بيروت - بديع قرحاني

كشف التحضيرات للانتخابات النيابية اللبنانية المزمع اجراؤها يوم الأحد 6 مايو الجاري، عمق الفجوة والصراعات داخل الطائفة السنية مقارنة بالطوائف الأخرى في لبنان. فما هي الأسباب والتداعيات، وهل هذا دليل عافية في الحياة السياسية للطائفة السنية في بلد الطوائف والمحكوم طائفيا حسب تركيبته منذ استقلال لبنان. "الوطن" ترصد صراعات "سنة لبنان" عشية الاستحقاق الانتخابي، وتحاول من خلال التحليل شرحه ملابسات ذلك، حيث ان الامر بالنسبة للطائف الشيعية محسوم بين الثنائي حركة "امل" "وحزب الله"، ولم يتجرأ احد على ان يقف بوجههما وإلا اتهم مباشرة بانه عميل لتنظيم الدولة "داعش" او للسفارات الأجنبية، كما سبق واطلق على بعض المعارضين الشيعة لهذين الحزبين بأنهم "شيعة السفارة".

اما بالنسبة للطائفة المسيحية والمارونية تحديدا، فالتعددية منتشرة، وبالرغم من ان التنافس شديد بينهم الا انهم استطاعوا ربط النزاع بمعظم المسائل وبصورة خاصة المسألة التي تعنى بحماية الوجود المسيحي في لبنان إضافة إلى الحفاظ على الامتيازات الخاصة بهم داخل الدولة وبقيت المنافسة ضمن إطارها الطبيعي، بين كافة الأحزاب المسيحية وأبرزها "التيار الوطني الحر"، "والقوات اللبنانية"،" و"تيار المردة"، "وحزب الكتائب".

يرفض بعض كبار العارفين مقولة إن "الطائفة السنية مشرذمة"، ويؤكدون ان تلك المقولة ليست صحيحة، ولها خلفيات سياسية شخصية. ومنذ نشأة لبنان البلد الكبير والطائفة السنية لها مرجعيتها المتعددة والموزعة بين بيروت وطرابلس وصيدا، فمن آل الصلح إلى اليافي إلى سلام في بيروت إلى كرامي والجسر والمقدم والأحدب وألمنلا في طرابلس إلى آل البزري وسعد في صيدا كان للسنة قيادات متعددة. صحيح أن القيادات كانت تتنافس فيما بينها ولكن فيما يتعلق بالقضايا المصيرية للطائفة السنية كانت تتلاحم في موقف موحّد. لكن التشرذم الحقيقي بدأ عندما جرى تغْيِيب والغاء كافة القيادات السنية في لبنان لصالح أحادية مطلقة على صعيد كل لبنان، وهذا ما يرفضه معظم معارضي رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري من داخل الطائفة، وهو التفرد بقرار طائفة كبيرة تنتمي لامة مليار وأكثر، تدار بحصرية وعبر مستشارين غالبيتهم من خارج الطائفة، وهذا الأمر الذي لا يمكن أن تراه لدى الطوائف اللبنانية الأخرى.

لم يكن إدارة الأمور في لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري بالأمر السهل، هذا الاغتيال الذي كان أشبه بزلزال مدمر لكل اللبنانيين وبصورة خاصة للطائفة السنية التي ينتمي إليها الرئيس الحريري. تسلم الحريري قيادة الوزارة وهو وريث الدم وحظي بشعبية لم يحظَ بها أي من الزعامات اللبنانية، وتحديداً أيضا داخل الطائفة السنية. وفي 2005، كانت الحكومة اللبنانية حكومة انتخابات وحكومة المحكمة الدولية ولجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، وكان يرأس الحكومة آنذاك الرئيس نجيب ميقاتي، الذي عزف عن ترشحه للانتخابات النيابية آنذاك كونه رئيساً للحكومة، لان المنطق يقول ذلك، وساهم في تعيين المقربين من الرئيس الشهيد رفيق الحريري في اهم المراكز الحساسة من اجل متابعة عمل اللجان الدولية بالتحقيق في جريمة اغتيال الحريري، فتم تعيين اللواء اشرف ريفي مديرا عاما لقوى الامن الداخلي، واللواء الشهيد وسام الحسن رئيساً لشعبة المعلومات. وبعد اجراء الانتخابات استمرت الاغتيالات وشهداء ثورة الارز. في ذلك الوقت تم تشكيل حكومة الرئيس السنيورة ، ‏في عام 2007، وتمت محاصرة السراي الحكومي من قبل جمهور حزب الله والتيار الوطني الحر مطالبين الحكومة بالاستقالة. ‏في عام 2008، كان 7 مايو، "اليوم المجيد" كما اسماه امين عام حزب الله، وهو اليوم الذي استبيحت فيه بيروت من قبل "حزب الله" وحلفاء سوريا، كل هذه الأمور ربما كان من الصعب على الحريري.

‏في عام 2009 تم اتفاق اخر وتم التفاهم على رئيس للجمهورية آنذاك هو ميشال سليمان الذي كان قائدا للجيش واقرار انتخابات نيابية، انتصرت فيها قوى 14 اذار، وتمت عرقلة عمل الحكومة التي كان يرأسها الحريري.

في عام 2010، جاء القرار الإيراني السوري واعطى الامر بإسقاط حكومة الحريري عبر استقالة حلفاء ايران وسوريا ما عرف آنذاك باسم "الثلث الضامن".

في عامي 2010 و2011، تم تشكيل حكومة يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي، الذي رفض تشكيل حكومة قبل أخذ الضمانات اللازمة فيما خص استمرار وتمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وحصوله على ضوء اخضر من العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، حيث اجرى الرئيس ميقاتي اتصالاً بالعاهل السعودي الراحل، وأبلغه أنه سيشكل الحكومة الجديدة في لبنان، فأجابه الملك الراحل أن السنة لبنان هم امانة في رقبتكم يا دولة الرئيس.

ويجمع محللون على أن ميقاتي لو رفض تشكيل الحكومة لكنا أمام حكومة يرأسها "حزب الله" مباشرة عبر عبد الرحيم مراد. غضب الحريري، لفترة، قبل أن يلتقي قيادات السنة مجدداً في منزل نادر الحريري مدير مكتب الحريري وطويت صفحة الخلافات، وبصورة خاصة أن ميقاتي، ولغاية استقالته بعد اغتيال اللواء وسام الحسن، لم يمس اي شخص قريب أو حليف لتيار المستقبل للرئيس الحريري في سلك الدولة، بل اكثر من ذلك لم يعين اي من الأشخاص المحسوبين عليه داخل سلك الدولة وهذا ما رَآه ولمسه ويشهد به الرئيس سعد الحريري. ‏في عام 2011، ابعد الحريري قصراً من لبنان 4 سنوات الى 2015، بسبب تهديده شخصيا بالتصفية الجسدية إضافة إلى تهديده عبر القمصان السود في شوارع بيروت وذلك مع بدء الثورة السورية واستمرار القتل والاغتيالات لأهم المقربين من الحريري. في عام 2016، عاد الحريري إلى لبنان حاملاً معه ملف إنهاء الفراغ الرئاسي لأن لبنان كان على هاوية الانهيار الاقتصادي والأمني وأخذ على عاتقه المسؤولية الكبرى بترشيح العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، بعد أن كان قد رشح الوزير سليمان فرنجية والاثنين هما من أبرز حلفاء المحور السوري الإيراني في الوسط المسيحي بلبنان، الأمر الذي لم يتم استيعابه من قبل الشارع المؤيد للحريري، لأن كل هذه المبادرات لم يتم التحضير لها شعبياً، حيث إنه منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري والشارع السني في حالة غضب وغليان من ممارسات المحور السوري والإيراني.

وبدأت بوادر الانشقاقات من المقربين من الحريري وأبرزهم الجنرال اشرف ريفي، الذي استقال من حكومة سلام فياض بسبب ملف ميشال سماحة. وكان التصريح المشهور للرئيس الحريري من أن "ريفي لا يمثلني". وبدأ الخلاف يدب بين الحريري وريفي. هذا الموقف لم يروق لغالبية السنة في لبنان، وتحولت المعركة الى معركة شخصية بين الطرفين، المستفيد الأكبر منها كان "حزب الله"، سياسياً وانتخابياً، حيث يصف مراقبون أن ترشيح ريفي لوائح في معظم المناطق في مواجهة لوائح المستقبل لن تؤدي إلا لخرقهم من لوائح "حزب الله" وحلفاء سوريا. ‏في آخر 2016، انتخب ميشال عون رئيساً للجمهورية بما يسمى تسوية الاستقرار والأمان للبنان ومن بعدها استقالت حكومة سلام فياض وتم تكليف الحريري تشكيل حكومة الاستقرار .

‏في عامي 2017 و2018، استقال رئيس الحكومة وأعلنها من الرياض بسبب عدم "النأي بالنفس" التي وضعها وصنعها الرئيس ميقاتي، فتريث ومن ثم تابع العمل الحكومي.

الوقع اليوم مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الأحد المقبل، يؤكد أن الحريري يعيد الخطأ نفسه وهو اعتماده على مجموعة من المستشارين، في موجهة عائلات وشخصيات سنية لم ينجح أي كان بإلغائها أو شطبها من الحياة السياسية، وهذا ما يفسر العدد الكبير للوائح السنية المواجهة لـ "تيار المستقبل"، باستثناء ميقاتي الذي قرر خوض الاستحقاق داخل مدينته طرابلس في محاولة لإعادة هيبة وكرامة المدينة المسلوبة بسبب احادية القرار الذي يحاول الحريري أن يحصل عليه مجدداً، مستخدماً كل الأسلحة الممكنة لتحقيق ذلك إعلامياً وأمنياً وسياسياً، اما ريفي، فهو يعتبر ان الحريري خرج عن الثوابت، ويطرح مشروعاً ربما من الصعب تحقيقه في الشكل والمضمون الذي يطرحه.

التعددية في الحياة السياسية لدى الطائفة السنية لطالما كانت مصدر قوة للجميع في لبنان وليس فقط لدى الطائفة والقرار يعود للحريري، ولنتائج الانتخابات النيابية المقبلة والتي من المتوقع أن تكسر هذه الأحادية.

مصدر خليجي رفيع قال لـ "الوطن" أن السعودية منفتحة على الجميع وستتعاطى مع الدولة والحكومة، والمملكة ستبارك للفائزين في الانتخابات النيابية، وليس لدى المملكة أي اشكالية مع أحد باستثناء الذين يتآمرون على المملكة وأمنها وأمن الدول العربية وبصورة خاصة الخليجية منها أياً كان مذهبهم او طائفتهم. وأضاف المصدر أن "ما لمسه من معظم القوى السياسية في لبنان اليوم باستثناء "حزب الله" حرصهم على العلاقة المتميزة بين البلدين".