتحدثت الأمم المتحدة عن "جريمة حرب"، فيما أكدت موسكو ان الطيران الحربي السوري قصف "مستودعاً إرهابياً" يحتوي "مواد سامة" في مدينة خان شيخون في محافظة إدلب الواقعة بالكامل تحت سيطرة فصائل مقاتلة وجهادية.

ويعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً طارئاً الأربعاء يتمحور حول هجوم خان شيخون الذي وقع الثلاثاء ويعد ثاني أكبر اعتداء بـ"مواد كيميائية" خلال النزاع السوري.

ووجه وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون مجدداً الأربعاء أصابع الاتهام للنظام السوري.

وقال على هامش مشاركته في مؤتمر بروكسل حول سوريا "كل الأدلة التي اطلعت عليها توحي بأن ذلك كان نظام الأسد.. يستخدم أسلحة غير مشروعة ضد شعبه".

ونفى الجيش السوري "نفياً قاطعاً استخدام أي مواد كيماوية أو سامة في بلدة خان شيخون"، معتبراً أن "المجموعات الإرهابية ومن يقف خلفها تتحمل مسؤولية استخدام المواد الكيماوية والسامة".

وغداة الهجوم، أعلنت وزارة الدفاع السورية أن "الطيران السوري قصف مستودعاً إرهابياً كبيراً بالقرب من خان شيخون" كان يحتوي على "مشغل لصنع القنابل اليدوية بواسطة مواد سامة".

وأكدت وزارة الدفاع الروسية أن معلوماتها "موثوقة تماماً وموضوعية" من دون تحدد ما إذا كانت قوات النظام على علم بوجود أسلحة كيميائية في المستودع المذكور.

في نيويورك، قدمت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدين الهجوم ويطالب منظمة حظر الاسلحة الكيميائية بإجراء تحقيق في أسرع وقت ممكن.

ويطلب المشروع من دمشق أن يسلم المحققين خطط الطيران وكل المعلومات المتعلقة بالعمليات العسكرية التي كان يقوم بها حينها.

كما يهدد مشروع القرار بفرض عقوبات بموجب الفصل السابع من شرعة الامم المتحدة.

"الثلاثاء الأسود"

ارتفعت حصيلة قتلى "القصف الجوي بالغازات السامة" في خان شيخون لتصل إلى 72 مدنياً، بينهم 20 طفلاً، فضلاً عن 160 مصاباً، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وكان المرصد أفاد الثلاثاء عن وفاة 58 شخصاً، مشدداً أن الحصيلة مرشحة للارتفاع بسبب الإصابات الكثيرة.

وأفاد المرصد السوري أن "غداة يوم الثلاثاء الأسود (...) نفذت طائرات حربية صباح الأربعاء خمس ضربات على مناطق في مدينة خان شيخون".

وفي أحد مستشفيات خان شيخون، ارتمى المصابون وبينهم أطفال على الأسرة وهم يتنفسون بواسطة أجهزة أوكسيجين.

وشاهد مراسل فرانس برس مسعفين يحاولان إنقاذ طفلة من دون جدوى قبل أن يغلق أحدهما عينيها، ليحملها والدها ويقبل جبينها ويخرج بها من المستشفى.

وقال أحد أفراد الطاقم الطبي إن عوارض المصابين تضمنت "حدقات دبوسية واختلاجات وخروج اللعاب من الفم وارتفاع في النبض".

وروى أبومصطفى، أحد سكان المدينة أثناء تواجده في أحد المستشفى، لفرانس برس أنه شاهد "عائلات وقد مات كل أفرادها في فراشهم" اختناقاً.

واثناء تواجد مراسل فرانس برس في المكان تعرض المستشفى لقصف جوي ما أسفر عن دمار كبير.

وشاهد مراسل فرانس برس مستودعات أدوية وقد انقلبت رأسها على عقب.

وندد الأمين العام للجامعة العربية أحمد ابو الغيط الأربعاء بـ"جريمة كبرى وعمل بربري" في خان شيخون.

"جرائم حرب"

ودانت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل "بشدة الهجوم الكيميائي" مؤكدة أن "يجب المحاسبة على جرائم حرب مماثلة"، وفق ما نقل المتحدث باسمها في تغريدة على تويتر. وندد البابا فرنسيس "بمجزرة غير مقبولة".

ولدى وصوله إلى بروكسل للمشاركة في مؤتمر دولي حول سوريا، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأربعاء أن "هذه الأحداث المروعة تظهر للأسف أن جرائم حرب لا تزال (ترتكب) في سوريا وأن القانون الإنساني الدولي ينتهك بشكل متكرر" في هذا البلد.

وأعلنت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في سوريا الثلاثاء انها "تحقق" في الهجوم.

ووافقت الحكومة السورية في العام 2013 على تفكيك ترسانتها الكيميائية، بعد اتفاق روسي أمريكي أعقب تعرض منطقة الغوطة الشرقية، أبرز معاقل المعارضة قرب دمشق، لهجوم بغاز السارين في 21 أغسطس 2013 وتسبب بمقتل المئات.

وتم التوصل إلى الاتفاق بعد تهديد واشنطن بشن ضربات على دمشق.

وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قال الثلاثاء "كما حصل في الغوطة (...) فإن بشار الأسد يهاجم مدنيين مستخدماً وسائل يحظرها المجتمع الدولي".

ووصف البيت الأبيض "العمل المروع من جانب نظام بشار الأسد" في خان شيخون بـ"المشين".

وبدا أن واشنطن اتخذت موقفاً أكثر حزماً من الأسد الثلاثاء بعد أيام على تصريحات أمريكية اعتبرت أن رحيله لم يعد أولوية لواشنطن التي ستركز على مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر إن "من مصلحة" السوريين عدم بقاء الأسد.

واعتبرت المعارضة السورية أن الهجوم في خان شيخون الذي اتهمت قوات النظام بتنفيذه يضع مفاوضات السلام في جنيف في "مهب الريح".

وقال كبير المفاوضين في وفد الهيئة العليا للمفاوضات إلى جنيف محمد صبرا إن "الجريمة تضع كل العملية السياسية في جنيف في مهب الريح، وتجعلنا نعيد النظر بجدوى المفاوضات" بعد أيام على انتهاء الجولة الخامسة منها برعاية الأمم المتحدة.

ودعت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني الأربعاء إلى إعطاء "زخم قوي" لمفاوضات السلام على هامش مشاركتها في مؤتمر ينظمه الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة حول مستقبل سوريا.