تونس - نصرالدين بن حديد
بعد طول انتظار وتشويق، صدر بيان عن رئاسة الجمهورية التونسية، جاء فيه أن "رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي ختم يوم الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 القانون الأساسي المتعلق بالمصالحة في المجال الإداري". هذا الختم، ينهي جدلاً دام لأشهر طويلة، سواء عندما كانت هذه "المصالحة" مجرد فكرة أو اقتراح، أو حتى عندما تحولت إلى "مشروع قانون"، ليكون الصراع على أشده، بين فرقاء عديدين، رأى كل القانون وخاصة منافعه أو الضرر منه، من زاويته، وصولاً إلى تمرير القانون إلى "الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين"، التي عجزت أو هي رفضت وفق رؤية البعض تزكية القانون أو رفضه، فعمدت إلى تمريره إلى رئيس الجمهورية، الذي بإمضائه، أغلق باباً وفتح البلاد والوضع العام على أبواب أخرى. الناظر إلى المشهد السياسي في تونس، يتأكد من حال التوتر القائم، سواء بين الفرقاء السياسيين، أو حتى داخل كل كيان سياسي، ومن ثمة ينقلب أي اختلاف في وجهات النظر أو أي خلاف في الرؤية، إلى معركة، تبرز إلى السطح من خلالها جميع حالات التوتر السائد، أو التي تبحث عن تعلات تخرج من خلالها إلى العلن. "قانون المصالحة في المجال الإداري" يخص الموظفين وأشباه الموظفين أي الذين تم تسميتهم بقرار سياسي، ارتكبوا تجاوزات بناء على أوامر شفاهية، لم يملكوا القدرة لا لرفضها أو اشتراط أن تكون مكتوبة. أصحاب فكرة القانون انطلقوا من قناعة أن هؤلاء الموظفين وأشباه الموظفين، نفذوا بفعل الخوف وتحت طائلة الإكراه، خاصة ألا أحد من هؤلاء تكسب أو ربح شيئاً من جراء هذا التنفيذ، علماً بأن العديد من الموظفين وأشباه الموظفين لهم قضايا في المحاكم، في حين يقع آخرون تحت تهديد القضايا التي يمكن لأي جهة أن تثيرها. الواقفون ضد القانون والرافضون له، يرون أن على مستوى النص والتشريعات، توجد قوانين زمن الرئيس السابق زين العابدين بن علي، تجرم هذه الممارسات، وتمكن أي موظف أو شبه موظف من اشتراط أن تكون الأوامر التي يتلقاها مكتوبة، ومن ثمة وفق الرافضين، لا يمكن للقانون أن يغفر لمن كان يدري وعلى يقين بأنه يتجاوز القانون. يتفق الموالون كما الرافضين، أن قراءة الموضوع تكون من زاوية سياسية بالكامل، حين يرى المدافعون أن المناخ العام في العهد السابق لم يكن يمكن من أي رفض أو حتى مجرد الاشتراط أن تكون الأوامر مكتوبة، بل يضيفون أن الذي رفض حينها تعرض إلى "عقوبات" دمرت حياته أو كادت. أهم من القانون وما سيغلق من ملفات قضائية بعضها محل بحث ومحاكمة، وأخرى لا تزال طي الانتظار، أنه يفتح الباب على "مصالحات قادمة" سواء التي تخص كبار السياسيين أو رجال أعمال، لايزلون بين انتظار لأحكام قضائية أو فتح المحاكمات من أساسها. المشهد الحقيقي للمواقف من هذا القانون والقوانين المماثلة التي من المنتظر أن تتبعه، أعمق بكثير من تقسيم البلاد أو الساحة السياسية في تونس، بين "موالين" من جهة يقابلهم "الرافضون"، حين تشق كل "جبهة" عديد الخلافات، بل هي قراءات مرتبطة بواقع البلاد السياسي وكذلك ما هو مفترض من مواعيد انتخابية. هذه الطبقة أو هو الطيف السياسي المتمتع بهذا القانون، الذي كان يعيش واقع الخوف أو هو الرعب من "سيف القانون"، بدؤوا يتحولون من "باحثين عن حماية" يدفعون مقابلها ما هو مطلوب، إلى "فاعلين" قد يختارون التحالف مع أي جهة أو العمل بمفردهم، أي انقلابهم من "طاقة كامنة" تتعرض إلى ابتزاز شديد، إلى "قوة فاعلة" ذات قدرات كبيرة. الصراع من أجل هذا "الكنز" ضمن جميع المعاني الممكنة للفظ، أشعل حرباً شعواء داخل "جناح الموالاة" لهذه المصالحة، بل من المنظر أن تكون هذه "المواجهة" العنوان الأكبر والميدان الأساسي لجميع الصراعات القائمة والقادمة في تونس، بدءاً بتسريع بقية "قوانين المصالحة" أو تعطيلها، أو اللعب على تفاصيل القوانين توسيعًا كان أو تضييقًا، وخاصة شرط التمتع بها. هذه الحروب المزمنة والصراعات التي يتشكل من خلالها وعلى أساسها المشهد القائم والقادم، رغم أهميتها، إلا أننا لا تُنسي حرباً "جانبية" تأتي هي الأخرى شديدة الأهمية، أساسًا على مستوى "صورة تونس" في الخاص، وهي تخص -وفق عديد المراقبين- الصراع الدائر بين كل دوائر الدولة وجميع الجهات السياسية الداعمة لهذه "المصالحات" من جهة، في مقال "هيئة الحقيقة والكرامة" التي تأتي هيئة دستورية مهمتها تأمين الانتقال الديمقراطي في شكله القانوني، وكذلك فض جميعها القضايا ذات علاقة بالتعدي السياسي، مهما كان شكله، على الحقوق الأساسية للإنسان. سهام بن سدرين، رئيسة الهيئة أعلنت الأمر عديد المرات، بل اشتكت إلى منظومات دولية وإقليمية، وعبرت عن خوفها، بل يقينها بأن جميع هذه "المصالحات" والمسعى السياسي الذي يقف وراءها، لا هدف له، سوى تعطيل أشغال هذه الهيئة، ومن ثمة تفادي كل أشكال المحاسبة أو وجوب الاعتراف وطلب الصفح الذي يليه. بين نوايا التي عبر عنها بيان القصر الرئاسي في ختامه "يهدف هذا القانون الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب يوم الأربعاء 13 سبتمبر 2017، إلى تهيئة مناخ ملائم يشجع على تحرير روح المبادرة في الإدارة والنهوض بالاقتصاد الوطني وتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة"، من جهة، مقابل "الطيف الثوري" الذي لا قوة له سوى المزايدات الكلامية، دون أن ننسى حروب "الإخوة الأعداء"، وما هو الصراع الوجودي مع "هيئة الحقيقة والكرامة"، يتساءل العمق التونسي، عن جدوى هذه المصالحات، وتأثيرها على مستوى معيشته وقدرته الشرائية التي عرفت بشهادة الإحصائيات الرسمية، تراجعاً مقلقاً.
بعد طول انتظار وتشويق، صدر بيان عن رئاسة الجمهورية التونسية، جاء فيه أن "رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي ختم يوم الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 القانون الأساسي المتعلق بالمصالحة في المجال الإداري". هذا الختم، ينهي جدلاً دام لأشهر طويلة، سواء عندما كانت هذه "المصالحة" مجرد فكرة أو اقتراح، أو حتى عندما تحولت إلى "مشروع قانون"، ليكون الصراع على أشده، بين فرقاء عديدين، رأى كل القانون وخاصة منافعه أو الضرر منه، من زاويته، وصولاً إلى تمرير القانون إلى "الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين"، التي عجزت أو هي رفضت وفق رؤية البعض تزكية القانون أو رفضه، فعمدت إلى تمريره إلى رئيس الجمهورية، الذي بإمضائه، أغلق باباً وفتح البلاد والوضع العام على أبواب أخرى. الناظر إلى المشهد السياسي في تونس، يتأكد من حال التوتر القائم، سواء بين الفرقاء السياسيين، أو حتى داخل كل كيان سياسي، ومن ثمة ينقلب أي اختلاف في وجهات النظر أو أي خلاف في الرؤية، إلى معركة، تبرز إلى السطح من خلالها جميع حالات التوتر السائد، أو التي تبحث عن تعلات تخرج من خلالها إلى العلن. "قانون المصالحة في المجال الإداري" يخص الموظفين وأشباه الموظفين أي الذين تم تسميتهم بقرار سياسي، ارتكبوا تجاوزات بناء على أوامر شفاهية، لم يملكوا القدرة لا لرفضها أو اشتراط أن تكون مكتوبة. أصحاب فكرة القانون انطلقوا من قناعة أن هؤلاء الموظفين وأشباه الموظفين، نفذوا بفعل الخوف وتحت طائلة الإكراه، خاصة ألا أحد من هؤلاء تكسب أو ربح شيئاً من جراء هذا التنفيذ، علماً بأن العديد من الموظفين وأشباه الموظفين لهم قضايا في المحاكم، في حين يقع آخرون تحت تهديد القضايا التي يمكن لأي جهة أن تثيرها. الواقفون ضد القانون والرافضون له، يرون أن على مستوى النص والتشريعات، توجد قوانين زمن الرئيس السابق زين العابدين بن علي، تجرم هذه الممارسات، وتمكن أي موظف أو شبه موظف من اشتراط أن تكون الأوامر التي يتلقاها مكتوبة، ومن ثمة وفق الرافضين، لا يمكن للقانون أن يغفر لمن كان يدري وعلى يقين بأنه يتجاوز القانون. يتفق الموالون كما الرافضين، أن قراءة الموضوع تكون من زاوية سياسية بالكامل، حين يرى المدافعون أن المناخ العام في العهد السابق لم يكن يمكن من أي رفض أو حتى مجرد الاشتراط أن تكون الأوامر مكتوبة، بل يضيفون أن الذي رفض حينها تعرض إلى "عقوبات" دمرت حياته أو كادت. أهم من القانون وما سيغلق من ملفات قضائية بعضها محل بحث ومحاكمة، وأخرى لا تزال طي الانتظار، أنه يفتح الباب على "مصالحات قادمة" سواء التي تخص كبار السياسيين أو رجال أعمال، لايزلون بين انتظار لأحكام قضائية أو فتح المحاكمات من أساسها. المشهد الحقيقي للمواقف من هذا القانون والقوانين المماثلة التي من المنتظر أن تتبعه، أعمق بكثير من تقسيم البلاد أو الساحة السياسية في تونس، بين "موالين" من جهة يقابلهم "الرافضون"، حين تشق كل "جبهة" عديد الخلافات، بل هي قراءات مرتبطة بواقع البلاد السياسي وكذلك ما هو مفترض من مواعيد انتخابية. هذه الطبقة أو هو الطيف السياسي المتمتع بهذا القانون، الذي كان يعيش واقع الخوف أو هو الرعب من "سيف القانون"، بدؤوا يتحولون من "باحثين عن حماية" يدفعون مقابلها ما هو مطلوب، إلى "فاعلين" قد يختارون التحالف مع أي جهة أو العمل بمفردهم، أي انقلابهم من "طاقة كامنة" تتعرض إلى ابتزاز شديد، إلى "قوة فاعلة" ذات قدرات كبيرة. الصراع من أجل هذا "الكنز" ضمن جميع المعاني الممكنة للفظ، أشعل حرباً شعواء داخل "جناح الموالاة" لهذه المصالحة، بل من المنظر أن تكون هذه "المواجهة" العنوان الأكبر والميدان الأساسي لجميع الصراعات القائمة والقادمة في تونس، بدءاً بتسريع بقية "قوانين المصالحة" أو تعطيلها، أو اللعب على تفاصيل القوانين توسيعًا كان أو تضييقًا، وخاصة شرط التمتع بها. هذه الحروب المزمنة والصراعات التي يتشكل من خلالها وعلى أساسها المشهد القائم والقادم، رغم أهميتها، إلا أننا لا تُنسي حرباً "جانبية" تأتي هي الأخرى شديدة الأهمية، أساسًا على مستوى "صورة تونس" في الخاص، وهي تخص -وفق عديد المراقبين- الصراع الدائر بين كل دوائر الدولة وجميع الجهات السياسية الداعمة لهذه "المصالحات" من جهة، في مقال "هيئة الحقيقة والكرامة" التي تأتي هيئة دستورية مهمتها تأمين الانتقال الديمقراطي في شكله القانوني، وكذلك فض جميعها القضايا ذات علاقة بالتعدي السياسي، مهما كان شكله، على الحقوق الأساسية للإنسان. سهام بن سدرين، رئيسة الهيئة أعلنت الأمر عديد المرات، بل اشتكت إلى منظومات دولية وإقليمية، وعبرت عن خوفها، بل يقينها بأن جميع هذه "المصالحات" والمسعى السياسي الذي يقف وراءها، لا هدف له، سوى تعطيل أشغال هذه الهيئة، ومن ثمة تفادي كل أشكال المحاسبة أو وجوب الاعتراف وطلب الصفح الذي يليه. بين نوايا التي عبر عنها بيان القصر الرئاسي في ختامه "يهدف هذا القانون الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب يوم الأربعاء 13 سبتمبر 2017، إلى تهيئة مناخ ملائم يشجع على تحرير روح المبادرة في الإدارة والنهوض بالاقتصاد الوطني وتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة"، من جهة، مقابل "الطيف الثوري" الذي لا قوة له سوى المزايدات الكلامية، دون أن ننسى حروب "الإخوة الأعداء"، وما هو الصراع الوجودي مع "هيئة الحقيقة والكرامة"، يتساءل العمق التونسي، عن جدوى هذه المصالحات، وتأثيرها على مستوى معيشته وقدرته الشرائية التي عرفت بشهادة الإحصائيات الرسمية، تراجعاً مقلقاً.