دبي – (العربية نت): لم يعد الدعم الإيراني للميليشيات الحوثية في اليمن مقتصرا على ما تصفه بـ"الدعم الاستشاري" من خلال إرسال ضباط وخبراء وعناصر ميليشيات " حزب الله " اللبنانية وغيرها، بل بلغ تزويد المتمردين بالصواريخ الباليستية التي عرضت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هيلي، جزءاً منها الخميس، خلال استعراضها تلك الصواريخ التي استهدفت العاصمة السعودية الرياض، وهو ما اعتبرته انتهاكا للقرار 2216 الأممي.
ولم تعد إيران تخفي رسمياً دعمها للحوثيين، حيث أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني، في كلمة له في 10 ديسمبر الجاري، على استمرار التدخل العسكري الإيراني عن طريق دعم ميليشياته في اليمن، على غرار التدخل الذي يقوم به الحرس الثوري، بدعم ما أطلق عليهم "مقاتلي محور المقاومة" في العراق وسوريا ولبنان"، حسب تعبيره.
وأكد روحاني الذي تخلى أخيراً عن خطابه الذي كان يوصف بـ "المعتدل" في كلمته التي ألقاها أمام مجلس الشوري "البرلمان" الإيراني وبثها التلفزيون الإيراني، على استمرار دعم ميليشيات إيران في المنطقة واليمن، قائلا: "أقبل أیادي مقاتلي المقاومة الذین زرعوا الیأس في قلوب الاستكبار العالمي والصهیونیة. إنهم نشروا الأمن في ربوع العراق وسوریا ولبنان وسينعم الیمن بالأمن أيضا".
وبدأت استراتيجية إيران واضحة في التوغل في اليمن منذ أن أيدت تصفية الحوثيين للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في 4 ديسمبر الجاري، عندما بارك القائد العام للحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، مقتل صالح، معتبرا ما قامت به الجماعة المتمردة الموالية لطهران بأنه "القضاء على المؤامرة والانقلاب الذي دبّر ضد الحوثي".
واعتبرت صحيفة "كيهان" الممولة من قبل المرشد الإيراني مقتل صالح "أحد الألطاف الإلهية الخفية". وذكرت في تقرير، أن من وصفتهم بـ"الأعداء" يقومون أحيانا بخطوات غير محسوبة "لكنهم يقعون في الفخ وتفشل خططهم"، على حد قولها.
أما الرئيس الإيراني حسن روحاني، فقد انضم إلى جوقة المسؤولين الإيرانيين المهنئين بمقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، على أيدي ميليشيات الحوثيين الموالين لطهران، وقال في تصريحات إن شعب اليمن المخلص سيجعل المعتدين "يندمون على أفعالهم"، على حد تعبيره.
ومنذ تسلمه ولايته الثانية في أغسطس الماضي، أطلق روحاني تصريحات متشددة أخيرا حول تأييده المطلق للحرس الثوري بتدخلاته الدموية في دول المنطقة، ما أسقط عنه "قناع الاعتدال" بحسب محللين.
وكان روحاني قد صرح في كلمة متلفزة في 23 أكتوبر الماضي، أنه "لا يمكن في العراق وسوريا ولبنان وشمال إفريقيا والخليج القيام بأي خطوة مصيرية دون إيران "، حسب تعبيره.
توجيه الحوثيين بضرب ناقلات النفط
من جهته، كشف حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة "كيهان" المحسوبة على المرشد الإيراني علي خامنئي عن توجيهات إيرانية لميليشيات الحوثيين قائلا في كلمة له الثلاثاء الماضي، بأنه "في المستقبل القريب ستقوم جماعة "أنصار الله" باستهداف ناقلات النفط السعودية في خليج عدن ".
وتثبت هذه التصريحات والتطورات الأخيرة بأن إيران بدأت تشعر بقرب إنهاء نفوذها في اليمن، حيث أفادت وكالة "سبوتنيك" الروسية الأسبوع الماضي، نقلا عن مسؤول رفيع بالخارجية الإيرانية أن السفارة الإيرانية في صنعاء قامت بإجلاء دبلوماسييها لدواعٍ أمنية، في إشارة لهجوم محتمل من قبل قوات الشرعية المدعومة من التحالف العربي وقوات المقاومة والمؤتمر الشعبي العام لتحرير العاصمة اليمنية من الميليشيات الحوثية التابعة لطهران.
ونقلت الوكالة الروسية عن المسؤول الذي لم تكشف عن اسمه، أن السفارة الإيرانية بصنعاء أوقفت عملها ونقلت أنشطتها إلى سفارتها بسلطنة عمان القريبة.
وكانت وسائل إعلام إيرانية وأجنبية ذكرت أن السفارة الإيرانية في العاصمة اليمنية صنعاء تعرضت، قبل أسبوعين، لحريق بعد إصابتها بقذائف صاروخية أدت إلى احتراقها، خلال اشتباكات بين ميليشيات الحوثي وقوات المؤتمر الشعبي العام.
ونشرت وكالة "مشرق" الإيرانية مقاطع عن التلفزيون الصيني "شينخوا" تظهر تعرض أجزاء من المبنى إلى الحريق وسط تصاعد الدخان.
وجاء في مقطع الفيديو أن مراسل التلفزيون الصيني كان موجوداً بالقرب من الحادث الذي وقع مساء الأحد، وقال إن المبنى تعرض للحريق بعد الهجوم عليه بالأسلحة الثقيلة وقذائف هاون، لكن من غير الواضع مَن الجهة التي كانت تقف وراء الهجوم.
غير أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، نفى تعرض السفارة للقصف، بينما رجح أن تكون أجزاء من المبنى قد تضررت جراء الاشتباكات الدائرة في صنعاء.
انتقادات داخلية
وفي الداخل الإيراني تتزايد الانتقادات حول التدخل في اليمن حيث انتقد القيادي الصلاحي البارز، مصطفى تاج زادة، والذي شغل منصب نائب وزير الداخلية للشؤون السياسية والأمنية بحكومة محمد خاتمي "1997 – 2005"، في تصريحات له في 4 ديسمبر الجاري، استمرار تدخل بلاده في اليمن، قائلاً إنه ليس هناك "عتبات مقدسة" ولا "عمق استراتيجي لإيران" في هذا البلد العربي.
وكتب تاج زادة في تغريدة نشرها عبر حسابه على موقع "تويتر"، قائلا "اليمن ليس محتلاً من قبل داعش وليس فيه حَرَم "مزار" وليس جاراً لإسرائيل لكي يُعتبر حسب قول السادة "قادة النظام الإيراني" عمقاً استراتيجياً للجمهورية الإسلامية".
وفي نوفمبر الماضي، أصدرت النيابة العامة الإيرانية قرارا بإيقاف عمل صحيفة "كيهان" المقربة من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، لمدة يومين فقط، وذلك لأنها كشفت وجهة صواريخ ميليشيات الحوثيين.
وكانت الصحيفة قد ذكرت أن الأهداف التالية لصواريخ الحوثيين ستكون بضرب مناطق أخرى في السعودية ودول الخليج العربي، وذلك عقب يومين من اعتراض الدفاعات الجوية السعودية صاروخا أطلقته هذه الميليشيات على مطار الرياض، الشهر الماضي.
وبرر الرئيس الإيراني حسن روحاني، تلك الهجمات في حينها بأنها "رد فعل" ضد السعودية، بينما توالت الادانات العربية والدولية لإطلاق الميليشيات الانقلابية في اليمن صاروخاً إيرانيا على الرياض، حيث قال البيت الأبيض، في بيان تزامنا مع زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للصين، إن هجمات الحوثيين الصاروخية على المملكة العربية السعودية، والتي يتيح الحرس الثوري الإسلامي بإيران تنفيذها، تهدد الأمن الإقليمي، وتقوض مساعي الأمم المتحدة للتفاوض على نهاية للصراع".
وكانت إيران تستخدم طيرانها المدني لتزويد الحوثيين بالصواريخ والأسلحة حتى ما قبل بداية "عاصفة الحزم" عام 2015 حيث إنه بعد انقلاب الحوثيين وسيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، أبرموا اتفاقا مع خطوط "ماهان إير" أقام الحرس الثوري الإيراني بموجبه جسرا جويا بين طهران وصنعاء.
واستمرت إيران بتزويد الانقلابيين بما كانوا بحاجة إليه من أسلحة تحت ذريعة إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمن، حتى قصفت مقاتلات التحالف مدرج مطار صنعاء لمنع هبوط طائرة من "ماهان"، بعيد انطلاق "عاصفة الحزم" لدعم الشرعية في اليمن حيث منع طيران الائتلاف العربي بقيادة المملكة السعودية مرور أية طائرة إيرانية وأرغمها على العودة.
ولم يتوان المتشددون الإيرانيون عن إعلان استمرار الدعم للميليشيات الحوثية والانقلابيين، بل التوغل في داخل أراضي السعودية، حيث أعلن عنه رجل الدين الإيراني المتشدد مهدي طائب، رئيس مقر "عمّاريون" الاستراتيجي للحروب الناعمة بالحرس الثوري، أن دعم إيران لميليشيات الحوثيين يأتي "بهدف احتلال جدة والرياض"، على حد تعبيره.
وكشف طائب بوضوح في كلمته التي بثها موقع "75" المقرب من المتشددين في إيران والذي نشرته عنه "العربية.نت" في أبريل الماضي، أن "تزويد إيران للحوثيين بالصواريخ تم على مراحل بواسطة الحرس الثوري ودعم وإسناد البحرية التابعة للجيش الإيراني".
واتهم طائب الرئيس الإيراني حسن روحاني بعرقلة ووقف استمرار ارسال شحنات الأسلحة للحوثيين مؤقتا، وقال: تم إبلاغنا بصورة مفاجئة بوقف إرسال الشحنات لأن الأميركيين سيعلقون المفاوضات المتعلقة بالملف النووي، في حال واصلنا تزويد الحوثيين بالسلاح".
وقال طائب الذي كان يتحدث لأعضاء مقر "عماريون" وعدد من ضباط ومنتسبي الحرس الثوري إن المفاوضات النووية بين طهران والدول الست الكبرى، حالت ثلاث مرات دون وصول صواريخ أرض- أرض الإيرانية للحوثيين، حسب تعبيره.
وقال طائب إن "اتفاق روحاني "النووي" عرقل طريق المساعدات العسكرية للحوثيين في اليمن"، مضيفا أن المرشد علي خامنئي هو من أمر بإرسال القوات البحرية التابعة للجيش الإيراني إلى باب المندب لدعم امدادات السلاح، دون أن يعرف ذلك أحد"، حسب تعبيره.
وكانت إيران قد زودت الحوثيين علنا بعدد من الصواريخ القصيرة والبعيدة المدى لضرب أهداف في السعودية وقد تصدت لها الدفاعات الجوية بالمملكة، واعترفت وسائل إعلام إيرانية رسمية خلال العام الماضي، بتزويد الميليشيات والانقلابيين في اليمن بهذه الصواريخ.
ولم يقتصر الدعم الإيراني للحوثيين على إمدادهم بالصواريخ فحسب، بل إن التحالف العربي والقوات الدولية ضبطت شحنات أسلحة ثقيلة وخفيفة ومتفجرات وقذائف وأنواعا أخرى من الأسلحة خلال حوالي ثلاث سنوات من "عاصفة الحزم".
وبعد انطلاق عاصفة الحزم، تواصلت التصريحات الإيرانية بدعم الحوثيين، حيث هدد نائب رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، الجنرال مسعود جزائري، في 8 مارس 2016، بإرسال قوات إيرانية إلى اليمن لمساعدة ميليشيات الانقلابيين الحوثيين، على غرار دعم طهران لنظام بشار الأسد الذي يقتل شعبه في سوريا.
وكانت إيران، اعترفت رسميا، على لسان نائب قائد فيلق القدس للحرس الثوري الإيراني، اللواء إسماعيل قائاني، في 24 مايو 2015 بدعم الحوثيين عسكرياً وتدريبياً ولوجستياً.
وكان قائد الحرس الثوري الأسبق محسن رضائي، والأمين الحالي لمجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، قد وجه رسالة إلى زعيم ميليشيات الحوثيين في اليمن عبدالملك الحوثي، في 29 مارس 2015، حثه خلالها على الاستمرار في "المقاومة" ضد عمليات التحالف لإعادة الشرعية، واعدا باستمرار الدعم الإيراني لهذه الميليشيات الموالية لطهران.
ومنذ يناير 2016 تم تعيين قائد الشرطة الإيرانية السابق، اللواء اسماعيل أحمدي مقدّم، رئيسا للجنة دعم الحوثيين والتي تطلق عليها السلطات، "لجنة دعم الشعب اليمني"، وذلك استمرارا لمسلسل للتدخل العسكري الإيراني السافر في الشأن اليمني لصالح الانقلابيين.
ويندرج دعم ميليشيات الحوثي في إطار المشروع الإيراني الجديد الذي أعلن عنه زعيم ميليشيا "عصائب أهل الحق" العراقية، قيس الخزعلي، في مايو الماضي، عن هدف المحور الإيراني لتشكيل "بدر شيعي" بعد اكتمال "الهلال الشيعي" في المنطقة، في وقت تتحدث فيه إيران عن احتلال أربع عواصم عربية وامتداد نفوذها إلى شواطئ المتوسط وباب المندب.
وأكد الخزعلي أنه في المستقبل "ستكون الفرق القتالية قد اكتملت"، مشيراً إلى تنسيق ميليشيات الحرس الثوري الإيراني وجماعة الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والحشد لشعبي في العراق، بهدف اكمال مشروع "البدر الشيعي".
وتأتي التصريحات الخطيرة والمتوالية حول اكتمال مشاريع "الهلال الشيعي" و"البدر الشيعي" و"محور المقاومة" وغيرها، لتكشف حقيقة واحدة وهي الهدف الأساسي لنظام ولاية الفقيه في إطار إحياء "الامبراطورية الفارسية " للسيطرة على المنطقة ولكن بغطاء شيعي هذه المرة، وهذا ما عبر عنه علي يونسي، مساعد الرئيس الإيراني حسن روحاني، والذي شغل منصب وزير الاستخبارات سابقا، في تصريحات له في مارس 2015 عندما تحدث عن سيطرة إيران على العراق والعالم العربي، وقال إن "بغداد أصبحت مركز الإمبراطورية الإيرانية الجديدة"، في إشارة منه إلى الإمبراطورية الساسانية الفارسية قبل الاسلام.
وكان عدد من القادة السياسيين والعسكريين الإيرانيين بما فيهم الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، ذراع العمليات الخارجية للحرس الثوري، تحدثوا عن اكتمال الهلال الشيعي بقيادة نظام ولاية الفقيه إيران، بهدف "نصرة المستضعفين" في العالم، وهي إحدى شعارات الحرس الثوري والذي أسس فرعا تحت هذا المسمى منذ الثمانينيات لغرض دعم الخلايا والميليشيات التابعة لها حول العالم.
وقال سليماني في كلمة سابقه له إنه "منذ العام 40 للهجري عندما قتل الإمام علي، حكمت بني أمية لمدة 80 عاماً وبني العباس 600 عاماً والعثمانيين 400 عاماً ولم يكن لدى الشيعة الجرأة بإظهار وجودهم وعقائدهم، وإن إحياء المذهب الشيعي بقيادة إيران تعطي لإيران القوة في الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية".
ويزعم نظام ولاية الفقيه في طهران أن أحد أهم أهدافه "تحرير القدس" وبرر تدخلاته في دول المنطقة بحجة البحث عن طريق لفلسطين وبعد ما ردد لأكثر من أربعة عقود شعار "طريق القدس يمر من كربلاء"، استبدله أخيرا بشعار مماثل في المقصد ولكن مختلف في المحطات وهو "طريق القدس يمر من مكة والمدينة"، حسب ما صرح به علي رضا بناهيان، رجل الدين والقائد في مقر "عمار الاستراتيجي" التابع لاستخبارات الحرس الثوري الإيراني في كلمة متلفزة.
وأكد بناهيان خلال كلمة له بمناسبة تجمع لدعم الحوثيين في طهران، في مايو 2015، " إذا كان الإمام الخميني يقول بأن طريق القدس يمر من كربلا، فإن كربلاء قد تحررت اليوم، وإننا نحتاج إلى جناح آخر وهو تحرير مكة والمدينة".
وحرض بناهيان في كلمته الحوثيين أن يقوموا بـ "تدمير السعودية وعدم الاستكانة حتى فتح مكة والمدينة"، مطالبا إياهم باستمرار استهداف المدن السعودية، وهذا ما يفسر استمرار هذه الميليشيات بمحاولات قصف مكة بالصواريخ والتي تصدت لها الدفاعات الجوية السعودية عدة مرات.
وفي إطار مشاريعه التوسعية، أسس النظام الإيراني العديد من الخلايا والمنظمات الإرهابية منها "حزب الله الحجاز" في السعودية، ومنظمات مماثلة في دول الخليج العربي، وتزويد ميليشيات الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان بالسلاح والصواريخ وإعطاؤها الأوامر لتنفيذ عمليات ارهابية. كما دعم وتواطأ مع منظمات إرهابية دولية أخرى مثل القاعدة التي تنفذ هجمات إرهابية داخل الدول العربية والدول الغربية، وآوى عدداً من قيادات القاعدة حيث لا يزال عدد منهم في إيران، ولهذا اعتبرت الراعي الأكبر للإرهاب في العالم.
وغرمت محكمة نيويورك، إيران لتورطها في التعاون مع القاعدة بهجمات 11 سبتمبر 2001 بـ10.7 مليار دولار، وغرامات أخرى تصل إلى 21 مليار دولار لعوائل ضحايا أميركيين سقطوا في تفجيرات في السعودية ولبنان والكويت نفذتها خلايا الحرس الثوري الإيراني.
ولم تعد إيران تخفي رسمياً دعمها للحوثيين، حيث أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني، في كلمة له في 10 ديسمبر الجاري، على استمرار التدخل العسكري الإيراني عن طريق دعم ميليشياته في اليمن، على غرار التدخل الذي يقوم به الحرس الثوري، بدعم ما أطلق عليهم "مقاتلي محور المقاومة" في العراق وسوريا ولبنان"، حسب تعبيره.
وأكد روحاني الذي تخلى أخيراً عن خطابه الذي كان يوصف بـ "المعتدل" في كلمته التي ألقاها أمام مجلس الشوري "البرلمان" الإيراني وبثها التلفزيون الإيراني، على استمرار دعم ميليشيات إيران في المنطقة واليمن، قائلا: "أقبل أیادي مقاتلي المقاومة الذین زرعوا الیأس في قلوب الاستكبار العالمي والصهیونیة. إنهم نشروا الأمن في ربوع العراق وسوریا ولبنان وسينعم الیمن بالأمن أيضا".
وبدأت استراتيجية إيران واضحة في التوغل في اليمن منذ أن أيدت تصفية الحوثيين للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في 4 ديسمبر الجاري، عندما بارك القائد العام للحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، مقتل صالح، معتبرا ما قامت به الجماعة المتمردة الموالية لطهران بأنه "القضاء على المؤامرة والانقلاب الذي دبّر ضد الحوثي".
واعتبرت صحيفة "كيهان" الممولة من قبل المرشد الإيراني مقتل صالح "أحد الألطاف الإلهية الخفية". وذكرت في تقرير، أن من وصفتهم بـ"الأعداء" يقومون أحيانا بخطوات غير محسوبة "لكنهم يقعون في الفخ وتفشل خططهم"، على حد قولها.
أما الرئيس الإيراني حسن روحاني، فقد انضم إلى جوقة المسؤولين الإيرانيين المهنئين بمقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، على أيدي ميليشيات الحوثيين الموالين لطهران، وقال في تصريحات إن شعب اليمن المخلص سيجعل المعتدين "يندمون على أفعالهم"، على حد تعبيره.
ومنذ تسلمه ولايته الثانية في أغسطس الماضي، أطلق روحاني تصريحات متشددة أخيرا حول تأييده المطلق للحرس الثوري بتدخلاته الدموية في دول المنطقة، ما أسقط عنه "قناع الاعتدال" بحسب محللين.
وكان روحاني قد صرح في كلمة متلفزة في 23 أكتوبر الماضي، أنه "لا يمكن في العراق وسوريا ولبنان وشمال إفريقيا والخليج القيام بأي خطوة مصيرية دون إيران "، حسب تعبيره.
توجيه الحوثيين بضرب ناقلات النفط
من جهته، كشف حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة "كيهان" المحسوبة على المرشد الإيراني علي خامنئي عن توجيهات إيرانية لميليشيات الحوثيين قائلا في كلمة له الثلاثاء الماضي، بأنه "في المستقبل القريب ستقوم جماعة "أنصار الله" باستهداف ناقلات النفط السعودية في خليج عدن ".
وتثبت هذه التصريحات والتطورات الأخيرة بأن إيران بدأت تشعر بقرب إنهاء نفوذها في اليمن، حيث أفادت وكالة "سبوتنيك" الروسية الأسبوع الماضي، نقلا عن مسؤول رفيع بالخارجية الإيرانية أن السفارة الإيرانية في صنعاء قامت بإجلاء دبلوماسييها لدواعٍ أمنية، في إشارة لهجوم محتمل من قبل قوات الشرعية المدعومة من التحالف العربي وقوات المقاومة والمؤتمر الشعبي العام لتحرير العاصمة اليمنية من الميليشيات الحوثية التابعة لطهران.
ونقلت الوكالة الروسية عن المسؤول الذي لم تكشف عن اسمه، أن السفارة الإيرانية بصنعاء أوقفت عملها ونقلت أنشطتها إلى سفارتها بسلطنة عمان القريبة.
وكانت وسائل إعلام إيرانية وأجنبية ذكرت أن السفارة الإيرانية في العاصمة اليمنية صنعاء تعرضت، قبل أسبوعين، لحريق بعد إصابتها بقذائف صاروخية أدت إلى احتراقها، خلال اشتباكات بين ميليشيات الحوثي وقوات المؤتمر الشعبي العام.
ونشرت وكالة "مشرق" الإيرانية مقاطع عن التلفزيون الصيني "شينخوا" تظهر تعرض أجزاء من المبنى إلى الحريق وسط تصاعد الدخان.
وجاء في مقطع الفيديو أن مراسل التلفزيون الصيني كان موجوداً بالقرب من الحادث الذي وقع مساء الأحد، وقال إن المبنى تعرض للحريق بعد الهجوم عليه بالأسلحة الثقيلة وقذائف هاون، لكن من غير الواضع مَن الجهة التي كانت تقف وراء الهجوم.
غير أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، نفى تعرض السفارة للقصف، بينما رجح أن تكون أجزاء من المبنى قد تضررت جراء الاشتباكات الدائرة في صنعاء.
انتقادات داخلية
وفي الداخل الإيراني تتزايد الانتقادات حول التدخل في اليمن حيث انتقد القيادي الصلاحي البارز، مصطفى تاج زادة، والذي شغل منصب نائب وزير الداخلية للشؤون السياسية والأمنية بحكومة محمد خاتمي "1997 – 2005"، في تصريحات له في 4 ديسمبر الجاري، استمرار تدخل بلاده في اليمن، قائلاً إنه ليس هناك "عتبات مقدسة" ولا "عمق استراتيجي لإيران" في هذا البلد العربي.
وكتب تاج زادة في تغريدة نشرها عبر حسابه على موقع "تويتر"، قائلا "اليمن ليس محتلاً من قبل داعش وليس فيه حَرَم "مزار" وليس جاراً لإسرائيل لكي يُعتبر حسب قول السادة "قادة النظام الإيراني" عمقاً استراتيجياً للجمهورية الإسلامية".
وفي نوفمبر الماضي، أصدرت النيابة العامة الإيرانية قرارا بإيقاف عمل صحيفة "كيهان" المقربة من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، لمدة يومين فقط، وذلك لأنها كشفت وجهة صواريخ ميليشيات الحوثيين.
وكانت الصحيفة قد ذكرت أن الأهداف التالية لصواريخ الحوثيين ستكون بضرب مناطق أخرى في السعودية ودول الخليج العربي، وذلك عقب يومين من اعتراض الدفاعات الجوية السعودية صاروخا أطلقته هذه الميليشيات على مطار الرياض، الشهر الماضي.
وبرر الرئيس الإيراني حسن روحاني، تلك الهجمات في حينها بأنها "رد فعل" ضد السعودية، بينما توالت الادانات العربية والدولية لإطلاق الميليشيات الانقلابية في اليمن صاروخاً إيرانيا على الرياض، حيث قال البيت الأبيض، في بيان تزامنا مع زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للصين، إن هجمات الحوثيين الصاروخية على المملكة العربية السعودية، والتي يتيح الحرس الثوري الإسلامي بإيران تنفيذها، تهدد الأمن الإقليمي، وتقوض مساعي الأمم المتحدة للتفاوض على نهاية للصراع".
وكانت إيران تستخدم طيرانها المدني لتزويد الحوثيين بالصواريخ والأسلحة حتى ما قبل بداية "عاصفة الحزم" عام 2015 حيث إنه بعد انقلاب الحوثيين وسيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، أبرموا اتفاقا مع خطوط "ماهان إير" أقام الحرس الثوري الإيراني بموجبه جسرا جويا بين طهران وصنعاء.
واستمرت إيران بتزويد الانقلابيين بما كانوا بحاجة إليه من أسلحة تحت ذريعة إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمن، حتى قصفت مقاتلات التحالف مدرج مطار صنعاء لمنع هبوط طائرة من "ماهان"، بعيد انطلاق "عاصفة الحزم" لدعم الشرعية في اليمن حيث منع طيران الائتلاف العربي بقيادة المملكة السعودية مرور أية طائرة إيرانية وأرغمها على العودة.
ولم يتوان المتشددون الإيرانيون عن إعلان استمرار الدعم للميليشيات الحوثية والانقلابيين، بل التوغل في داخل أراضي السعودية، حيث أعلن عنه رجل الدين الإيراني المتشدد مهدي طائب، رئيس مقر "عمّاريون" الاستراتيجي للحروب الناعمة بالحرس الثوري، أن دعم إيران لميليشيات الحوثيين يأتي "بهدف احتلال جدة والرياض"، على حد تعبيره.
وكشف طائب بوضوح في كلمته التي بثها موقع "75" المقرب من المتشددين في إيران والذي نشرته عنه "العربية.نت" في أبريل الماضي، أن "تزويد إيران للحوثيين بالصواريخ تم على مراحل بواسطة الحرس الثوري ودعم وإسناد البحرية التابعة للجيش الإيراني".
واتهم طائب الرئيس الإيراني حسن روحاني بعرقلة ووقف استمرار ارسال شحنات الأسلحة للحوثيين مؤقتا، وقال: تم إبلاغنا بصورة مفاجئة بوقف إرسال الشحنات لأن الأميركيين سيعلقون المفاوضات المتعلقة بالملف النووي، في حال واصلنا تزويد الحوثيين بالسلاح".
وقال طائب الذي كان يتحدث لأعضاء مقر "عماريون" وعدد من ضباط ومنتسبي الحرس الثوري إن المفاوضات النووية بين طهران والدول الست الكبرى، حالت ثلاث مرات دون وصول صواريخ أرض- أرض الإيرانية للحوثيين، حسب تعبيره.
وقال طائب إن "اتفاق روحاني "النووي" عرقل طريق المساعدات العسكرية للحوثيين في اليمن"، مضيفا أن المرشد علي خامنئي هو من أمر بإرسال القوات البحرية التابعة للجيش الإيراني إلى باب المندب لدعم امدادات السلاح، دون أن يعرف ذلك أحد"، حسب تعبيره.
وكانت إيران قد زودت الحوثيين علنا بعدد من الصواريخ القصيرة والبعيدة المدى لضرب أهداف في السعودية وقد تصدت لها الدفاعات الجوية بالمملكة، واعترفت وسائل إعلام إيرانية رسمية خلال العام الماضي، بتزويد الميليشيات والانقلابيين في اليمن بهذه الصواريخ.
ولم يقتصر الدعم الإيراني للحوثيين على إمدادهم بالصواريخ فحسب، بل إن التحالف العربي والقوات الدولية ضبطت شحنات أسلحة ثقيلة وخفيفة ومتفجرات وقذائف وأنواعا أخرى من الأسلحة خلال حوالي ثلاث سنوات من "عاصفة الحزم".
وبعد انطلاق عاصفة الحزم، تواصلت التصريحات الإيرانية بدعم الحوثيين، حيث هدد نائب رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، الجنرال مسعود جزائري، في 8 مارس 2016، بإرسال قوات إيرانية إلى اليمن لمساعدة ميليشيات الانقلابيين الحوثيين، على غرار دعم طهران لنظام بشار الأسد الذي يقتل شعبه في سوريا.
وكانت إيران، اعترفت رسميا، على لسان نائب قائد فيلق القدس للحرس الثوري الإيراني، اللواء إسماعيل قائاني، في 24 مايو 2015 بدعم الحوثيين عسكرياً وتدريبياً ولوجستياً.
وكان قائد الحرس الثوري الأسبق محسن رضائي، والأمين الحالي لمجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، قد وجه رسالة إلى زعيم ميليشيات الحوثيين في اليمن عبدالملك الحوثي، في 29 مارس 2015، حثه خلالها على الاستمرار في "المقاومة" ضد عمليات التحالف لإعادة الشرعية، واعدا باستمرار الدعم الإيراني لهذه الميليشيات الموالية لطهران.
ومنذ يناير 2016 تم تعيين قائد الشرطة الإيرانية السابق، اللواء اسماعيل أحمدي مقدّم، رئيسا للجنة دعم الحوثيين والتي تطلق عليها السلطات، "لجنة دعم الشعب اليمني"، وذلك استمرارا لمسلسل للتدخل العسكري الإيراني السافر في الشأن اليمني لصالح الانقلابيين.
ويندرج دعم ميليشيات الحوثي في إطار المشروع الإيراني الجديد الذي أعلن عنه زعيم ميليشيا "عصائب أهل الحق" العراقية، قيس الخزعلي، في مايو الماضي، عن هدف المحور الإيراني لتشكيل "بدر شيعي" بعد اكتمال "الهلال الشيعي" في المنطقة، في وقت تتحدث فيه إيران عن احتلال أربع عواصم عربية وامتداد نفوذها إلى شواطئ المتوسط وباب المندب.
وأكد الخزعلي أنه في المستقبل "ستكون الفرق القتالية قد اكتملت"، مشيراً إلى تنسيق ميليشيات الحرس الثوري الإيراني وجماعة الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والحشد لشعبي في العراق، بهدف اكمال مشروع "البدر الشيعي".
وتأتي التصريحات الخطيرة والمتوالية حول اكتمال مشاريع "الهلال الشيعي" و"البدر الشيعي" و"محور المقاومة" وغيرها، لتكشف حقيقة واحدة وهي الهدف الأساسي لنظام ولاية الفقيه في إطار إحياء "الامبراطورية الفارسية " للسيطرة على المنطقة ولكن بغطاء شيعي هذه المرة، وهذا ما عبر عنه علي يونسي، مساعد الرئيس الإيراني حسن روحاني، والذي شغل منصب وزير الاستخبارات سابقا، في تصريحات له في مارس 2015 عندما تحدث عن سيطرة إيران على العراق والعالم العربي، وقال إن "بغداد أصبحت مركز الإمبراطورية الإيرانية الجديدة"، في إشارة منه إلى الإمبراطورية الساسانية الفارسية قبل الاسلام.
وكان عدد من القادة السياسيين والعسكريين الإيرانيين بما فيهم الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، ذراع العمليات الخارجية للحرس الثوري، تحدثوا عن اكتمال الهلال الشيعي بقيادة نظام ولاية الفقيه إيران، بهدف "نصرة المستضعفين" في العالم، وهي إحدى شعارات الحرس الثوري والذي أسس فرعا تحت هذا المسمى منذ الثمانينيات لغرض دعم الخلايا والميليشيات التابعة لها حول العالم.
وقال سليماني في كلمة سابقه له إنه "منذ العام 40 للهجري عندما قتل الإمام علي، حكمت بني أمية لمدة 80 عاماً وبني العباس 600 عاماً والعثمانيين 400 عاماً ولم يكن لدى الشيعة الجرأة بإظهار وجودهم وعقائدهم، وإن إحياء المذهب الشيعي بقيادة إيران تعطي لإيران القوة في الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية".
ويزعم نظام ولاية الفقيه في طهران أن أحد أهم أهدافه "تحرير القدس" وبرر تدخلاته في دول المنطقة بحجة البحث عن طريق لفلسطين وبعد ما ردد لأكثر من أربعة عقود شعار "طريق القدس يمر من كربلاء"، استبدله أخيرا بشعار مماثل في المقصد ولكن مختلف في المحطات وهو "طريق القدس يمر من مكة والمدينة"، حسب ما صرح به علي رضا بناهيان، رجل الدين والقائد في مقر "عمار الاستراتيجي" التابع لاستخبارات الحرس الثوري الإيراني في كلمة متلفزة.
وأكد بناهيان خلال كلمة له بمناسبة تجمع لدعم الحوثيين في طهران، في مايو 2015، " إذا كان الإمام الخميني يقول بأن طريق القدس يمر من كربلا، فإن كربلاء قد تحررت اليوم، وإننا نحتاج إلى جناح آخر وهو تحرير مكة والمدينة".
وحرض بناهيان في كلمته الحوثيين أن يقوموا بـ "تدمير السعودية وعدم الاستكانة حتى فتح مكة والمدينة"، مطالبا إياهم باستمرار استهداف المدن السعودية، وهذا ما يفسر استمرار هذه الميليشيات بمحاولات قصف مكة بالصواريخ والتي تصدت لها الدفاعات الجوية السعودية عدة مرات.
وفي إطار مشاريعه التوسعية، أسس النظام الإيراني العديد من الخلايا والمنظمات الإرهابية منها "حزب الله الحجاز" في السعودية، ومنظمات مماثلة في دول الخليج العربي، وتزويد ميليشيات الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان بالسلاح والصواريخ وإعطاؤها الأوامر لتنفيذ عمليات ارهابية. كما دعم وتواطأ مع منظمات إرهابية دولية أخرى مثل القاعدة التي تنفذ هجمات إرهابية داخل الدول العربية والدول الغربية، وآوى عدداً من قيادات القاعدة حيث لا يزال عدد منهم في إيران، ولهذا اعتبرت الراعي الأكبر للإرهاب في العالم.
وغرمت محكمة نيويورك، إيران لتورطها في التعاون مع القاعدة بهجمات 11 سبتمبر 2001 بـ10.7 مليار دولار، وغرامات أخرى تصل إلى 21 مليار دولار لعوائل ضحايا أميركيين سقطوا في تفجيرات في السعودية ولبنان والكويت نفذتها خلايا الحرس الثوري الإيراني.