عواصم - (وكالات): في اليوم الثاني من الهدنة الروسية القصيرة، امتنع المدنيون عن الخروج من الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق عبر ممر حددته موسكو، لعدم ثقتهم في روسيا، وسط تبادل للاتهامات بين الفصائل المعارضة من جهة وقوات النظام وروسيا من جهة ثانية عمن يتحمل مسؤولية استمرار الأزمة الإنسانية.
ومنذ بدء التصعيد العسكري في الغوطة الشرقية في 18 فبراير، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 600 ومدنيين اثنين بينهم 147 طفلا.
ورغم تبني مجلس الأمن الدولي السبت قراراً يطالب بوقف شامل لاطلاق النار في سوريا "من دون تأخير"، أعلنت روسيا هدنة "إنسانية" يومية في الغوطة الشرقية بدأت الثلاثاء، وتستمر فقط بين الساعة التاسعة صباحاً "07,00 ت غ" والثانية من بعد الظهر. ويُفتح خلالها "ممر انساني" عند معبر الوافدين، الواقع شمال شرق مدينة دوما لخروج المدنيين.
ولليوم الثاني، لم يخرج الأربعاء مدنيون عبر المعبر، وفق مراسلة فرانس برس في المكان.
واتهمت السلطات السورية وموسكو الفصائل المعارضة بمنع المدنيين من المغادرة.
وأمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الاربعاء "الدور الآن على المسلحين (من فصائل المعارضة) (...) الذين يواصلون قصف دمشق ومنع ايصال المساعدات وإجلاء الراغبين بمغادرة" المنطقة.
من جهته، اكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان دمشق "تتعرض للقصف في شكل مستمر" انطلاقا من الغوطة الشرقية.
وعند معبر الوافدين، قال مصدر عسكري لفرانس برس "الممر الإنساني مفتوح، لكن حتى الان ونحن في اليوم الثاني لم يأت أحد"، مضيفاً "الارهابيون يحاولون اعاقة من يحاول التقدم سواء من الداخل وذلك بالضغط عليهم او باستهداف الممرات الانسانية".
وأوضح المصدر العسكري أن "الهدنة لثلاثة أيام قابلة للتمديد في حال خروج المدنيين (...) ولكن إن لم يكن هناك نتائج كيف يمكننا الاستمرار؟"
ونفى المتحدث باسم "جيش الاسلام"، أبرز فصائل الغوطة الشرقية، حمزة بيرقدار استهداف المعبر، معتبراً أن "أهالي الغوطة يرفضون هذه المسألة "الخروج" جملة وتفصيلا".
ورفضت الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، وبينها جيش الاسلام وفيلق الرحمن، ما اسمته "تهجير المدنيين أو ترحيلهم".
وخلال الساعات الخمس من الهدنة الأربعاء، طغى هدوء على الغوطة الشرقية قطعه تساقط بعض القذائف، وفق ما أفاد المرصد السوري. وفور انتهاء الهدنة عند الساعة الثانية ظهراً، عادت الطائرات والمروحيات إلى الأجواء لتستهدف مدينة دوما وبلدة أوتايا.
وأبدى سكان في الغوطة الشرقية شكوكا حيال الهدنة الروسية وخشية من استخدام الممرات "لعدم ثقتهم" في موسكو.
وقال محمد ابو المجد "60 عاماً" أحد سكان دوما "لا أحد يخرج من أهالي الغوطة، نرفض هذا الامر"، مضيفاً "في حال خرجنا، أين يذهب الشباب؟ يأخذونهم إلى الجيش لقتال الشعب. وشعبنا يقاتل شعبنا".
وتساءل "ماذا تعني هدنة للساعة الثانية؟ يعني أن بعد الثانية يعود قصف الطيران ويزداد القتل".
وقالت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا انجي صدقي "من الصعب أن يستخدم أي مدني ممرات العبور إذا لم تكن هناك ضمانات كافية (...) لن تخاطر أسرة مؤلفة من أم وأطفال بحياتها إذا لم يكن لديها ضمانات السلامة اللازمة".
وأضافت "هناك نوع من الخوف لدى المدنيين بسبب عدم وجود توافق بين الأطراف".
واعتبرت صدقي أن الحل لا يقتصر على إخراج الحالات الحرجة من الغوطة الشرقية "وإنما يتعلق أيضاً بإدخال مساعدات طبية مناسبة ليتم علاج" المرضى حيث هم، موضحة "للأسف خمس ساعات غير كافية لإيصال المساعدات، نحن نحتاج لساعات طويلة من التحضير والانتقال من نقطة إلى أخرى وتفريغ المساعدات".
وكانت اللجنة الدولية للصليب الاحمر طلبت في وقت سابق السماح لها بالدخول الى الغوطة الشرقية للمساعدة في علاج الجرحى.
وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، فإن أكثر من 700 شخص بحاجة إلى إخلاء طبي من الغوطة الشرقية.
في نيويورك، اعلن مارك لووكوك مساعد الامين العام للامم المتحدة للشؤون الانسانية الاربعاء ان حوالى اربعين شاحنة محملة بالمساعدات الانسانية مستعدة للتوجه الى الغوطة الشرقية قرب دمشق.
لكنه اكد ان لا شيء تغير منذ تبني قرار دولي السبت يطالب بوقف لاطلاق النار في سوريا. واضاف ان الامم المتحدة مستعدة للتوجه الى عشر مناطق محاصرة.
في المقابل، تتواصل منذ ما بعد منتصف الليل المعارك على محاور في جنوب وشرق الغوطة الشرقية. ووثق المرصد السوري مقتل 38 عنصراً من قوات النظام و12 من فصيل جيش الإسلام خلال المعارك في منطقة المرج جنوباً.
وسبق لروسيا أن أعلنت خلال معارك مدينة حلب شمالا في عام 2016 هدناً انسانية مماثلة بهدف افساح المجال أمام سكان أحياء المدينة الشرقية المحاصرين للخروج، لكن من غادروا كانوا قلة اذ عبر كثيرون عن شكوكهم بشأن الممرات التي حددت كطرق آمنة.
وانتهت معركة حلب مع ذلك باجلاء آلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين في ديسمبر 2016.
وخلال هدن مماثلة في حلب، كان يتم فتح حوالى 4 ممرات لخروج المدنيين، فيما يقتصر الأمر في الغوطة الشرقية التي تضم عشرات المدن والبلدات والقرى على معبر واحد.
وفي الغوطة الشرقية، أبدت الفصائل المعارضة استعدادها فقط لاخلاء مقاتلي هيئة تحرير الشام "النصرة سابقاً"، بعد 15 يوماً من دخول وقف اطلاق النار الذي أعلنه مجلس الامن الدولي حيز التنفيذ الفعلي.
ويطلب قرار مجلس الأمن الدولي وقفاً للاعمال الحربية من دون تأخير لمدة 30 يوماً، لافساح المجال أمام "ايصال المساعدات الانسانية بشكل منتظم واجلاء طبي للمرضى والمصابين بجروح بالغة".
ويستثني القرار تنظيمي الدولة "داعش"، والقاعدة وجبهة النصرة في اشارة الى هيئة تحرير الشام وكل المجموعات والاشخاص المرتبطين بها.