وسط المشهد الحالي العراقي والسوري، يكثر الحديث عن التغلغل الإيراني في هذين البلدين، وتأتي الوقائع على الأرض، لتقدم أدلة جديدة على تلك السياسة التي تنتهجها طهران.

ولعل الحديث عن بعض الميليشيات المدعومة من إيران، لاسيما حركة النجباء يعطي فكرة أوضح عن الدعم الذي تقدمه إيران لتلك الميليشيات في العراق خدمة لأهدافها التي تقوض أمن المنطقة.

حركة حزب الله النجباء

في أواخر مايو زار رجل دين عراقي يدعى أكرم الكعبي مقاتلين في بلدة عراقية مقفرة قرب الحدود السورية. والكعبي هو الأمين العام لفصيل شيعي يسمى حركة حزب الله النجباء . كان هذا في بلدة القيروان التي استعادتها ميليشيات النجباء من قبضة تنظيم داعش.

قاتل عناصر ميليشيا النجباء أيضاً على الجانب الآخر من الحدود في سوريا، دعماً لرئيس النظام السوري بشار الأسد.

ويبلغ عدد مقاتلي تلك الميليشيات نحو 10 آلاف، مكونة من عراقيين إلا أنها موالية لإيران، تخدم مصالحها.

"النجباء".. "يد" إيران الساعية لشق طريق إلى دمشق
play icon
أكرم الكعبي، الأمين العام لفصيل شيعي يسمى حركة حزب الله النجباء يرتدي زيا مموها (في وسط الصورة) في بلدة القيروان في العراق على الحدود مع سوريا يوم 27 مايو 2017. (صورة لرويترز من وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء ويتم توزيعها كما تلقتها رويترز كخدمة لعملائها. هذه الصورة للأغراض التحريرية فقط. ليست للبيع ولا يسمح باستخدامها في حملات تسويقية أو إعلانية).


طريق إمداد نحو دمشق

ويعتبر العديد من المتابعين للشأن العراقي، ومن بينهم النائب العراقي شكوان عبدالله والعميد المتقاعد في الجيش اللبناني إلياس فرحات ومسؤولون آخرون سابقون وحاليون في العراق أن الحركة تساعد طهران في إنشاء طريق إمداد إلى دمشق عبر العراق.

ويمر الطريق عبر سلسلة من المدن الصغيرة بما في ذلك القيروان. ولفتح الطريق تتوغل ميليشيات مدعومة من إيران في جنوب شرقي سوريا قرب الحدود مع العراق، حيث تتمركز القوات الأميركية.

وتعتبر حركة النجباء مثالاً على سعي إيران لتوسيع النفوذ الشيعي في العراق والمنطقة.

في الثمانينيات خاضت إيران الشيعية حرباً ضد العراق الذي كان يحكمه السنة، لكن بعد سقوط صدام حسين سيطرت الأغلبية الشيعية على الحكومة في العراق. منذ ذلك الحين زادت قوة العلاقات بين الحكومتين في بغداد وطهران واكتسبت إيران مزيداً من النفوذ بالعراق.

وتلعب أموال إيران ودعمها دوراً كبيراً الآن في نفوذ الحكومة العراقية.

"نهج ولاية الفقيه"

إلى ذلك، قال الكعبي مراراً إن حركة النجباء متحالفة مع إيران. وفي الخريف الماضي نقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء عن الكعبي قوله إن الجماعة تتبع نهج ولاية الفقيه وهي الأساس الفكري الذي يقوم عليه نظام الحكم الديني في إيران. وقال مسؤولون عراقيون حاليون وسابقون لرويترز إنهم يشعرون بالقلق من أن حركة النجباء ستساعد إيران في تحقيق تقدم استراتيجي حاسم.

وقال فرحات العميد المتقاعد بالجيش اللبناني "إذا تمكنت إيران من فتح هذا الطريق فسوف تتمكن من الوصول إلى حزب الله في لبنان عبر العراق وسوريا".

إلى ذلك، قال مستشار أمني يعمل مع عدد من الحكومات في الشرق الأوسط إن إيران بحاجة إلى طريق بري يتيح توصيل الإمدادات إلى دمشق من أجل الصراع في سوريا. وأضاف المستشار الذي طلب عدم نشر اسمه لحساسية القضية "تكلفة النقل الجوي بالنسبة للفصائل باهظة. نقل القوات والإمدادات الخفيفة سهل لكن من الصعب تحميل الأسلحة الثقيلة على الطائرات".

ومضى قائلا "الهدف هو فتح طريق على الجانبين من أجل الإمدادات اللوجستية... يريدون إدخال قطع المدفعية والصواريخ والمعدات الثقيلة مثل الجرافات".

الحرس الثوري الإيراني

في العراق، تقاتل حركة النجباء تحت مظلة ميليشيات الحشد الشعبي، التي تضم عشرات الآلاف من المقاتلين، في العام الماضي أقر البرلمان العراقي قانوناً يضع هؤلاء المقاتلين تحت سيطرة الحكومة العراقية.

لكن مسؤولين حاليين وسابقين في العراق وأعضاء فصائل مسلحة يقولون إن الحرس الثوري الإيراني سلح ودرب الكثير من هذه الفصائل.

ولم يتحدث رئيس الوزراء حيدر العبادي وغيره من كبار المسؤولين العراقيين علناً عن حركة النجباء أو الطريق الجديد. لكن بعض العناصر داخل الائتلاف الحكومي العراقي تريد أن تنأى بالعراق عن إيران.

إياد علاوي، أحد نواب الرئيس، وهو شيعي لكن له رؤية قومية ويريد أن يمنع امتداد الصراع في سوريا إلى العراق. وقال في مقابلة "يجب أن تمنعهم حكومة العراق (الفصائل الشيعية) من الذهاب إلى سوريا. لا يفترض أن نوفر مقاتلين لدعم نظام دكتاتوري في سوريا".

لكن السؤال المهم بالنسبة للعراق وسوريا يبقى ماذا سيكون وضع حركة النجباء تلك والميليشيات الشيعية المسلحة المماثلة إذا انسحب تنظيم داعش من سوريا والعراق وهو ما يبدو مرجحاً؟

طبعاً الجواب الإيراني أتى قبل فترة واضحاً، إذ قال خامنئي في أواخر يونيو إنه ينبغي عدم القيام بأي محاولات لإضعاف الحشد الشعبي. ويتشابه هذا الجواب مع تصريحات أخرى أطلقت على لسان أمين عام حزب الله اللبناني الذي أكد مراراً أن "اليد التي ستمتد إلى سلاحه ستقطع".

تصريحات تأتي ضمن نهج واحد، نهج تقوية الميليشيات على حساب الدولة المركزية والقوى الأمنية الرسمية!