"وحوش وليسوا أبطالاً".. بهذ العنوان وصفت مجلة دير شبيغل الألمانية ما يجري لأهالي مدينة الموصل الواقعة شمالي العراق، على يد القوات العراقية التي تقاتل لاستعادة المدينة من قبضة تنظيم "داعش"، حيث وثقت المجلة بالصور العديد من حالات الانتهاكات التي ارتكبتها القوات العراقية في المدينة، منذ انطلاق العمليات في السابع عشر من أكتوبر من العام الماضي.
مراسل المجلة الألمانية، علي أركادي، رافق القوات العراقية منذ انطلاق الحملة وخرج بحصيلة من الحقائق التي تكشف لأول مرة، فالصحفي الذي كان يرغب بكتابة تقرير لمجلته عن أبطال التحرير في الموصل، في إشارة إلى الجنود العراقيين، غيَّر رأيه بعد معايشته للواقع عن قرب، وأطلق وصف "وحوش" بدلاً من "أبطال" الذي كان ينوي إطلاقه على الجنود العراقيين.
يقول الصحفي إنه شهد أول عملية تعذيب وإعدام في يوم 22 أكتوبر من العام 2016، عندما اعتقلت قوات الرد السريع شابين في قاعدة القيارة جنوب الموصل، وقامت هذه القوات بتعذيبهما لعدة أيام ومن ثم قاموا بإعدامهما.
ويتابع أنه أخذ إجازة وعاد إلى منزله وبعدها ذهب إلى حمام العليل بتاريخ 11 نوفمبر عام 2016، ومنذ ذلك الحين حدثت أمور أكثر؛ تعذيب واغتصاب وقتل الناس لأجل الشك فقط.
وأضاف الصحفي أن القوات الحكومية بعد أن سيطرت على قرية قبر العبد قرب حمام العليل، قام عناصر الاستخبارات باعتقال عدة أشخاص من بينهم "رعد هندية"، وهو حارس لأحد المساجد في القرية، حيث أخذوه واستجوبوه وضربوه لعدة ساعات وأطلقوا سراحه.
ويستطرد الصحفي قائلاً: "بتاريخ 22 نوفمبر داهمت ليلاً قوة مكونة من 10 أشخاص، وكانت القوات الأمريكية في مكان قريب وتراقب المداهمة عبر طائرة مسيرة، كان رعد هندية نائماً مع عائلته عندما قاموا باعتقاله للمرة الثانية، وقاموا بتعذيبه لساعات قبل أن يقوموا بنقله إلى مقر الاستخبارات، وهناك تم تعذيبه لمدة أسبوع، وبعد ذلك تم قتله مع عدد آخر من المشتبه بهم. وهذا حسب قول النقيب ثامر الدوري أحد ضباط الاستخبارات. وفي نفس الليلة اعتقلوا شاباً يدعى رشيد وكان بريئاً وشهد له عناصر استخبارات في الجيش، لكن ذنبه أن شقيقه الأكبر التحق بـ"داعش" هو وزوجته، توفي رشيد بعد 3 أيام من التعذيب ورأيت جثته في مقر الاستخبارات".
وبحسب قول الصحفي فإن الكابوس قد بدأ الآن، قوات الرد السريع قامت باعتقال العديد من الأشخاص من حمام العليل؛ من بينهم أب وابنه البالغ من العمر 16 عاماً، وتم اقتيادهم إلى مقر العمليات، الأب مهدي محمود تم تعليقه من يديه خلف رأسه وهو معصوب الأعين وقاموا بضربه على ظهره، وكان ابنه في الغرفة المجاورة وكان يستطيع سماع صراخ أبيه، مستطرداً "كنت هناك وقمت بالتصوير ولم يحاولوا منعي، وبعدها قاموا بضرب الابن أمام أعين أبيه وبعدها قاموا بقتله".
ويتابع: "بعدها أصبحت الأمور خارج السيطرة أكثر فأكثر، وكنت أفكر وأقول كيف استطعت الوصول إلى هنا؟ لماذا يجعلونني أصورهم وهم يعذبون الناس؟ كيف يكون هذا وثائقياً عن التحرير من "داعش"؟ لكنهم لا يفكرون مثل الصحفيين؛ بالنسبة إليهم أصبح هذا الشيء أمراً عادياً، وبنفس الوقت قلت لنفسي يجب أن توثق هذا، وتثبت أنهم فعلوا هذه الأمور التي تظهر كيف ارتكبوا جرائم الحرب".
ويوضح الصحفي، الذي يعمل مراسلاً مع الصحيفة الألمانية، أن المنطقة كان يعمل فيها صحفيون غربيون لكنهم يأتون في النهار فقط ويعودون إلى أربيل في المساء، ويقول: "كنت أبقى وحدي مع القوات التابعة لوزارة الداخلية.
في منتصف شهر ديسمبر تم نقلنا إلى مقر آخر في بازوايا في الأطراف الشرقية لمدينة الموصل، كان هناك شقيقان ليث وأحمد وتم اعتقالهما بواسطة الفرقة الذهبية، وتم إطلاق سراحهما لنقص الأدلة، والآن تم اعتقالهما مرة أخرى وإحضارهما إلى هنا. في المساء لم يكن هناك ضباط فقط جنود وكانوا مسؤولين عن التعذيب، بدؤوا أولاً بضرب الاثنين أولاً بالضرب وبعدها وضعوا سكيناً خلف أذن أحمد، وكانت تقنية تعلموها من الجنود الأمريكيين. علي أحد الجنود تفاخر بذلك وفوجئت بأنهم سمحوا لي بالتصوير، وبقيت هناك لمدة ساعة وفي الصبح أخبرني أحد الجنود أن كِلا الشقيقين تم تعذيبهما حتى الموت، وأظهر لي فيديو فيه جثثهم حتى أنه أرسله لي على الواتساب، كما يروي ما حصل معه".
ويسرد المراسل الصحفي ما حدث معه في يوم 16 ديسمبر، ويقول: "وصلت قوة من الرد السريع إلى بازوايا، وكانوا قد حصلوا على بعض الأسماء من أحد المخبرين لمن قيل إنهم أشخاص قاتلوا مع "داعش"، وفي نفس الليلة خرجت معهم في حملة مداهمة، قاموا بمداهمة أحد المنازل وأخرجوا رجلاً يدعى فتحي أحمد صالح، قاموا بسحبه من غرفة النوم حيث كان إلى جوار زوجته وأطفاله الثلاث، أحد العناصر يدعى حيدر علي دخل إلى الغرفة وقال إنه سيقوم باغتصاب المرأة، وأنا رافقت البقية لأرى ماذا سيفعلون بزوجها، بعد 5 دقائق شاهدت المدعو حيدر علي أمام الباب المفتوح وفي الداخل المرأة وهي تبكي، فسأله النقيب عمر نزار: ماذا فعلت؟ فأجاب حيدر: "أنها حظيت بيومها". قمت بتصوير المرأة وهي بداخل الغرفة وبين يديها أصغر أطفالها، فنظرت إليّ ولكني كنت أصور بلا تفكير".
ويتابع رصد ما حصل معه: "في أثناء ذلك قام بقية الجنود بإخلاء المنزل وسرقوا ما استطاعوا حمله معهم. السجين الأخير في تلك الليلة كان أحد عناصر الحشد العشائري السُّني، لكن الحشد الشيعي لا يحبون السُّنة لذا قاموا بأخذه لأحد الأبنية وقام أحد الجنود باغتصابه. وعندما عادوا إلى المقر سألهم المشرف الأمريكي عبر اللاسلكي: ماذا فعلتم؟ فأجابه النقيب عمر نزار: كل شيء؛ لقد أخذنا رجالاً ونساء وقمنا بنهب المنازل. فأجاب المشرف الأمريكي: حسناً أنتم تعرفون ما تفعلون. الأمريكان كانوا على دراية بكل ما يحدث".
ويتابع: "كان هناك نوع من المنافسة بين الشرطة الاتحادية وقوات الرد السريع، عندما قال عناصر الشرطة الاتحادية أنهم وجدوا امرأة حَسنة المظهر في أحد المنازل وقاموا باغتصابها، قال عناصر الرد السريع أنهم يريدون الذهاب إلى ذلك المكان مرة أخرى".
ويتذكر الصحفي العراقي آخر أيامه مع قوات الرد السريع، مشيراً إلى أنه لم يعد باستطاعته تحمل ذلك، ويضيف: "تخيلت أن تلك قد تكون زوجتي أو ابنتي. وعندما كان النقيب وأحد الجنود يضربان المعتقلين طلبوا مني أن أنضم إليهم وأشاركهم في ضرب المعتقلين. لقد كان موقفاً عبثياً الجميع عاملني كأني جزء من فريقهم. كان علي فعل ذلك لأني كنت خائفاً، فأنا كردي وأعمل لدى وكالة صحفية أمريكية، وكانوا أربعة أشخاص ويحملون السلاح، وطلب مني عدة مرات أن أشاركهم، قمت بصفع أحد المعتقلين لكن ليس بقوة، كان أمراً فظيعاً وكان آخر شيء فعلته هناك".
وفي محاولته الخروج من المنطقة سالماً، تحدث الصحفي عن الطريقة التي تمكن من خلالها من المغادرة وقال: "ادعيت أن ابنتي مريضة وعدت إلى عائلتي في خانقين، وبقيت هناك بضعة أيام وبعدها أخذت عائلتي إلى مكان آمن خارج العراق؛ لأنه كان من الواضح أن حياتي ستكون في خطر فور نشري للأدلة التي تثبت هذه الجرائم".
الصحفي علي أركادي يختم تقريره المطول بالقول: "الآن عرفت كيف استطاعت "داعش" السيطرة على الموصل وغيرها من المناطق السُّنية بسهولة".