(أ ف ب)

تواجه المنظمات الإنسانية عقبات عدة أمام قدرتها على الاستجابة لآخر الأزمات الإنسانية في النزاع السوري والناتجة عن تصاعد حدة المعارك الهادفة لطرد تنظيم داعش من الرقة، معقله الأبرز في سوريا.


وفرّ عشرات آلاف المدنيين من مدينة الرقة ومناطق اخرى في المحافظة الشمالية منذ بدأت قوات سوريا الديموقراطية في نوفمبر الماضي حملة "غضب الفرات" ضد المسلحين بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

ويتوقع أن تشهد مدينة الرقة موجات نزوح جديدة بعد دخول قوات سوريا الديمقراطية إليها الأسبوع الماضي.

ويعد إيصال المساعدات الانسانية إلى الرقة أمرا في غاية الصعوبة لوجودها في منطقة شبه صحراوية معزولة. ولا يدخل عبر الحدود التركية والعراقية المغلقة في معظم الوقت سوى جزء بسيط جدا من الدعم.

وتقول منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود بوك ليندرز "هناك إمدادات، لكنها لا تزال محدودة جدا فيما حاجات السكان كبيرة جدا".

وتغلق تركيا المعابر الحدودية بينها وبين مناطق سيطرة الأكراد في شمال سوريا، خصوصا أنها تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية، منظمة "إرهابية".

أما المعبر مع العراق الذي يبعد 300 كيلومتر شمال شرق الرقة، فلا يزال مفتوحا، غير أن الحركة عليه بطيئة، وفق ما يقول مسؤولون محليون.

وتعمد الأمم المتحدة بين الحين والآخر إلى إيصال المساعدات جوا من دمشق إلى القامشلي شمال شرق الرقة في عملية "معقدة ومكلفة".

ويبقى هذا الإجراء غير كاف لتأمين احتياجات السكان، وفق ما يقول المتحدث الاقليمي لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية دايفيد سوانسون.

وتأمل الأمم المتحدة حاليا نقل المساعدات الإنسانية من حلب إلى القامشلي، لتقطع مسافة تبلغ أكثر من 4000 كيلومتر، لكنها لا تزال بحاجة إلى اختبار سلامة الطريق، حسب سوانسون.

بين قناصة داعش وغارات التحالف

كان يعيش في مدينة الرقة التي استولى عليها المسلحون في 2014، نحو 300 ألف مدني، إضافة إلى 800 ألف نازح من مناطق سورية أخرى، لكن عشرات الآلاف فروا خلال الاشهر الاخيرة من المدينة ومناطق أخرى في المحافظة على وقع تقدم قوات سوريا الديموقراطية التي طردت المسلحين من مناطق واسعة في ريف الرقة الشمالي والغربي والشرقي قبل ان تدخل المدينة الاسبوع الماضي.

وتقدّر الامم المتحدة ان أكثر من 169 الف شخص نزحوا في محافظة الرقة شهري ابريل ومايو. ويعيش الآلاف حاليا في مخيمات مكتظة لا تتوفر فيها المواد الأساسية.

وفي مخيم ببلدة عين عيسى، 50 كيلومترا شمال الرقة، يقول نازحون جدد إنهم ينامون في العراء من دون فراش أو خيم فوق رؤوسهم.

ويوضح مدير المخيم جلال عياف "يعيش حاليا أكثر من 25 ألف شخص في مخيم عين عيسى الذي أنشئ ليستقبل عشرة آلاف شخص" فقط.

ويضيف "توفر المنظمات الإنسانية الدعم ولكنه غير كاف للأعداد التي تصل" إلى المخيم.

ويستقبل مخيم عين عيسى يوميا، حسب ليندرز من "أطباء بلا حدود"، مجموعات تصل إلى 8000 شخص. واختار آخرون النوم على جوانب الطرق وتحت الأشجار في مناطق واقعة شمال المدينة.

ويشرح بول دونيهي من "لجنة الإنقاذ الدولية" أن "الوضع الأمني غير المستقر بشكل كبير" مصدر قلق آخر للمنظمات الانسانية في المنطقة.

ويوضح "هناك كثير من الألغام والعبوات الناسفة، فضلا عن مخاطر أن يشن تنظيم داعش هجمات"، مشيرا الى "تقارير حول مقتل مدنيين فارين جراء غارات التحالف" الدولي.

ويعتقد أن "أكثر من نصف سكان الرقة قد يفرون من المدينة في نهاية المطاف، ولكن يبقى هؤلاء عرضة للالغام وقناصة تنظيم داعش وللغارات الجوية".

خياران يفضيان إلى الموت

ويعاني المدنيون الفارون في المخيمات مشاكل صحية عديدة بدءا من النقص في السوائل وصولا الى أمراض مزمنة لا تتوفر القدرة على علاجها.

وتتوقع المنظمات الإنسانية ارتفاعا أيضا في أعداد الجرحى بين الفارين مع تصاعد حدة المعارك في المدينة.

وتعمل "أطباء بلا حدود" على إنشاء مراكز طبية قرب خطوط الجبهة لإنقاذ الجرحى قبل نقلهم إلى أقرب مستشفى.

وتقول ليندرز "توجد الغام في المستشفيات (في مناطق تمت استعادتها من المسلحين) ومن الصعب جدا إعادة العمل بها قبل إزالة الإلغام (...) هذا امر قد يشكل تحديا كبيرا".

أما أكثر الأمور صعوبة فهو قدرة المنظمات الإنسانية اصلا على الوصول الى من يحتاجون المساعدات.

ويوضح دونهي "ينتهي الأمر بكثير من الأشخاص الفارين في مناطق قريبة جدا من جبهات القتال" يصعب على المنظمات الانسانية الوصول إليها.

ولا يتمكن الكثيرون أصلا من مغادرة مدينة الرقة كون تنظيم داعش يستخدم العنف والتهديدات والاعتقال لمنعهم من الفرار.

ويخاطر الفارون أصلا بالمرور في مناطق اشتباك أو في حقول ألغام أو حتى احتمال استهدافهم بالخطأ ظنا من طائرات التحالف أنهم عناصر في التنظيم المتطرف.

وحذرت "اطباء بلا حدود" الأسبوع الماضي من أن المدنيين يجدون انفسهم امام "خيارين مميتين".

وجاء في تقرير للمنظمة "على الأهالي أن يتخذوا قراراً مستحيلا: إما أن يبقوا في الرقة ويعرضوا أطفالهم للعنف والضربات الجوية المُتزايدة، أو أن يخرجوا بهم عبر خطوط المواجهة الأمامية، مع علمهم بأنهم سيضطرون إلى عبور حقول الألغام وأنه من المُمكن أن يجدوا أنفسهم في مرمى نيران الاشتباكات".